شكك المرشد الإيراني علي خامنئي أمس في نيات أوروبية لتعويض الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وأوصى الرئيس حسن روحاني بألا يعلق آمالاً على الأوروبيين، إلا إنه في الوقت ذاته ترك الباب مفتوحًا للانسحاب من "وسيلة" الاتفاق إن لم تقتنع طهران بفاعليته لتوفير المصالح الوطنية، وحث المسؤولين الإيرانيين على الابتعاد عن إثارة الخلافات الداخلية في وسائل الإعلام.
مطالبات برلمانية بتحويل روحاني إلى القضاء
وتضاربت المعلومات أمس بشأن إحالة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى التحقيق القضائي , وبينما يطالب فريق من النواب بإحالة روحاني إلى القضاء بعد إخفاقه في إقناع البرلمان؛ وفقًا للقانون الداخلي في البرلمان، أشارت مصادر إلى إمكانية تعطيل الإحالة وبقاء القضية خلف أبواب البرلمان الإيراني , وبموجب قواعد البرلمان، كان من المفترض أن يحال الملف إلى القضاء للنظر فيه، إلا إن رئيس البرلمان علي لاريجاني، وهو حليف مقرب من روحاني، أشار أمس إلى عدم وجود أسس قانونية للقيام بذلك، وفقًا لوكالة الصحافة الفرنسية.
خامئني يحذر من الخلافات الداخلية في إيران
وحذر خامنئي، أمس، المسؤولين الإيرانيين من تسريب الخلافات إلى وسائل الإعلام، وأوصى بأن تبقى خلف الأبواب المغلقة، عادًّا خلاف "وجهات النظر" بين المسؤولين أمرًا طبيعيًا ,وكان الرئيس الإيراني الثلاثاء حذر البرلمان من الخلافات الداخلية، وقال إن الإيرانيين "لا يخشون العقوبات والتهديد الأميركي بقدر ما يخشون من الخلافات" , وفي بداية خطابه، قال روحاني إنه يأخذ توصيات المرشد الإيراني بعين الاعتبار، وطلب من البرلمانيين الالتزام بالتوصيات من دون أن يشرح محتواها، وذلك في إشارة إلى لقاء جمع بينه وبين خامنئي قبل الاستجواب , ودعم لقاء خامنئي التقليدي بالرئيس الإيراني حسن روحاني وتشكيلته الوزارية، أمس بمناسبة "أسبوع الحكومة"، ما تردد بشأن عدم إحالة روحاني إلى الجهاز القضائي الذي يعين رئيسَه المرشدُ الإيراني.
وانقسمت كلمة خامنئي أمس الموجهة لفريق روحاني إلى قسمين، وفق ما نقل موقعه الرسمي , في القسم الأول كانت للمرشد الإيراني وقفة مع الأوضاع الاقتصادية وما يتعين على الحكومة القيام به , وكان القسم الأول بيت القصيد في القسم الثاني الذي خصصه للاتفاق النووي والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي في زمن العقوبات الأميركية.
خامئني يؤكد وجود حربية اقتصادية ضد إيران
ولم يبتعد خامنئي عن محتوى خطاب روحاني الثلاثاء بشأن الوضع الاقتصادي، لافتًا إلى وجود حرب اقتصادية ضد بلاده , وأشار أن الأعداء يركزون على الاقتصاد بسبب بعض الضعف والخلل الاقتصادي"، مشددًا على ضرورة قيام الحكومة بعمل "قوي وحيوي ومكثف لملء الفراغ الاقتصادي" والعمل ليل نهار على تحسين الاقتصاد، نافيًا وجود مأزق في الاقتصاد الإيراني.
سياسة روحاني في مواجهة الأزمة لم تحظ بتأييد
وحرص خامنئي على استخدام مصطلحات حربية في شرح أهمية "الاقتصاد المقاوم" مثل "بناء الحصون" و"خط الهجوم" و"خط الدفاع بالاعتماد على الاقتصاد الداخلي" , وفشل روحاني، الثلاثاء ، في الحصول على تأييد أغلبية نواب البرلمان في أربعة محاور من أصل خمسة محاور بشأن سياسات حكومته في مواجهة الأزمة الاقتصادية؛ وعلى رأسها أزمة البطالة والتخلص من الركود الاقتصادي. وفقد الريال الإيراني نحو نصف قيمته منذ أعلنت الولايات المتحدة أنها ستنسحب من الاتفاق النووي في مايو / أيار الماضي، بينما يتوقع أن يزداد الوضع سوءًا في نوفمبر / تشرين الثاني المقبل عندما تزيد واشنطن من فرض العقوبات على قطاع النفط الذي يعد محوريًا بالنسبة لإيران.
وانتقد روحاني الثلائاء المسؤولين الإيرانيين الذين يتحدثون عن وجود أزمات في إيران , قبل ذلك، كان المرشد الإيراني علي خامنئي قد وجه انتقادات إلى مسؤولين تحدثوا عن وجود أزمات ضخمة في إيران، وقال إنها "مشكلات مختصرة" , ووجه خامنئي كلمة شكر إلى الرئيس الإيراني والبرلمان لـ"استعراض القوة والثبات في إيران" , وأفادت "رويترز" نقلًا عن المرشد الإيراني قوله "نحتاج إلى أن نكون أقوياء في الميدان الاقتصادي , على المسؤولين أن يعملوا بجد ليل نهار لحل المشكلات".
عزل وزير الاقتصاد بعد انهيار الريال الإيراني
وعزل البرلمان وزير الاقتصاد قبل 3 أيام بعدما حملوه المسؤولية عن انهيار العملة المحلية الريال وزيادة معدلات البطالة , وكانوا قبل أسابيع أقالوا وزير العمل , وإلى جانب إجراء لعزل وزير التعليم، وقع 70 نائبًا على مذكرة تهدف إلى عزل وزير الصناعة والتعدين والتجارة , وكان الرئيس الإيراني في أول رد على استدعائه من البرلمان وعد في كلمة تلفزيونية بداية الشهر الحالي بالمصارحة، وعدّ استجوابه في البرلمان فرصة مواتية لقول بعض الحقائق، لكن بعد يوم قال علي مطهري نائب رئيس البرلمان إن روحاني "لا يملك الشجاعة لقول الحقائق".
خامئني يطالب بتفعيل سياسة " الاقتصاد المقاوم "
وطالب خامنئي أمس مرة أخرى الحكومة بتفعيل سياسة "الاقتصاد المقاوم"، وهذا المصطلح تعبير عن سياسة أعلنها المرشد الإيراني في 2011 لمواجهة العقوبات الأميركية , وفي الجزء الثاني من خطابه، تطرق خامنئي إلى أوضاع السياسة الخارجية الإيرانية , ونقل موقعه الإلكتروني أنه طالب "الحكومة بتفعيل السياسة الخارجية مع الجيران".
وتباينت تصريحات خامنئي بشأن العلاقات مع الدول الأوروبية، فمن جهة قال إنه لا يمانع في إقامة العلاقات واستمرار المفاوضات؛ من جهة ثانية نصح روحاني ووزير الخارجية بـ"أن الأوروبيين لا يعول عليهم في الاتفاق النووي والاقتصاد"، مبديًا انزعاجه من "السلوك غير المناسب للأوروبيين في قضايا مثل الاتفاق النووي والعقوبات"، وقال في هذا الإطار "يجب أن ننظر بعين الشك إلى وعود الأوروبيين، يجب أن نراقب القضايا بجدية".
وإشارة خامنئي كانت إلى دفاع روحاني في جلسة البرلمان عن الاتفاق النووي، عندما قال إنه حقق "إنجازات" وأشار أنه أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإثنين الماضي بأن لدى بلاده طريقًا ثالثة إلى جانب البقاء أو الانسحاب من الاتفاق المبرم 2015 , ووصف خامنئي الاتفاق النووي بأنه "وسيلة لحفظ المصالح الوطنية"، وأضاف "الاتفاق النووي ليس غاية؛ بل وسيلة , إذا توصلنا إلى أنه لا يمكنها توفير المصالح الوطنية، فسنترك هذه الوسيلة".
خامئني يرفض التفاوض مع المسؤولين الأميركيين
وذهب خامنئي أبعد من ذلك، وقال "على الأوروبيين أن يدركوا عبر كلام وفعل المسؤولين الإيرانيين أن إجراءاتهم ستواجه برد إيراني متناسب" , كما جدد رفضه أي مفاوضات مع الأميركيين، وقال إن "المفاوضات مع المسؤولين الأميركيين أدت إلى هذا الوضع"، وقال إنه "في ظل تشدد الموقف الأميركي ضد إيران، لن تكون هناك مفاوضات على أي مستوى، لافتًا أن المواقف الأميركية مناورات لجر إيران إلى طاولة المفاوضات .
وفي غضون ذلك، كان أمس ثالث أيام نظر محكمة العدل الدولية في لاهاي في أمر العقوبات الأميركية على طهران، وصرح ممثل إيران محسن محبي أمام القضاة بأن "الوقت ينفد بالنسبة لإيران" , وتابع "ملايين الناس الذين يعيشون في هذا البلد يعانون أصلًا بشدة من العقوبات التي أعيد فرضها من قبل الولايات المتحدة" وفق وكالة الصحافة الفرنسية , وكانت إيران تعرض حججها الختامية في إطار دعوى قدمتها في يوليو/ تموز الماضي ضد واشنطن بهدف الحصول على حكم برفع العقوبات التي أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرضها على طهران.
وردّت الولايات المتحدة الثلاثاء عبر التأكيد أن إعادة فرض العقوبات ضرورية لحماية الأمن الدولي، ورفضت اختصاص محكمة العدل الدولية بالنظر في الدعوى التي قدمتها إيران , وستلي العقوبات الأميركية الأولى التي دخلت حيّز التنفيذ في بداية أغسطس / آب) الحالي، تدابير أخرى في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل تؤثر على قطاع النفط والغاز الذي يلعب دورًا رئيسيًا في الاقتصاد الإيراني. وأعلنت مجموعات دولية كثيرة انسحابها من البلاد بعد إعادة فرض العقوبات, وتؤكد إيران أن التدابير الأميركية "انتهاك صارخ" لأحكام "معاهدة الصداقة بين إيران والولايات المتحدة" الموقعة عام 1955 , وتقضي هذه المعاهدة غير المعروفة كثيرًا، بإقامة "علاقات ودية" بين البلدين وتشجيع المبادلات التجارية , إلا إن المعروف أن الولايات المتحدة وإيران لا تقيمان علاقات دبلوماسية منذ 1980.
وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أمس إنه "لا يمكن إدانة الولايات المحتدة في المحكمة وإجبارها على تنفيذ الحكم الصادر"، مشيرًا أن طهران "تريد ممارسة الضغط على الولايات المتحدة".
أرسل تعليقك