رام الله ،غزَّة - وليد أبو سرحان ،محمد حبيب
أثار موقف رئيس فريق الخبراء الرّوسيّ فلاديمير أيوبا مدير الوكالة الفيدراليَّة للتَّحاليل البيولوجيَّة بشأن وفاة الرَّئيس الفلسطينيّ الرَّاحل ياسر عرفات بشكل طبيعيّ، أجواء سلبيّة لدى الفلسطينيّين وسط إصرارٍ منهم على أنهم لا يلتفتون لما يقوله ذلك المسؤول الرّوسيّ.
ودعا رئيس الحكومة الفلسطينيّة المقالة في غزَّة إسماعيل هنيَّة
إلى التَّحقيق الجدِّيِّ في ملابسات استشهاد الرَّئيس الرَّاحل ياسر عرفات، وإبقاء ملفّه مفتوحًا لحين الكشف عن الحقائق المخفيَّة عن الشَّعب الفلسطينيّ والعربيّ، موضّحًا أن " قضية الرَّئيس الرَّاحل ياسر عرفات وطنيَّة بامتياز، وهي محلّ اهتمام الكلّ فلسطينيًّا وعربيًّا".
ودعا هنيَّة في تصريح خاصّ لـ"العرب اليوم" إلى متابعة جادّة ومباشرة عبر الجامعة العربية والمنظمات الدوليَّة ولجان التحقيق، لكشف الحقائق أيًّا كانت.
وذكر هنيَّة أنّنا: "قلنا منذ البداية لوفاة الرَّاحل أبو عمار أنّها عملية مدبّرة وأنها عمليّة اغتيال، ولا بد من تحقيق كامل للوصول إلى الجُناة الذين سلّموا الرَّئيس للعدو الصهيونيّ".
من جانبه أكَّد وزير العدل الفلسطينيّ الدكتور علي مهنا "للعرب اليوم" الخميس أنه لم يصل للجانب الفلسطينيّ بشكل رسميّ ما يبطل ما سبق وسلّم للسلطة من قِبَل الخبراء الروس الذين أجروا فحوصات على عينات من رفات الزعيم الفلسطينيّ الرَّاحل ياسر عرفات، والتي تؤكِّد بأنهم وجدوا نسباً عالية من مادة "البوليونيوم" في تلك العينات والتي أدّت لوفاته، مشيرًا إلى أنه "لم يطلع على التصريحات الصحافيّة التي أدلى بها رئيس الفريق الروسيّ بشأن أن وفاة عرفات كانت طبيعيّة".
وانتقد الدكتور جمال محيسن عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ذلك المسؤول الرّوسي قائلا "الإسرائيليون اشتروه" ، مضيفًا "ما قاله ذاك المسؤول لا يمثل الموقف الطبي الروسي، وأنَّ ما استلمناه من المختبرات التي عملت الفحص على عينات أبو عمار هو الموقف الرسمي بالنسبة إلينا" ، متسائلا "كيف تسلمنا النتيجة وبعد ذلك تخرج بتصريحات فارغة".
وشدد محيسن على أن نتائج الفحوصات التي أجرها الخبراء الروس على عينات أخذت من رفات عرفات، تؤكِّد وفاته مسموماً بمادة البولونيوم المشعة، منتقدًا في تصريح لـ"العرب اليوم" الخميس، ما صرح به فلاديمير أوبيا بشأن أسباب وفاة عرفات ، مضيفًا "هذا لا يمثل النتائج الروسية التي سلمت إلينا . وما هو معتمد عندنا هو نتائج الفحوصات المخبرية التي سلمت من الخبراء الروس بشكل رسمي قبل أسابيع، وهي التي تتحدث عن نسبة عالية من مادة البولونيوم المشعّ والرصاص التي وجدوها في عينات الرَّئيس أبو عمار، وهذا كان بعد 9 سنوات على وفاته، ولو كان هذا الفحص قبل 9 سنوات ستكون النسبة أكثر، وبالتالي فالذي قدّم لنا رسميًّا هو الذي قدم سابقًا ، فأما أن يخرج تصريح من هنا وهناك فهو يمثل الرأي الشخصي لذاك المسؤول ولا يمثل رأي روسيا ".
وشدّد محيسن على أن الفلسطينيّين متأكدون مئة في المئة وقبل خروج نتائج فحوصات المختبرات الروسية والسويسرية التي تؤكد النسبة العالية لمادة البولونيوم المشع في عينات عرفات، بأن إسرائيل هي من تقف وراء اغتياله ، مضيفًا "اليهود سمّموا أبوعمار، وبالتالي فنتائج المختبرات التي سلّمت لنا تؤكّد ما هو مؤكّد لدينا ".
وبشأن ما أعلنه فريق التحقيق الفرنسي كذلك بأن اسباب وفاة عرفات كانت طبيعيّة لكبر سنه، أوضح محيسن "أنا برأيي الرأي الفرنسي هو موقف سياسيّ وليس طبّياً".
هذا وأكَّد السفير الفلسطينيّ في موسكو الخميس لوكالة الأنباء الروسية "نوفوستي" أن التحقيق في وفاة الزعيم الفلسطينيّ ياسر عرفات متواصل على الرغم من تقرير فريق الخبراء الروس الذي توصل إلى أن الوفاة كانت لأسباب طبيعيّة.
أما النّاطق باسم حركة "الجهاد الإسلامي" داود شهاب فأكَّد أن الشعب الفلسطينيّ لديه قناعة تامّة بأن أبو عمار مات مسمومًا، وأوضح شهاب أن "هناك من كان يريد المماطلة في كشف حقيقة اغتيال عرفات والتسويف في الأمر"، مؤكدًا ضرورة وجود جهد حقيقيّ رسميّ لكشف من قتل عرفات ومن ساعد في الجريمة لمحاسبتهم.
واتهم شهاب السلطة الفلسطينيّة بالتقصير في ملف وفاة عرفات، مشيرًا إلى أن "اللجان التي شكلتها كانت تعمل بالتراخي ولم تكن جادة، إضافة إلى أن السلطة كان لها دور في التغطية على عديد من الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل".
وفي ذات السياق، أكَّد عضو المكتب السياسيّ للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين رباح مهنا أنه لم يكن هناك عمل بشكل كافٍ لكشف جريمة اغتيال عرفات، محمّلا السلطة مسؤوليّة هذا التقصير.
وطالب مهنَّا بالعمل فلسطينيًّا وبدعم عربيّ لكشف ملابسات وفاة عرفات وإحالة القضية لكل المحاكم للوصول إلى المجرمين ومعاقبتهم، مؤكِّدًا أن الجبهة ستعمل على تنفيذ ذلك.
على الجانب الآخر، رفض النّاطق باسم حركة التحرير الفلسطينيّ (فتح) فايز أبو عيطة الاتهامات للسلطة ولحركته بالتقاعس بشأن ملفّ الرَّئيس الرَّاحل، مؤكدًا أن لجان التحقيق التي شُكِّلت عملت بكل جدية ولكن وفق إمكانات فلسطينيّة ضعيفة.
وأعلن أبو عيطة أنه "عندما سنحت الفرصة للاستفادة من إمكانات دولية أسرعت السلطة للمساعدة في الأمر وسمحت لطواقم سويسرية وفرنسية وروسية بأخذ عينات من جثمان الرَّئيس الرَّاحل لفحصها والوقوف على ملابسات ما جرى معه".
من جانبه أكَّد رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في ظروف استشهاد الرَّئيس ياسر عرفات، اللواء توفيق الطيراوي، أن إسرائيل هي المتّهم الأساسي والأول والوحيد في اغتيال ياسر عرفات.
وأوضح اللواء الطيراوي: "منذ البداية قلنا إننا لن نعتبر أن التقريرين الروسي والسويسري هما نهاية المطاف، وقمنا بدورنا وأجرينا مئات التحقيقات في فلسطين والعالم، والأساس هو الوصول إلى جميع المعطيات والتفاصيل التي تكشف عن سبب وفاة ياسر عرفات، لأنها جريمة القرن الحادي والعشرين، ولن نألو جهدًا ولن يقف عائق أمام التوصل للحقيقة، فمن يقف وراء قتل ياسر عرفات ومن يملك الإمكانات التقنية لذلك، هي إسرائيل".
وأوضح اللواء الطيراوي أننا "على مدى الأعوام التي عملنا بها ضاقت كثيراً الحلقات، ولكن يجب أن نعرف أن أي كلمة يمكن أن تخرج للعلن ممكن أن تقتل ياسر عرفات مرة أخرى، وتخفي وراءها الحقيقة، والإجراءات القضائية التي يمكن أن تتخذ في حاجة لدراسة، ويجب أن نفهم أننا لن نترك من قام بقتل هذه الجريمة إلا أن يقدم للقضاء الدولي والمحليّ".
وأكَّد اللواء الطيراوي: "فرنسا تعرف الحقيقة كاملة، وتعرف كل معطيات استشهاد الرَّئيس عرفات".
وأشار اللّواء الطيراوي إلى أنّنا: "سنستمرّ في عمل تحقيق متواصل للبحث والتأكيد على التفاصيل كافة وكل عناصر القضية، نستطيع التأكيد أن اللجنة لديها معطيات وبينات وقرائن، وأود أن أشير أن النتائج قربتنا من إثبات صحة فرضيتنا عن استشهاد أبو عمار، وجاءت لتعزز ما توصل له التحقيق من قرائن وبينات بعد 3 أعوام من العمل المهني الصامت، نحن اقتربنا من الحقيقة".
وأعلن اللواء الطيراوي: "التقريران السويسري والروسي أكَّدا أن أبو عمار لم يمت بسبب المرض، وأن أبو عمار لم يمت بسبب تقدم السن، ولم يمت موتًا طبيعيّا".
وأكد اللواء الطيراوي أنّه "بالنسبة إلى موفاز وشارون فليسا مسؤولين كشخصين عن القتل، بل كل الجهاز السياسيّ والأمنيّ مسؤول عن القتل، ونحن جمعنا كل أقوالهم وأقوال السياسيين والأمنيين الإسرائيليين عن ضرورة قتل عرفات، ولكن الجريمة لها أركان، لا يكفي من يقف وراء الاغتيال، ولكن الركن الأساسي الذي نبحث عنه هو الأداة، وحين نصل للأداة تكون الجريمة قد اكتملت".
وأوضح: "نحن لجنة تحقيق فلسطينيّة، ولكن موضوع الذهاب للأمم المتحدة يتطلب قضايا قانونية، وهذا من شأن القيادة الفلسطينيّة، المعطيات والبينات والقرائن الموجودة لدى لجنة التحقيق من خلال البحث وجمع المعلومات، جعلتنا نقترب أكثر من الوصول إلى الحقيقة".
وشدَّد اللواء الطيراوي على أن التحقيق في استشهاد أبو عمار مستمر منذ 3 أعوام وسيتواصل، خاصة أن التقارير الطبية الدولية توفِّر دعائم علمية تقرِّب من الوصول إلى الحقيقة، لكنها ليست نهاية المطاف.
وكانت صحيفة الديلي تليغراف قد ذكرت أن رئيس هيئة الطبّ الشرعي في روسيا، التى أجريت التحاليل على عينات من رفات الزعيم الرَّاحل، قد أكّد أن أسباب الموت كانت طبيعيّة وليس نتيجة للتسمم الإشعاعى. وتتماشى النتائج الروسية مع تقييم العلماء الفرنسيين الذين قالوا فى وقت مبكر من هذا الشهر، إن عرفات لم يقتل بالبولونيوم المشع.
ونقلت وكالة إنترفاكس عن فلاديمير أيوبا، رئيس الوكالة الاتحادية البيولوجية في روسيا: "ياسر عرفات لم يمت نتيجة لآثار إشعاعية ولكن لأسباب طبيعيّة".
وتوفي الزعيم الفلسطينيّ عام 2004، عن عمر يناهز الـ75، فى مستشفى فرنسي، بعد أربعة أسابيع من سقوطه مريضًا عقب تناول وجبة فى مقرّه برام الله الذى كانت تحيط به الدبابات الإسرائيلية.
وكان الخبراء المكلفون من القضاء الفرنسيّ التحقيق في وفاة ياسر عرفات استبعدوا في تقريرهم فرضية وفاة الزعيم الفلسطينيّ مسموما مرجحين الموت الطبيعيّ بحسب مصدر قريب من الملف، مما يثير الجدل مجدّدًا حول هذه القضية البالغة الحساسية.
وذكرت النيابة العامّة في نانتير قرب باريس في بيان لها أنه"مع التحاليل التي أجريت والمستندات التي يتضمّنها الملف، خلص الخبراء إلى غياب تسميم عرفات بالبولونيوم-210″ وهي مادة مشعة على درجة عالية من السُّمِّيَّة.
وأشار تقرير طبيّ فرنسيّ يعود تاريخه إلى 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 إلى التهاب في الأمعاء وتخثر "شديد" للدم لكنه لم يوضح أسباب الوفاة.
وعلى عكس الفرنسيين، أعلن السويسريون مطلع تشرين الثاني/نوفمبر أنهم يغلبون فرضية التسميم بعد أن وجدوا البولونيوم- 210 بكميات أكبر بعشرين مرة مما اعتادوا قياسه، لكنهم لم يؤكدوا بشكل قاطع أن هذه المادّة كانت سبب الوفاة.
يُذكر أنه بعد أن فتح القضاء الفرنسيّ تحقيقًا في المسألة، أعيد فتح ضريح عرفات وأخذت حوالي 60 عينة من رفاته وزعت لتحليلها على ثلاث فرق من الخبراء من سويسرا وفرنسا وروسيا.
وأعلنت سهى عرفات أرملة الرَّئيس الفلسطينيّ الرَّاحل لوكالة فرانس برس في السادس من الشهر الحالي أنها ستطعن أمام القضاء الفرنسي في نتائج التقرير الطبي الفرنسي الخاص بظروف وفاة زوجها.
وذكرت سهى عرفات أنه "بعد التشاور مع عدد من الخبراء القانونيين وخبراء المعهد السويسري الذي أجرى فحوصًا على عينات من رفات الشهيد عرفات وبعد مقارنة التقرير الفرنسي مع التقرير السويسري قرّرنا التوجه إلى القضاء الفرنسي للطعن في نتائج التقرير الطبي الفرنسي".
وأضافت "سنطعن في التقرير وآليّة عمله والنتائج التي توصل إليها وسنبين الدليل على صحة طعننا" من خلال المحامين الموكلين بالقضية أمام القضاء الفرنسي.
وأكّدت سهى عرفات في الرابع من الشهر الحالي لوكالة فرانس برس أنها "مقتنعة تمامًا" بأنه "لم يمت بطريقة طبيعيّة".
وكانت سهى عرفات قد رفعت في تموز/يوليو 2012 دعوى ضد مجهول بتهمة القتل في نانتير بعد اكتشاف مادة البولونيوم المشعة والعالية السُّمِّيّة على أغراض شخصية لزوجها.
وهذه المادة أعطيت له -كما أشارت- من أحد المحيطين به. ولم تعرف حتى الآن أسباب وفاة عرفات الذي توفي عن 75 عامًا في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 في مستشفى بيرسي دو كلامار العسكري الفرنسي قرب باريس بعد تدهور مفاجئ في صحّته.
أرسل تعليقك