ثورة من الجدل فجرتها الشابة المصرية ريم مهنا في المجتمع خلال الأيام الأخيرة، بعد أن ظهرت في مقطع فيديو عبر صفحتها الشخصية على منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مفصحة بكل ثقة عن إجراءها عملية حفظ أو تجميد بويضاتها منذ عامين.
"ريم" بررت استخدامها وتخصيب البويضة مستقبلا بعد أن تتزوج، بدعوى أنها قد لا تجد زوجًا مناسبًا قبل بلوغها سن اليأس وحتى لا تكون مجبرة على الزواج من أي شخص بغرض الإنجاب، إضافة إلى تحقيق حلم الأمومة في حالة زواجها في سن متقدمة، معللة حديثها بانتشار هذه العملية في أوروبا وكل بلاد العالم، وأن هذه العملية تمنحها المزيد من الحرية للاستثمار في حياتها المهنية.
ولعل هذه القضية فتحت باب الاجتهاد بين العلماء والمختصين وامتد الأمر إلى جميع البيوت المصرية ليطرح الجميع رأيها في هذه قضية الإنجاب الصناعي.
"تجميد البويضات"
طبيًا تعرف تجميد البويضات باسم حفظ الخلية البيضية الناضجة بالتجميد، بطرق طبية للحفاظ على قدرة النساء على الحمل في المستقبل، حيث تُستخرج البويضات من مبيضي المرأة وتُجمّد غير مخصَّبة وتحفّظ للاستعمال لاحقًا، ويمكن إذابة البويضة المجمدة وتلقيحها بالحيوان المنوي في المعمل ثم زرعها في رحم المرأة من خلال التلقيح الصناعي.
"مناقشة اجتماعية"
وطرحت "بوابة أخبار اليوم" القضية للمناقشة على أهل العلم، من الأطباء في المقام الأول، حول آلية وطريقة تجميد البويضات والمدة التي يمكن أن تبقى فيها صالحة، والسبل التي تجعلها لا تختلط بغيرها حفاظًا على أحكام النسب، وهل ستكون عند تخصيبها كأنها لم تجمد فتعطي نفس نتيجتها التي كانت ستعطيها لو أنها لم تجمد، كما تحدثنا مع فقهاء ورجال دين حول الحكم الديني، وإمكانية فتحها مجالات التلاعب وارتكاب المحظورات الشرعية، إضافة علماء اجتماع وصحة نفسية وفقهاء حول الأبعاد النفسية التي قد تدفع الفتاة إلى ذلك، كما رصدنا رأي الشباب في إمكانية الزواج من فتاة "تجميد بويضاتها"، وكذلك البنات في إمكانية اللجوء إلى هذا الأمر، وهل من الممكن أن تفتح هذه القضية الباب لتجميد أشياء أخرى؟
:جدل في الشارع"
البداية من رأي الشباب، فأبدت وفاء، 34 سنة، حماسها للفكرة، قائلة: لا مانع من لجئوها إلا ذلك حتى تحفظ حقها وفرصتها في الإنجاب، وأن الأمر يفيد الجميع على اعتبار أنه لا يخالف أنه لا يؤذي أحد بل يرفع الحالة المعنوية للبنت التي تعدت سن الزواج سيرًا على قاعدة "أنت حر ما لم تضر"، متسائلة عن مدى ضرر الوضع لأي شخص يرفض الفكرة.
أما أحمد إسماعيل، 26 سنة، فقال: "بالطبع أنا أرفض أن أتزوج من امرأة تقرر تجميد بويضاتها مهما كانت درجة تعلقي بها، وذلك بسب أن هذا الأمر يخالف تعاليم الدين الإسلامي، وهناك إجماع فقهي على حرمانيته، هذا غير أن أهلي سيرفضون ذلك رفضًا باتًا لأن الأمر دخيلة علينا".
وأضاف: "هذه الفكرة منبوذة في مجتمعاتنا الشرقية، ولا أظن أن هناك شابًا في مجتمعاتنا الإسلامية سيقبل الزواج من فتاةٍ تقدم على ذلك".
"فوائد طبية"
وعلى الصعيد الطبي، أكد الدكتور كمال شعير، أستاذ طب وجراحة أمراض الذكورة والأمراض التناسلية بجامعة القاهرة، أن تجميد البويضات فتح باب كبير من الفوائد لدى النساء، فبالنسبة للفتيات التي تعانين من أمراض في المبايض فهذا الأمر ينقذها مستقبلًا، وكذلك المرأة البالغة في السن، إذن فتلجأ إلى وسيلة حفظ البويضات وتجميدها.
وقال "شعير": إن عمليات تجميد البويضات أصبحت واردة على الأطباء والمراكز الطبية خلال السنوات الأخيرة فقط، لافتًا إلى أن تجميدها يختلف تمامًا عن حفظ الأجنة والسائل المنوي، فهي لا تتم بالطرق العادية التي اعتاد عليها الأطباء المختصون، بل تتم بطريقة "تكنولوجيا الرقائق الجديدة" التي لا تسمح بتدمير خلية البويضة من خلال التجميد العادي، ومع استحداث هذه التكنولوجيا أصبحت فرص الإنجاب للجميع متاحة.
وأوضح أستاذ طب وجراحة أمراض الذكورة والأمراض التناسلية بجامعة القاهرة، أن بعض الفتيات تصاب بأورام ليفية وسرطانية في الرحم، فهذه التقنية تنقذهم من ذلك في حالة حفظ البويضات قبل الإصابة بالمرض، لافتًا إلى أن المستشفيات والمراكز الطبية في مصر تستقبل هذه الحالات، وتبدأ بـ 5 آلاف جنيه لمكان الحفظ بالنسبة للحالة الواحدة.
وبالنسبة لإجراءات وضوابط الحفظ في بنك التجميد، فذكر أستاذ طب وجراحة أمراض الذكورة والأمراض التناسلية بجامعة القاهرة، أن "كله يتم بالتكنولوجيا"، ويتم إجراء الضوابط من خلال التأكد في البداية بأن البويضات لصاحبتها عن طريق فحص طبي يؤكد ذلك، بالإضافة إلى التأكد من مدى تحمل المرأة بحالة صحية تسمح بذلك، جنبًا إلى جنب مع قدرتها المالية على شراء مكان في بنك حفظ البويضات، مع إقرار كتابي للمرأة بقبولها إجراء هذه العملية وحفظها في البنك المختص.
وأشار إلى أن هناك مدة زمنية محددة لتظل البويضة نابضة وحيوية وقابلة للتلقيح، وهي تتراوح من يوم حتى عامين، وفي حالة زيادة الفترة عن ذلك تموت البويضات ولا تصلح للاستخدام فيما بعد، وهذا من ضمن شروط وضوابط العملية، مضيفًا في نهاية تصريحاته: "العمليات موجودة في جمهورية مصر العربية، والأسباب غالبًا تكون مرضية، وهنا يأتي دورنا حفاظًا على حظوظ الحالات في الإنجاب والحياة".
"ضوابط شرعية"
وفي حين أكدت دار الإفتاء المصرية في بيان رسمي، أن عملية تجميد البويضات جائزة، وليس فيها محظور شرعي إذا ما تمت وفق ضوابط معينة، وأن عملية تجميد البويضات تعتبر من التطورات العلمية الجديدة في مجال الإنجاب الصناعي، مما يتيح للزوجين فيما بعد أن يكررا عملية الإخصاب عند الحاجة، وذلك دون إعادة عملية تحفيز المبيض لإنتاج بويضات أخرى، ووضعت عدة ضوابط شرعية يجب مراعاتها عند عملية تجميد البويضات، تمثل أولها في: أن تتم عملية التخصيب بين زوجين، وأن يتم استخراج البويضة وزراعتها بعد التخصيب في المرأة أثناء قيام علاقة الزوجية بينها وبين صاحب الحيوان المنوي، ولا يجوز ذلك بعد انفصام عرى الزوجية بين الرجل والمرأة بوفاة أو طلاق أو غيرهما، أما الضابط الثاني الذي حددته الدار لعملية تجميد البويضات فهو: أن تحفظ اللقاحات المخصبة بشكل آمن تمامًا تحت رقابة مشددة، بما يمنع ويحول دون اختلاطها عمدًا أو سهوًا بغيرها من اللقائح المحفوظة، والضابط الثالث تمثل في: ألا يتم وضع اللقيحة في رَحِمٍ أجنبيةٍ غير رحم صاحبة البويضة الملقحة لا تبرعًا ولا بمعاوضة، بينما ذكرت الفتوى الضابط الرابع وهو: ألا يكون لعملية تجميد البويضة أثار جانبية سلبية على الجنين نتيجة تأثر اللقائح بالعوامل المختلفة التي قد تتعرض لها في حال الحفظ، كحدوث التشوهات الخِلقية، أو التأخر العقلي فيما بعد.
"خرق النواميس الآلهية"
قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن تجميد البويضات والحيوانات المنوية أمر لا يجوز شرعًا، مبررًا ذلك بأن مفاسده أكبر وأكثر من منافعه، موضحًا أن القاعدة الفقهية تقول إن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولكن هذا يمثل خرق للنواميس الآلهية ومن مستحدثات الأمور، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار- وفقًا له.
وأضاف "كريمة"، أن هذا الأمر يفتح الباب لمكائد الشيطان ويتضح ذلك في قوله تعالى في الآية 109 من سورة النساء "وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ"، مستطردًا: أرى أن تجميد البويضات والأجنة والأمشاج والحيوانات المنوية أعمال تُجتنب لأنها تغيير لخلق الله عز وجل، وخرق للناموس الآلهي، موضحًا أن من المفترض الابتعاد عن فتح هذا الباب لأنه فيه مفاسد أخرى، متسائلًا: "ماذا لو أن امرأة جمدت البويضات ثم مات الزوج، فماذا تفعل بها بعد وفاة الزوج، والعكس، فهل يحق أن تتحمل المرأة بهذا المجمد لتنجب طفلًا من زوجها الميت؟".
ولفت إلى أن هناك نسبة خطأ واردة في بنوك حفظ الأجنة والبويضات والحيوانات المنوية، وهذا يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وإذا ارتضينا أن تحريم بنوك الألبان الآدمية مخافة اختلاط الأنساب وسدًا للذريعة، فإن كل هذه أدلة للمنع، منوهًا بأن هذا الأمر بمثابة محاكاة للغرب، ويؤدي إلى نتائج غير محمود عقباها لا تتفق مع مجتمعنا المسلم- بحسب حديثه.
"أمان واطمئنان"
وعلى الجانب النفسي، يرى جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، أن هذا الأمر من الناحية النفسية يعتبر نوعًا من الأمان والاطمئنان للفتاة للحفاظ على بنك بويضاتها المختزن، لأنها قد تصاب بظروف مرضية لا تسمح لها بالإنجاب في الوقت المناسب، فطالما يتوافر معدلي الأمان وحفظ البويضات بطريقة آمنة لا تسمح بخلط الأنساب.
وأضاف "فرويز"، أن الدين لم يحرم حفظ أو تجميد البويضات، لأنه يعطي نوع من الأمل والفرصة لكل شخص، ويسمح بأنه يمكن أن ينجب في أي وقت، والدليل على ذلك هو إنجاب عجوز هندية في سن الثمانين، وهذا ما أعلنته وسائل الإعلام قبل أيام، فضلًا عنه طالما يتم تطويع الأمر لصالح الإنسانية فلا مانع منه، مشيرًا إلى أن أي رجل أو فتاة الظروف لا تسمح له بالإنجاب، فما الضرر في الاحتفاظ ببويضات زوجته سليمة، واستخدامها فيما بعد عندما تسمح الظروف، فيما فيه الخير للطرفين.
"نص قانوني"
وبالنسبة لمدى قانونية الأمر، قال الدكتور أحمد مهران، المستشار والخبير القانوني المتخصص في قضايا الأسرة، إن الأصل والقانون المتعارف عليه وما نصت عليه الأحكام الدستورية، بأنه لا تجريم ولا عقوبة إلا بنص، وأن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن القوانين المصرية خلت من ثمة نص قانوني يجرم تجميد البويضات أو الحيوانات المنوية، وهذه المسالة إنما ترجع إلى اعتبارات طبية وعلمية هي التي تتدخل بشكل مباشر في تحديد مدى أهمية ذلك، وما هي القيمة الصحية والطبية التي يمكن أن يستفيد منها صاحب أو صاحبة التجميد، فقط الأمر يتعلق بالحاجة الطبية ومدى خطورته على مدى صحة وسلامة الفتاة التي تجمد بويضاتها.
وأضاف "مهران"، أن هناك مسالة تتعلق ببنك التجميد، فمن المتعارف عليه وجود بنك لتجميد البويضات، وقياسًا عليه سيكون هناك نفس الآليات والإجراءات المتعلقة بتجميد البويضات، ومن ثم فلا يوجد ثمة تجريم لذلك، فالقانون لا يحظره ولا يمنعه، فالحظر والمنع يتعلق بشقين، الأول طبي يتعلق بمدى الخطورة الطبية وسلامة المرأة، والشق الثاني يتعلق بالجانب الشرعي، فإذا لم توجد شبهة تحريم فهذا الأمر يضمن قانونية العملية.
وأشار المستشار والخبير القانوني المتخصص في قضايا الأسرة، إلى أن بالنسبة للبعد القانوني، فإن القانون لا يحظر الأمر إذا كان هناك مصلحة للمرأة دون ممانعة زوجها، كما من الممكن الحفاظ على أمان وقانونية العملية بالقانون.
"العالم يتغير"
أخيرًا، ذكرت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن العالم يتغير في ظل التقدم العلمي، وبالتالي فنحن بطبيعة الحال نتغير ولكن يجب أن يتم ذلك وفقًا لتقاليدنا وتعاليم ديننا الحنيف حتى لا يذوب المجتمع، موضحًا أن من المفترض أن ننظر إلى قضية تجميد البويضات بنظرة متأنية ومتطورة، وأن هذا الأمر إذا حدث بمعدله الصحيح فلا يسبب أي أضرار اجتماعية، ولا مانع للمسئولية الاجتماعية بشأنها.
وأوضحت "خضر"، أن الفتاة التي تلجأ إلى ذلك لا تقوم بأعمال فعل غير مشين أو خاطئ، فقد تلجأ بعض الفتيات لذلك حتى لا تتزوج على غير رضاها من ناحية، وحتى لا تحرم نفسها من الإنجاب إذا تزوجت في سن متقدم من ناحية ثانية، فقديما كانت الفتاة تتزوج في عمر الـ14، إما الأن فقد تأخر سن الزواج لأسباب متعددة بينها الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية، وهذا لا يجعل الفتاة أن تتزوج في سن متقدم حتى يمكنها الإنجاب بسبب مقولة «العمر بيجري بيا»، ومن هنا تقل فرصة الكثيرات في الإنجاب، هذا بخلاف الاهتمامات التي تغيرت بالنسبة للفتاة المصرية، وتأخر "أوبشن الزواج" ضمن قائمة أولوياتها.
وتابعت: "هذا الأمر من حق أي فتاة في حالة إنجازه بشكل قانوني وطبي سليم، فهو لا يتسبب في أي مشكلات سواء عقائدية أو ثقافية، بالشكل الذي لا يتسبب في خلط الأنساب أو أي مشكلة للأبناء".
قد يهمك ايضا:
علماء الأزهر يعلقون على إعلان فتاة تجميد بويضاتها حتى ظهور الزوج المناسب
إيرلندا تلغي القيود على الإجهاض بعد إصلاح 2018
أرسل تعليقك