أكّدت حدة التصريحات الأميركية وتهديدات الرئيس دونالد ترامب شيئا واحدا حيال إيران والحكومة العراقية، بعد محاولة اقتحام فصائل الحشد الشعبي وأنصارهم سفارة الولايات المتحدة في بغداد، أن واشنطن لن تسمح بأي شكل بتكرار أزمة الرهائن الأميركيين في طهران قبل 40 عاما، كما لن تنتظر سقوط قتلى أميركيين مثلما حدث في بنغازي عام 2012، لكن احتشاد المتظاهرين ودخولهم بسهولة المنطقة الخضراء المحظورة على المدنيين ومساعدة عدد من قوات الأمن لهم والذين دربتهم الولايات المتحدة، يكشف أيضا كيف أصبحت أميركا محدودة التأثير على الحكومة العراقية التي أنشأتها بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.
رفض أشباح الماضي
عكست سرعة وقوة ردة الفعل الأميركية تجاه محاولة اقتحام أكبر سفارة للولايات المتحدة في العالم، مدى القلق العميق الذي شعرت به الإدارة الأميركية، حسب تعبير مسؤول بارز في البيت الأبيض لصحف أميركية، فقد استدعى الحادث والشعارات التي رفعها المتظاهرون من الحشد الشعبي مثل "الموت لأميركا" و"أميركا الشيطان الأكبر"، ذكريات مريرة عاشها الأميركيون قبل 40 عاما، حينما اقتحم طلبة إيرانيون السفارة الأميركية في طهران نهاية عام 1979 واحتجزوا 52 دبلوماسيا ومواطنا أميركيا لمدة 444 يوما، ما كان سببا في جرح الكرامة الوطنية الأميركية، وتسبب في خسارة جيمي كارتر مقعد الرئاسة في العام التالي.
وتصاعدت المخاوف في العاصمة الأميركية من أن تتدهور الأمور في السفارة بسرعة، مثلما حدث في بنغازي الليبية عندما تعرضت البعثة الأميركية هناك لهجوم أدى إلى مقتل السفير الأميركي وثلاثة أميركيين آخرين، وهو الحادث الذي شكَّل صدمة للرأي العام داخل الولايات المتحدة، وكان أحد أسباب اتهام ترامب غريمته السابقة هيلاري كلينتون، التي كانت وزيرة الخارجية آنذاك، بالفشل في حماية دبلوماسييها.
ولهذا السبب، فضلاً عن تصاعد التوتر الأميركي الإيراني إلى أعلى مستوياته، ورغبة الرئيس ترامب في أن يبلغ هدفه بإرغام إيران على الخضوع وطلب التفاوض، كان تهديده واضحاً بأن إيران سوف تتحمل مسؤولية أي خسائر في الأرواح أو المنشآت وستدفع ثمناً باهظاً، مؤكداً أن هذا تهديد وليس تحذيرا.
تأهب ضد حصار محتمل
وبدت الساحة، ليلة أمس، مهيأة لحصار طويل لا يترك سوى مساحة ضئيلة لمناورة الولايات المتحدة، بعدما أعد المتظاهرون الخيام لمبيتهم حول السفارة الأميركية تمهيداً لجولة أخرى من التصعيد، وتهديدهم بعدم مغادرة المكان إلا بعد إغلاق السفارة وسحب الدبلوماسيين والقوات الأميركية خارج العراق.
غير أن مسارعة البنتاغون إلى إرسال نحو 100 من قوات التدخل السريع التابعة للمارينز من الكويت، وتحليق طائرتي أباتشي أميركيتين فوق السفارة، والإعلان عن إرسال 750 جندياً إضافياً على الفور إلى الشرق الأوسط للعمل في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية، وتأكيد مارك إسبر وزير الدفاع الأميركي التأهب لإرسال آلاف الجنود من الفرقة 82 المحمولة جواً من ولاية نورث كارولينا إلى الشرق الأوسط، اعتُبر مؤشراً حاسماً على أن الولايات المتحدة لن تتهاون حيال أي سلوك معادٍ من إيران ووكلائها في المنطقة.
ترقب حذر
وبينما دعا رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي المتظاهرين من الحشد الشعبي وانصارهم إلى الابتعاد عن محيط السفارة، تأمُل واشنطن أن تكون الجهود الدبلوماسية والاتصالات الساخنة التي أجراها كبار المسؤولين الأميركيين في الحكومة العراقية وتعزيز الأمن العراقي في محيط السفارة كافية لإنهاء الأزمة، غير أن مسؤولاً في الإدارة الأميركية أوضح لشبكة "سي إن إن" الإخبارية أن الوضع معقد والإدارة تأمل عودة الهدوء، لكنها مستعدة لكل الاحتمالات وتراقب الوضع عن كثب.
ومن غير المعروف عدد المسؤولين الأميركيين داخل السفارة المحصّنة التي تقع على مساحة 100 فدان، بما يعادل مساحة الفاتيكان، لكن تقديرات رجحت أن يتراوح العدد بين 300 إلى 352 أميركياً، وفقاً لمصادر صحافية أميركية.
وعلى الرغم من حالة التوتر، فإن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، أكد في حديث مع شبكة "فوكس نيوز" أنه لا توجد أية خطط لإخلاء السفارة أو سحب القوات الأميركية من العراق، كما من المنتظر أن يعود السفير الأميركي "ماثيو تيولر"، الذي كان في عطلة لمدة أسبوعين، إلى مقر السفارة في بغداد بسرعة، ما يشير إلى ثقة الولايات المتحدة في ضبط الأوضاع واستعادة الهدوء وممارسة دورها في العراق.
تراجع التأثير
قبل أكثر من عشر سنوات، شهد احتفال افتتاح السفارة الأميركية في بغداد ضجة واسعة بالنظر إلى كونها الأكبر والأكثر تحصيناً في العالم، ما اعتُبر مؤشراً على مدى النفوذ والتأثير الأميركي في العراق الجديد، لكن السهولة التي وصل بها المتظاهرون إلى مبنى السفارة وتحطيمهم الأبواب المدرعة وتهشيمهم الزجاج المضاد للرصاص وإشعال النيران في واحدة من غرف الاستقبال، كشف كيف أصبحت الولايات المتحدة قليلة التأثير على الحكومة العراقية التي أسستها في أعقاب الغزو الأميركي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين.
ويشير مراقبون في واشنطن إلى أن القوات الأمنية التي دربها أميركيون، أتاحت للمتظاهرين المعادين للولايات المتحدة المرور عبر المنطقة الخضراء التي لا يُسمح للمدنيين بدخولها، بل إن القوات الأمنية امتزجت مع الحشود وانضم بعضهم إليها، بعدما أظهرت لقطات فيديو عدداً من القوات يساعدون منتسبي الحشد على اقتحام السفارة الأميركية.
واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن محاولة اقتحام السفارة، تُظهر بوضوح هشاشة الوجود الأميركي في العراق، على الرغم من مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة في هذا البلد والاستثمارات التي أُهدرت على مدى 17 عاما.
السيناتور الديموقراطي كريس ميرفي اعتبر في تغريدة له أن ترامب هو السبب فيما يجري، لأنه جعل أميركا عاجزة في الشرق الأوسط، فلا أحد يخشاها ولا أحد يستمع إليها، على حد قوله.
وقال السيناتور الديموقراطي تيم كاين إن الممارسات الخاطئة للرئيس ترامب جعلت الأميركيين أقل أمناً.
مستقبل الوجود الأميركي
وبينما تساءل موقع "ذي هيل" الأميركي عن شكل ومستقبل الوجود الأميركي في العراق بعدما ينتهي فصل المواجهة الأخير بين إيران والولايات المتحدة في إطار حروب الوكالة، قال خبراء سياسيون في واشنطن إنه من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تستطيع استعادة وجودها العسكري والدبلوماسي في بغداد من دون الدخول في مواجهة كبيرة مع الفصائل التي تحاصر السفارة.
وأشار دوغلاس سليمان، وهو سفير أميركي سابق في العراق، إلى أن طهران تعتزم الاستفادة من الوضع الحالي، حيث تحاول الفصائل العراقية استغلال الوضع الحالي للتأكيد على أن توجيه ضربات عسكرية جوية أميركية ضد كتائب حزب الله رداً على مقتل مقاول عسكري أميركي، كانت ردة فعل مبالغا فيها وغير مناسبة.
قد يهمك ايضا :
برهم صالح: عند اختيار عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء لم تكن الكتلة الأكبر هي كتلة البناء
تظاهرة لمنتسبين بالحشد تقطع الطريق من ساحة الطابقين باتجاه جامعة بغداد
أرسل تعليقك