يعد تفشي فيروس كورونا المستجد أكبر أزمة صحية تواجه العالم خلال العقد الأخير، ورغم مساعي الدول لكبح الوباء بإيجاد لقاح فعال، الا ان التفاوت بين الدول الغنية والفقيرة في الحصول على كميات كبيرة من اللقاح يثير الجدل، وفي المقابل تسعى الحكومات لمنع انتشار سلالة جديدة متحورة ظهرت في بعض البلدان، فيما اكتشفت واشنطن أعمال احتكار تجري على أرضها، ويظل الوباء مسيطرًا في العالم خاصة بريطانيا التي بدأت طور اختبار لقاحها الجديد.
الحذر من السلالة المتحورة
كشفت أول دراسة عن السلالة المتحورة من فيروس كورونا المستجد، التي ظهرت أولا في بريطانيا، عن المزيد من المعلومات الخاصة بهذه السلالة، ومدى خطورتها والتدابير الوقائية التي ينبغي أخذها لوقف تفشيها.
وأكدت الدراسة التي أجراها مركز النمذجة الرياضية للأمراض المعدية في كلية لندن للصحة والطب الإستوائي، أن السلالة المتحورة معدية أكثر من السلالات الأخرى لكورونا بنسبة 56 في المئة، وستتطلب مزيدا من الإجراءات الإضافية لاحتوائها. ووجدت الدراسة أنه ما من دليل على كون السلالة الجديدة أكثر فتكا من السلالات الأخرى.
وتعليقا على النتائج التي تم التوصل إليها، قال نيكولاس ديفيز ، المؤلف الرئيسي للدراسة، في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية: "قد يكون من الضروري تسريع طرح اللقاح على نطاق واسع"، مضيفا أن: "النتائج الأولية تشير إلى أن التطعيم السريع سيكون أمرا مهما لأي بلد عليه التعامل مع هذه السلالة".
ووضع العلماء نماذج لما قد يحدث خلال الأشهر الستة المقبلة، وصنعوا نماذج باستخدام مستويات تقييد مختلفة، ليجدا أن "الإصابات والحالات التي تتطلب الحصول على العناية المركزة والوفيات في عام 2021 بسبب السلالة المتحورة، قد تكون أعلى من تلك التي حدثت في عام 2020".
ونصح القائمون على الدراسة بإغلاق المدارس حتى فبراير\شباط، كون ذلك قد يمنح السلطات الصحية بعض الوقت، محذرين من أن رفع القيود سيؤدي إلى ارتفاع كبير في الإصابات.
وأظهر نموذج تطعيم يتم فيه تلقيح 200 ألف شخص أسبوعيا أن تلك الوتيرة ستكون بطيئة للغاية بحيث لا تؤثر على انتشار الفيروس المتحور بشكل إيجابي، في حين ينبغي أن يصل هذا الرقم إلى مليونين.
وبدأ فريق مؤسسة "والتر ريد العسكرية للأبحاث" في الولايات المتحدة الأميركية بفحص التسلسل الجيني للسلالة المتحورة من الفيروس، وذلك من خلال الاستعانة بكمبيوترات متطورة تقدم تحليلا دقيقا لكيفية حدوث التحور.
ونقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن مدير مركز أبحاث الأمراض المعدية في المؤسسة التي تديرها وزارة الدفاع، الدكتور نيلسون مايكل قوله: "رغم القلق من أن اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد قد لا يعمل إذا تحوّر الفيروس بشكل كبير، فإن علماء والتر ريد ما زالوا يتوقعون أن يكون اللقاح فعالا ضده".
وتابع مايكل قائلا: "من المنطقي أن هذه الطفرة لا تمثل تهديدا، ولكن لا نستطيع الجزم بذلك. لا يزال يتعين علينا أن نكون مستعدين، ونواصل أبحاثنا".
وبيّن مايكل أن التحليل بواسطة الكمبيوتر هو الخطوة الأولى لتحديد حجم الخطورة، مضيفا: "إذا أظهر التحليل أي دوافع للقلق، فعلينا الانتقال لدراسة الفيروس في المختبرات، وتجربيه على الحيوانات، لنحكم في النهاية على مدى فعالية اللقاح مع هذا التحور".
الاتحاد الأوروبي يبادر بالتطعيمات
من المقرر أن يتم تطعيم العاملين في المجال الطبي والمقيمين في دور رعاية المسنين والسياسيين ضد فيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، في إطار جهود دول الاتحاد البالغ عددها 27 دولة لإعطاء الجرعات بطريقة منسقة ومنصفة.
وأصدرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، تسجيلا مصورا للاحتفال ببدء التطعيم، واصفة إياه بأنه "لحظة مؤثرة من الوحدة" في معركة حماية ما يقرب من 450 مليون شخص في الكتلة من أسوأ أزمة صحية عامة منذ قرن.
وبدأت بعض تطعيمات الاتحاد الأوروبي مبكرا، السبت، في ألمانيا والمجر وسلوفاكيا.
وقال مدير دار رعاية مسنين في ألمانيا، حيث تم تطعيم عشرات الأشخاص، السبت، بمن فيهم امرأة تبلغ من العمر 101 عامًا: "كل يوم ننتظره يكون يوما طويلا للغاية".
واقتصرت الشحنات الأولى من اللقاح الذي طورته شركة بايونتك الألمانية وشركة الأدوية الأميركية فايزر على أقل من 10 آلاف جرعة في معظم دول الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن تبدأ برامج التطعيم الشاملة في يناير فقط.
ويقرر كل بلد بمفرده من سيحصل على الجرعات الأولى، فيما تعهدت إسبانيا وفرنسا وألمانيا، من بين دول أخرى، بوضع كبار السن والمقيمين في دور رعاية المسنين في المرتبة الأولى.
عارض ليس في الحسبان
عندما يثار النقاش بشأن الأعراض الجانبية للقاحات كورونا، فإن ما يستأثر بالاهتمام هو المضاعفات التي تشمل ارتفاع درجة الحرارة أو حتى الآلام والتورمات، لكن قلما يجري الانتباه إلى عارض "مختلف" برز بشدة، خلال الآونة الأخيرة وهو التفاوت الصارخ بين الدول المتقدمة والبلدان النامية.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الدول الغنية اشترت لنفسها الحصة الأكبر من شحنات اللقاح المتاحة، بينما وجدت الدول النامية وهي التي تشكل أغلبية سكان العالم، نفسها في بحث مضن لأجل تأمين ما يكفي من الجرعات وكبح تفشي الوباء.
ويضيف المصدر أن هذا التوزيع غير المتكافئ للقاح ربما يزيد من عمق التفاوت الاقتصادي بين الدول، مستقبلا، والسبب أن الدول الفقيرة ستعاني مزيدا من الضغوط على مواردها المحدودة أصلا، بينما ستتفاقم ديونها والتزاماتها تجاه كل من الولايات المتحدة وأوروبا والصين.
وقال مدير قسم العولمة واستراتيجيات التنمية في مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بجنيف، ريتشارد كوزول، إنه من الواضح أن الدول النامية، لاسيما الأشد فقرا منها، ستجدُ نفسها غير قادرة على الوصول إلى اللقاح لبعض الوقت.
وأضاف أن المفترض من حيث المبدأ، أن تكون اللقاحات مادة عالمية، أي متاحة للكل، لكن الواقع أنها تقع في أيدي شركات الأدوية الكبرى والاقتصادات المتقدمة.
وفي وقت سابق، تعهدت عدة دول غنية بأن تقدم دعما للدول النامية، سواء تعلق الأمر بمنح معدات طبية أو عبر الإمداد بشحنات من اللقاح، لكن الحكومات الغربية لم تترجم وعودها إلى مساعدات مالية سخية حتى الآن.
ومن بين الأمثلة على محدودية هذه المبادرات الدولية، تأتي شراكة "أكت أكسيليتر"، التي وعدت بمساعدة الدول النامية، وتتعاون فيها كل من منظمة الصحة العالمية ومؤسسة "بيل وميليندا غيتس" إلى جانب منظمات أخرى.
وجمعت هذه المنظمة أقل من 5 مليارات دولار بينما كان الهدف هو تأمين 38 مليار دولار لأجل مساعدة الدول النامية على مواجهة الوباء.
وفي مسعى إلى تأمين ما يكفي من اللقاحات، اقترحت دول نامية في طليعتها الهند وجنوب إفريقيا، أن تساهم في زيادة تصنيع اللقاح، لكن هذا الأمر يحتاج إلى إذن من الشركات، نظرا إلى وجود حقوق الملكية الفكرية.
وتم رفض هذا المقترح، بينما كان الطلب المقدم من الهند مستندا بالأساس إلى أن الظرف الحالي في العالم يتسم بـ"الاستثنائية"، لأننا نواجه وباءً شرسا، وفي مثل هذه الحالات، يمكن لمنظمة التجارة العالمية أن تتحرك لأجل هذا الإعفاء، وهو أمر لم يحصل ولم يحظ بالموافقة.
في المقابل، يقول رافضو الإعفاء، إن شركات الأدوية تقوم بعمل جبار وتنفق على البحوث وتطوير اللقاح وتدفع أجورا لجيش كبير من العلماء، وبالتالي، ليس من الإنصاف أن تتخلى عن عوائدها، لأجل المساعدة، لأنها ليست مؤسسات خيرية، أما المطلوب فهو أن تبادر الحكومات والمؤسسات في الدول الغنية إلى مساعدة البلدان النامية على تجاوز الجائحة.
لقاح بريطاني منتظر
فيما أعلنت وزارة الصحة البريطانية، الأحد، أنه يجب إعطاء وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية وقتا لإجراء مراجعة لبيانات لقاح أوكسفورد-أسترازينيكا لفيروس كورونا.
وقالت متحدثة باسم الوزارة "يجب أن نمنح وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية الوقت الآن للقيام بعملها المهم ويجب أن ننتظر توصياتها".
وكانت المتحدثة ترد على تقرير لصحيفة "صنداي تليغراف"، الذي أفاد بأن بريطانيا ستطرح اللقاح اعتبارا من 4 يناير وفق خطط يضعها الوزراء.
وذكرت الصحيفة أن الحكومة تأمل في إعطاء الجرعة الأولى من لقاح أكسفورد الذي حصلت شركة أسترازينيكا للأدوية على ترخيص إنتاجه أو لقاح شركة فايزر لمليونين خلال الأسبوعين المقبلين.
وأضافت الصحيفة أن من المتوقع أن توافق الجهات التنظيمية الطبية على لقاح أكسفورد في غضون أيام.
محاولات احتكار اللقاح
وفتحت السلطات الأميركية تحقيقات في احتيال عددا من العيادات أثناء توزيع لقاح فيروس كورونا المستجد، وتوزيعه على أشخاص لا يملكون الأولوية.
وقال مفوض للصحة في ولاية نيويورك، هوارد زوكر، إنه تلقى تقارير عن شبكة عيادات "باركير" في الولاية حصلت على كميات من لقاح "موديرنا"، لكنها احتالت في توزيعها.
وأضاف أن هذه الشبكة عملت على توزيع كميات اللقاح على عدد من المنشآت التابعة في الولاية، في خرق لتعليمات السلطات بشأن اللقاح، وبعد ذلك وصلت الجرعات إلى أفراد من الجمهور، لا حق لهم الآن في تلقيها.
لكن شبكة العيادات نفت، من جانبها، على لسان مديرها التنفيذي، غاري شيلنزنغر، وقال إن شبكته تقوم بتدقيق هوية الأشخاص الذي سجلوا لنيل اللقاح والتأكد ما إذا كانوا عاملين في الرعاية الصحية أو كبار السن أو لديهم أمراض مزمنة.
وأضاف شيلنزنغر أنه تم تطعيم مئات المرضى بالفعل والناس يأتون باستمرار، مشددا على أن شبكته "لن تعطي اللقاح لأي شخص لا يستحقه".
تشكيك حول فاعلية اللقاح
في خضم البحث عن لقاحٍ يضع نهاية للفيروس، يشعر كثيرون بالقلق بشأن السرعة الكبيرة التي أسفرت عن لقاحات فعّالة ضد الوباء الذي حصد أرواح أكثر من مليون و700 ألف شخص حول العالم.
وينقسم الخبراء بين من يرى أن طبيعة الوباء، الذي ظهر في ديسمبر 2019، كانت تتطلب تحركا فائق السرعة لاعتماد لقاحات مضادة لكوفيد-19، بينما يعتقد فريق بأن ما تم التوصل إليه يفتقر إلى مزيد من التجربة على غرار اللقاحات السابقة التي ابتكرتها البشرية وأثبتت جدواها في القضاء على عدد من الأمراض أو تخفيض تعداد الإصابات بها على نحو كبير.
وحول الأسباب التي جعلتنا نحصل على اللقاحات المضادة لكورونا بهذه السرعة، نشرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، تقريرا سلّط الضوء على 9 دوافع لذلك بناء على آراء مختصين.
فقبل تفشي الجائحة، كان هناك وعي عالمي باحتمال ظهور وباء ما، وقد عملت حكومات ومؤسسات وهيئات دولية على جمع الموارد لذلك، كما أطلقوا مبادرات تصب في مصلحة هذا التوجه مثل التحالف الدولي لابتكارات التأهب للأوبئة سنة 2017
كذلك كانت شركات وجامعات مثل "بيونتيك" و"موديرنا" و"أكسفورد"، تطوّر تقنيات حديثة تستهدف إنتاج لقاحات بالاعتماد على الرموز الجينية لمسببات الأمراض المعدية، والتي جرى اختبارها لسنوات.
ورغم كل ما يشاع عن تأخر الصين في الكشف عن الفيروس، إلا أن العلماء بجامعة فودان بشنغهاي، شخصوا حالات مصابة بكوفيد-19 في بداياته، وكشفوا بسرعة التسلسل الجيني للحمض النووي الريبي للفيروس، ونشروا هذه المعلومات للعامة، الأمر الذي ساهم في البحوث التي أجريت لاحقا لتطوير اللقاحات المضادة، وسرّع من وتيرة إنتاجها.
كما حصل مطوّرو اللقاحات على تمويل كبير وفوري بدافع مواجهة كوفيد-19 الذي روع العالم وتسبب في شلل غير مسبوق وخسائر اقتصادية فادحة، في حين أن عمليات التمويل السابقة كانت تتطلب إقناع الجهات المموّلة سواء كانت وكالات أو جمعيات أو أفراد.
وجرى تسريع عمليات كتابة بروتوكولات التجارب السريرية والحصول على الموافقات اللازمة لتنفيذها.
وقد يهمك أيضا
مطورو لقاح فايزر يزفون بشرى بشأن مكافحة السلالة الجديدة
سلالة مختلفة من "كورونا" تتفشى سريعًا في جنوب أفريقيا بعد بريطانيا
أرسل تعليقك