تأجج غضب الشارع من جديد في لبنان، بعدما ضاق اللبنانيون ذرعا من تردي الأوضاع المعيشية في بلادهم، لاسيما وأن الأمور ازدادت سوءا بفعل تداعيات فيروس كورونا المستجد.وانطلقت التحركات الشعبية من طرابلس، شمالي البلاد، مساء الاثنين، وتمددت خلال الساعات الماضية في مختلف المناطق اللبنانية، رافعة شعارات ضد الطبقة السياسية الحاكمة التي تجر البلاد إلى مزيد من التأزيم والإفلاس المالي.
ورغم التحذيرات من عدوى كورونا، إلا أن اللبنانيين رفضوا الاستمرار في "طريق مجهول" وقرروا الخروج مرة أخرى إلى الشوارع للاحتجاج.ومساء اليوم، احتج متظاهرون أمام مصرف لبنان بالعاصمة بيروت، فيما جال آخرون على منازل زعماء طرابلس، بينما اختار محتجون إلقاء قنابل مولوتوف على فرع مصرف لبنان في صيدا، وقطعت فئة أخرى الطريق في بلدة العبدة في عكار شمالي البلاد.
وفي وقت سابق من الثلاثاء، أقدم عدد من المحتجين في مدينة طرابلس على تحطيم وحرق عدد من واجهات المصارف، كما رشقوا جنودا بالحجارة وردوا بإطلاق الغاز المسيل للدموع واستخدام الهراوات.ويعكس العنف تزايد الفقر واليأس في البلاد وسط أزمة اقتصادية ومالية مكبلة تفاقمت منذ أكتوبر الماضي، عندما اندلعت الاشتباكات في أنحاء البلاد.وأدت إجراءات الإغلاق، التي فرضتها السلطات لإبطاء تفشي كورونا، إلى تفاقم الأزمة، وتركت عشرات الآلاف الآخرين من الناس عاطلين عن العمل.
وفقدت العملة المحلية أكثر من 50 في المئة من قيمتها وفرضت البنوك قيودا مكبلة على رأس المال، وسط أزمة في السيولة.وفي حديثهم لـ"سكاي نيوز عربية"، عبر عدد من اللبنانيين عن استيائهم من الوضع الاقتصادي الذي وصل إليه البلد، معتبرين أن خروج المحتجين للمطالبة بلقمة عيش لا يجب أن يواجه بالقمع، وذكر أحدهم "الناس تعيش وجعا غير مسبوق.. لكن للأسف الدولة تقمع هذه المطالب".وقالت متظاهرة "أولادنا يموتون بسبب الجوع.. الوضع لا يطاق"، فيما بعث آخر رسالة لقيادة الجيش، قائلا "الشعب الجيعان لا يؤلمه الرصاص. نطالب بلقمة العيش ونقول للسياسيين جوعتمونا وأكلتم أموالنا".
نوايا خبيثة
وحث رئيس الوزراء حسان دياب اللبنانيين على الامتناع عن العنف، وقال إن "نوايا خبيثة خلف الكواليس" تهز الأمن والاستقرار.وأضاف دياب في بيان "نحن اليوم أمام واقع جديد، واقع أن الأزمة المعيشية والاجتماعية تفاقمت بسرعة قياسية، وجزء منها بفعل فاعل، خصوصا مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء إلى مستويات قياسية".
وانخفضت الليرة اللبنانية، التي فقدت ما يزيد على نصف قيمتها منذ أكتوبر، بشكل حاد خلال الأسبوع الماضي.وقال أحد المستوردين إن الدولار بيع مقابل 4200 ليرة لبنانية اليوم الثلاثاء، على الرغم من توجيه البنك المركزي الذي حدد السعر عند 3200 ليرة.
بطون خاوية
وذكر عضو مجلس النواب اللبناني ووزير الداخلية السابق، نهاد المشنوق، في تصريحه لـ"سكاي نيوز عربية" أن "الكل يتقاسم مسؤولية ما وصلنا إليه اليوم.. هذه تظاهرات البطون الخاوية، وهذه الاحتجاجات ستكبر وتزداد لأن لا أحد يقدم الجواب عن الخطوة القادمة لإصلاح أو بالأحرى تنظيم الخراب"، وأضاف "منذ أن شكلت هذه الحكومة، لا نرى أي بارقة أمل.. هناك خراب مالي واقتصادي واجتماعي كبير في لبنان".
أما النائب السابق مصباح الأحدب فقال إن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في طرابلس منهار، مشيرا إلى أن تداعيات فيروس كورونا زادت الوضع سوء، وتابع "هناك استياء كبير جدا من طرف اللبنانيين.. كما أن التناحر بين القوى السياسية مضر جدا بالدولة".
من جهته، أوضح الكاتب الصحافي محمد نمر أن "الانفجار الاجتماعي كان متوقعا، خصوصا وأن الحكومة لم تقدم أي خطة اقتصادية ولم تجر أي تعديلات ملموسة، كما أن حزب الله يواصل فساده السياسي".
واشنطن تعلق
وأوضح متحدث باسم الخارجية الأميركية لـ"سكاي نيوز عربية": "نأسف للتقارير عن الخسائر في الأرواح والممتلكات في لبنان ونحث الجميع على الامتناع عن العنف أو الأعمال الاستفزازية، وكذلك اليقظة المستمرة في التباعد الاجتماعي في سياق جائحة فيروس كورونا".
وأضاف "هناك خيارات صعبة ونحن ندعم حق الشعب اللبناني في الاحتجاج سلميا والتعاطف مع مطالبه المشروعة بإصلاحات حقيقية ودائمة تعالج المشاكل الهيكلية وتنشط الاقتصاد"، وتابع "إن أولئك الذين يقطعون تلك الجهود بالعنف والأعمال الاستفزازية يقوضون الخطاب المدني".
من جهة أخرى أقدم محتجون، الثلاثاء، على حرق مصارف في طرابلس، شمالي لبنان، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية وانهيار الليرة اللبنانية.
وقال مراسل "سكاي نيوز عربية" إن محتجين حطموا واجهات المصارف في طرابلس، فيما قام آخرون بإضرام النار فيها، وتحاول حاليا فرق الإطفاء العمل على السيطرة على الحرائق المندلعة في بعض البنوك، وأوضح مراسلنا أن هذا التطور يأتي في أعقاب عودة الاحتجاجات إلى المدن اللبنانية بسبب انهيار الليرة.
وتظاهر المئات في مدينة طرابلس، ليل الاثنين، على خلفية تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، في احتجاجات تخللتها مواجهات مع قوات الأمن رغم من تدابير العزل المفروضة لاحتواء فيروس كورونا المستجد.
وشارك جمع من الرجال والنساء والأطفال في مسيرة جابت شوارع المدينة هاتفين "ثورة.. ثورة"، فيما حاول المتظاهرون الوصول إلى منزل أحد النواب، لكن قوات الجيش منعتهم مما أدى إلى حصول مواجهات، وفق "فرانس برس".
في هذا الصدد، قال النائب السابق مصباح الأحدب في تصريحه لـ"سكاي نيوز عربية" إن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في طرابلس منهار، مشيرا إلى أن تداعيات فيروس كورونا المستجد زادت الوضع سوء.
وتابع "هناك استياء كبير جدا من طرف اللبنانيين.. كما أن التناحر بين القوى السياسية مضر جدا بالدولة".
من جهته، أوضح الكاتب الصحفي محمد نمر أن "الانفجار الاجتماعي كان متوقعا، خصوصا وأن الحكومة لم تقدم أي خطة اقتصادية ولم تجر أي تعديلات ملموسة، كما أن حزب الله يواصل فساده السياسي".
وعلى إثر هذه التطورات، أعلنت جمعية المصارف اللبنانية إقفال جميع مقرات وفروع المصارف في مدينة طرابلس شمال لبنان ابتداء من اليوم إلى حين استتباب الأوضاع الأمنية فيها.
وأدت الاحتجاجات إلى مقتل أحد المتظاهرين، ليعلن بعد ذلك الجيش اللبناني فتح تحقيق في وفاته، محذرا من تسلل عدد من "المندسين" وسط التظاهرات.
ودعت قيادة الجيش "المواطنين والمتظاهرين السلميين إلى المسارعة في الخروج من الشوارع وإخلاء الساحات"، محذرة من أنها "لن تتهاون مع أي مخل بالأمن والاستقرار وكل من تسول له نفسه التعرض للسلم الأهلي".
كان عرس مدينة طرابلس (شمال لبنان)، "عروس الثورة" كما لُقّبت، صاخباً أمس الاثنين، حيث نزل أبناؤها بالآلاف إلى شوارعها وإلى ساحة النور في وسطها احتجاجاً على تردّي الأوضاع المعيشية في وقت يواصل سعر صرف الدولار ارتفاعه مقابل الليرة، قبل أن ينتهي ليلها بمقتل فواز السمّان ابن الـ26 عاماً خلال مواجهات مع الجيش والقوى الأمنية.
اليوم شيعت طرابلس ابنها بحضور المئات.. وتجددت الاشتباكات أيضاً فأطلق الجيش الغاز المسيل للدموع بينما أحرق بعض المشاركين في توديع فواز 3 مصارف.
فاطمة شقيقة فوّاز، التي كانت أوّل من نعته عبر صفحتها على "فيسبوك"، قالت في حديث مع "العربية.نت" "إن شقيقها "شهيد الجوع، فهو كان يُطالب بأبسط حقوقه المعيشية نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية وتدنّي القدرة الشرائية".
"أُصيب ببطنه والقوى الأمنية مسؤولة"
وحمّلت فاطمة الجيش والقوى الأمنية مسؤولية وفاة شقيقها، "لأنه توفي برصاص حيّ على عكس رواية الجيش وذلك بعد إصابته بنزيف حاد في بطنه"، حسب تعبيرها، مضيفةً: "حتى إن الجيش وعناصر مخفر درك التل في طرابلس رفضوا إعطاء الطبيب الشرعي تقريرا أمنيا يؤكد إصابة فواز أثناء التظاهرة في طرابلس. وهذا بحدّ ذاته يُثبت مسؤوليتهم بوفاته".
كما حمّلت الحكومة الحالية التي يرأسها حسان دياب والحكومات السابقة مسؤولية وفاة شقيقها، "لأنهم لم يقوموا بواجباتهم تجاه شعبهم"، حسب فاطمة.
"ما هي جريمة أخي؟"
وبحرقة سألت فاطمة "ما هي جريمة شقيقي ليُقتل بهذه الطريقة؟ هو وغيره ممن قتلوا منذ اندلاع شرارة الحراك الشعبي في 17 أكتوبر/تشرين الأول كانوا يُطالبون بأبسط حقوقهم. أهكذا يكون الردّ عليهم؟".
ومنذ اليوم الأوّل على بدء الحراك الشعبي في لبنان، كان فوّاز السمان من أبرز الذين يشاركون بشكل شبه يومي بالاحتجاجات التي نُظّمت في مدينة طرابلس التي تلقّب أيضاً بـ"أم الفقير"، وفواز متزوّج ولديه طفلة لا يتخطى عمرها الأربعة أشهر وهو صاحب محل تصليح للدرّاجات النارية.
"تجويع مُمنهج"
واعتبرت فاطمة أن "هناك مخططاً من قبل السلطة لتجويع مُمنهج للشعب اللبناني من خلال صمّ آذانها عن المطالب المُحقّة من دون أن تضع خطة للإنقاذ الاقتصادي والمالي".
وبحزم، أكدت "أن طرابلس لن تسكت عن حقوق أبنائها، وأي "شغب" كما تصفه الدولة اللبنانية هو ردّة فعل طبيعية تجاه ما يحصل، وسنُكمل الطريق حتى تحقيق مطالبنا حتى لو دفعنا أثماناً. ودم أخي لن يذهب هدراً".
ويبدو أن مطالب ثوّار طرابلس تخطت الدعوات الى إسقاط الحكومة ومحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة. فبرأي فاطمة هذه المطالب باتت "مجرد شعارات وتفصيل صغير في مشوارنا الذي بدأناه في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي". وتابعت: "نحن نريد إسقاط حكم المصرف (مصرف لبنان) وقلب هذا النظام القائم على سلب الناس حقوقهم".
وختمت قائلةً: "ثورتنا لن تنطفئ، لأنها ثورة حق. ثورة جياع ضد الطبقية. ومهما اشتدت السلطة في مواجهتنا لن نتراجع حتى تحقيق مطالبنا".
وشهدت مدينة طرابلس مواجهات عنيفة أمس بين المتظاهرين والجيش اللبناني في أكثر من نقطة، وتحوّلت ساحة النور وسط المدينة ومحيطها إلى ساحة للكرّ والفرّ والفوضى نتج عنها أكثر من 27 جريحاً.
وتجددت المواجهات اليوم عقب تشييع فوّاز السمّان في شارع المصارف، حيث أطلق الجيش القنابل المسيّلة للدموع لتفريق المتظاهرين بعد أن أضرموا النيران بعدد من فروع المصارف في منطقة التل وأقدموا على تكسير بعض واجهاتها.
قد يهمك أيضا :
مآلات الوضع في طرابلس بعد قبول القوّات المُسلَّحة تفويض الشعب لإدارة البلاد
مواطنون في البصرة يستغيثون بالقوات الأمنية لإيقاف نزاع عشائري
أرسل تعليقك