تطوّرت الأحداث سريعا بعد حادثة القصف الأميركي على أحد مقرات الحشد الشعبي في مدينة القائم غرب محافظة الأنبار والتي أسفرت عن وفاة وإصابة العشرات من منتسبي الحشد، حيث أقيمت، صباح الثلاثاء، مراسم شعبية وسط العاصمة بغداد، لتشييع شهداء الحشد، واقتحم المشيعون المنطقة الخضراء وتوجهوا إلى مبنى السفارة الأميركية، وهم رافعين الأعلام العراقية وأعلام الحشد الشعبي، احتجاجا على القصف الأميركي.
واعتصم مئات مِن المتظاهرين العراقيين من أتباع الحشد الشعبي منذ الليلة الماضية أمام السفارة بعد محاولة اقتحامها، وتوعد الحشد بالمزيد ردا على الغارة الأميركية التي استهدفت مقره، وسرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن بعد اضرام المحتجين النار بالسور الخارجي للسفارة الأميركية في بغداد، بينما ردت عناصر حماية السفارة بإطلاق الغاز المدمع في محاولة لتفريقهم، وهو ما أدى إلى وقوع حالات اختناق في محيطها، مما أدى إلى إصابة 62 شخصا على الأقل، الأمر الذي نددت به بعض القيادات السياسية والرئاسات الثلاث، داعين المحتجين إلى الانسحاب فورا من أمام السفارة الأميركية، بينما شددت على ضرورة قيام القوات العراقية بتعزيز حماياتها للسفارة الأميركية وباقي البعثات الدبلوماسية، أكد رئيس الوزراء "المستقيل"، عادل عبدالمهدي، استمرار القوات العراقية بحماية السفارة الأميركية والبعثات الدبلوماسية في بغداد.
وطالب أعضاء مجلس النواب لعقد جلسة طارئة السبت المقبل لمناقشة تطورات الأوضاع، حيث تم تقديم طلب من قبل أكثر من 50 نائبا إلى رئاسة البرلمان.
تعديل اتفاقية "الأطر الاستراتيجي"
وكشفت لجنة الأمن والدفاع النيابية عن عزم مجلس النواب مناقشة تعديل أو إلغاء الاتفاقية الأمنية أو ما يطلق عليها اتفاقية "الأطر الاستراتيجي" المبرمة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، بينما دعت إلى ضرورة إعادة النظر بالعلاقات العراقية الأميركية على المستوى السياسي والأمني والقانوني بعد قصف مقر للحشد الشعبي في القائم.
وقال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، النائب عباس عليوي، إن الأخطاء المرتكبة من قبل الحكومات السابقة، ومن ضمنها عقد الاتفاقية الأمنية مع واشنطن التي تدعى باتفاقية “الأطر الاستراتيجي”، ونقمة الشارع هذه، كلها تراكمات لإدارات سابقة أدت إلى انتكاسة كبيرة للعراق، ومن ضمنها الاتفاقية الأمنية التي أتاحت وأعطت الولايات المتحدة أن تتصيد بالماء العكر وتنتهك سيادة البلد.
وأضاف أن أغلب أعضاء مجلس النواب اتفقوا على تصحيح هذه الاتفاقية أو إلغائها، ويجب إعادة ترتيب أمورنا كعراقيين، بالإضافة إلى أن نعطي قوة للبلد لمنع أي خلاف بين الكتل مهما كان نوعه، لافتا إلى أن هذه فرصة لمجلس النواب بأن يكون جادا وحازما في اتخاذ قرار سليم ومناسب، وبشكل قانوني.
ودعا عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية إلى ضرورة إعادة النظر بالعلاقات السياسية والأمنية والقانونية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه هي مسؤولية الحكومة والكتل السياسية والقوى الوطنية والبرلمان، لذلك لا بد من أن يكون هناك توافق بهذا الجانب.
وأكد المحلل السياسي، عصام الفيلي، أن العراق ملزم باتفاقيات دولية توجب عليه توفير الأمن والحماية الكافية لجميع السفارات والبعثات الدبلوماسية الموجودة في بغداد.
وقال الفيلي إن ما يحصل من استهداف للسفارات والبعثات الدبلوماسية يعد مرفوضا على المستوى الدولي، كما أن العراق موقع على اتفاقيات دولية تلزمه تنفيذها، ومن ضمن هذه الاتفاقيات والمواثيق توفير الحماية اللازمة لجميع السفارات، ومن ضمنها السفارة الأميركية، لأن استهدافها فيه تبعات خطيرة على العراق على المستوى الدولي.
عبدالمهدي يهاتف ترامب
كان رئيس الوزراء، عادل عبدالمهدي، أكد، الثلاثاء، أن القوات العراقية مستمرة بحماية السفارة الأميركية وباقي البعثات الدبلوماسية، بينما أعرب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن ثقته بأهمية دور العراق وقيادته.
وقال مكتب رئيس الوزراء إن "رئيس مجلس الوزراء عادل عبدالمهدي تلقى اتصالا هاتفيا الثلاثاء في الساعة ١٩:٣٠ من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي استفسر عن الأوضاع في العراق وعن التطورات المحيطة بالسفارة الأميركية في بغداد”.
وأضاف أن “عبدالمهدي شرح أن الأحداث جاءت بعد الأحداث الأخيرة المؤلمة، وأنه سبق أن وضح قبل يومين لوزير الدفاع الأميركي اسبر خطورة تبعاتها”، مشيرا إلى أن “عبد المهدي أوضح أن القوات الأمنية العراقية مستمرة في القيام بواجبها في حماية السفارة الأميركية وباقي البعثات الدبلوماسية والممثليات”.
وأكد عبد المهدي في معرض الحديث عن الوضع الإقليمي أن “الحكومة العراقية سعت دائما للحفاظ على علاقات طيبة بدول الجوار ومنها إيران، وكذلك الدول الغربية الصديقة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية”، لافتا إلى أن “الأوضاع تدهورت بسبب الخلافات بين الجانبين، وأن العراق يريد أن يكون بلد تفاوض وتهدئة ليبعد خطر الحرب عن العراق وعن الجميع”.
وبين عبدالمهدي للرئيس الأميركي “إنكم تذكرون بأنكم لا تريدون الحرب، ونسمع من القادة الإيرانيين موقفا مشابها، وقد أكد العراق أهمية التفاوض أو على الأقل الوصول إلى ترتيبات واتفاقات واقعية للتهدئة”، وأكد الرئيس الأميركي “ثقته بأهمية دور العراق وقيادته وما يمكن أن يلعبه في هذا المضمار”.
واتفق الرئيسان على إبقاء الخطوط المباشرة مفتوحة بينهما لمتابعة الأمر، وكان وزير الخارجية الأميركي، بومبيو، ومساعده ديفيد هيل، اتصلا لمتابعة آخر التطورات في البلاد.
وأوضح مصدر موجود في محيط السفارة الأمريكية في بغداد، لـCNN أن عددا من العربات المدرعة تابعة لقوات مكافحة الإرهاب العراقية، بالإضافة على سيارات عسكرية من نوع “همفي”، دخلت المنطقة وتمركزت أمام وحول السفارة داخل المنطقة الخضراء.
واضاف: تم نشر قوات مشاة البحرية الأمريكية المختصة بالاستجابة للأزمات، التابعة للقيادة المركزية في العراق، لتعزيز الأمن في السفارة الأمريكية وضمان سلامة المواطنين الأميركيين.
واشنطن ترسل تعزيزات عسكرية لحماية سفارتها
من جهته، قال مسؤول أمريكي: إن الجيش الأمريكي أرسل طائرتين مروحيتين من طراز أباتشي في استعراض قوة. مضيفا أن الجيش الأمريكي أرسل مجموعة صغيرة من قوات مشاة البحرية الأمريكية من الكويت إلى موقع السفارة لتعزيز الحماية.
من جانبه، اكد الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، امس الاربعاء، ان بلاده نقلت العديد من مقاتلي الحرب الكبار إلى جانب المعدات العسكرية الأكثر فتكا في العالم للسفارة الاميركية ببغداد.
وقال ترامب في تغريدة له تابعتها “الزوراء”: ان “سفارة الولايات المتحدة في العراق كانت ولا تزال امنة لساعات”، مبينا انه “تم نقل العديد من مقاتلي الحرب الكبار لدينا، إلى جانب المعدات العسكرية الأكثر فتكا في العالم على الفور إلى الموقع”.
وحمل ترامب ايران “المسؤولية عن الخسائر المادية والبشرية التي حصلت في السفارة”، مقدما شكره للقادة العراقيين “للاستجابة السريعة في حماية السفارة”.
وأكد الرئيس الأمريكي أنه لا يريد حربا مع إيران.. والتي تتهمها الولايات المتحدة بمهاجمة السفارة الأمريكية في بغداد.
وقال ترامب للصحفيين ردا على سؤال بشأن تصاعد التوتر إلى حرب مع إيران، “هل أريد؟ لا. أريد السلام وأحب السلام. ويجب أن ترغب إيران في السلام أكثر من أي شخص آخر. لذلك أنا لا أرى ذلك يحدث”.
وكان الرئيس الأمريكي قال في وقت سابق مهددا إيران بعد اتهامه لها بالضلوع في تدبير الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد، إنها ستدفع ثمنا باهظا. وختم الرئيس الأمريكي كلامه أنه يقول ذلك على سبيل التهديد والوعيد لا التحذير.
وقد اتهمت الولايات المتحدة السلطات الإيرانية بالهجوم، بينما تنفي طهران ذلك.
وكان البنتاغون أعلن إرسال نحو 100 من مشاة البحرية الأمريكية إلى السفارة الأمريكية في بغداد، الثلاثاء الماضي، لتعزيز الأمن، بعد أن قام محتجون باقتحام مجمع السفارات.
وقال وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر: إن الولايات المتحدة سترسل نحو 750 جنديا على الفور إلى الشرق الأوسط، ردا على احتجاجات عنيفة عند السفارة الأمريكية في العراق.
وتظاهر الآلاف بمحيط السفارة الأمريكية بالعاصمة العراقية بغداد، منذ صباح الاثنين الماضي، احتجاجا على قصف أمريكي استهدف مواقع لقوات الحشد الشعبي، مساء الاحد الماضي، ما أدى إلى استشهاد 27 شخصا وإصابة 62 من العناصر التابعة للحشد الشعبي .
من جهتها، رفضت إيران بشدة الاتهامات الأمريكية الموجهة لها بالوقوف وراء الهجوم على سفارة الولايات المتحدة في العراق، محذرة الجانب الأمريكي من “أخطاء في الحسابات”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، في بيان أصدره، مساء اول امس الثلاثاء، إن “إيران ترفض بشدة الاتهامات الأمريكية لها بالوقوف وراء الهجوم على سفارة واشنطن في بغداد”، واصفا هذه الادعاءات بالـ “إهانة للشعب العراقي”.
وأضاف موسوي: “نواجه في الأحداث الأخيرة في العراق مزيجا من وقاحة الولايات المتحدة، وإهانة الشعب العراقي، وتكرار الأخطاء في الحسابات”.
واعتبر أن “على الولايات المتحدة الكف عن سياساتها التخريبية في المنطقة”، متسائلا: “كيف، وعلى أساس أي منطق، تتوقع الولايات المتحدة من الشعب العراقي السكوت على جرائمها في العراق؟”.
وأشار موسوي إلى أن “الولايات المتحدة لا تزال في أذهان الشعب العراقي دولة محتلة”. محذرا إياها “من أي ردود فعل غير محسوبة أو أي أخطاء في الحسابات”.
ودعا المتحدث باسم الخارجية الإيرانية البيت الأبيض إلى “إعادة النظر في سياساته التخريبية في المنطقة”. مضيفا: “نسب تنظيم التظاهرات في العراق ضد واشنطن إلى إيران وقاحة أمريكية تثير الاستغراب”.
الحشد يدعو المحتجين الى الانسحاب
الى ذلك، دعت هيئة الحشد الشعبي، امس الأربعاء، المحتجين قرب السفارة الأميركية إلى الانسحاب “احتراماً” لقرار الحكومة العراقية، معتبرة أن “رسالتهم وصلت”.
وقالت الهيئة في بيان تلقت “الزوراء” نسخة منه: “ندعو الجماهير المتواجدة قرب السفارة الأميركية إلى الانسحاب احتراماً لقرار الحكومة العراقية التي أمرت بذلك، وحفاظاً على هيبة الدولة”. مخاطبة الجماهير بالقول إن “رسالتكم وصلت”.
وثمنت الهيئة “موقف القائد العام للقوات المسلحة والشخصيات السياسية والدينية والثقافية والشعبية، الرافضة والمستنكرة للعدوان الأميركي الغاشم على قطعات الحشد الشعبي”.
ودعت الهيئة الجميع إلى “المشاركة في مجالس العزاء الخاصة بالشهداء في بغداد والمحافظات”، مبينةً أن “العزاء المركزي سيقام في بغداد بالجادرية بالقرب من مطعم السفينة، حيث ستنصب سرادق العزاء هناك”.
من جانبها، قالت مصادر بالحشد الشعبي إن توجيهات صدرت للمتظاهرين والمعتصمين الموجودين بمحيط السفارة الأميركية، منذ اول أمس الثلاثاء، تدعوهم للانسحاب من المكان “احتراما” لقرار الحكومة العراقية، وذلك بعد احتجاجات على غارات أميركية استهدفت مقرا للحشد.
وأضافت المصادر: أن التوجيهات التي صدرت بدأ تنفيذها بالفعل، وأن عملية رفع الخيام التي تم نصبها في وقت سابق، وسحب المعتصمين من أتباع الحشد الشعبي الموجودين في محيط السفارة قد بدآ بالفعل أيضا.
وقالت مصادر أخرى بالحشد إن هذه الدعوة لن تكون ملزمة للجميع، وإن عملية إنهاء الاعتصام يقرره المعتصمون الموجودون على الأرض.
وتأتي هذه التطورات بعد دعوات عديدة أطلقها عدد من القيادات السياسية طالبت حكومة بغداد بالعمل على توفير الحماية اللازمة للسفارة الأميركية، واصفين ما حدث من عملية اقتحام لمبنى السفارة وحرق بعض مكاتبها بأنه “تجاوز للسياقات والاتفاقات الدولية الملزمة للحكومة العراقية”.
من جهته، اكد وزير الخارجية، محمد الحكيم، امس الاربعاء، أن رسالة المحتجين امام السفارة الامريكية في بغداد قد وصلت، مشددا على أن سلامة انسحابهم “أصبحت ضرورة”.
وقال الحكيم، في تغريدة له عبر موقع “تويتر”: إن حماية الدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية وسفاراتها تبقى مسؤولية العراق التي تعهد بها بموافقته على اتفاقية جنيف.
واضاف الحكيم: تحدثت مع رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة حول إنهاء الاحتجاجات أمام السفارة الأمريكية وسلامة الموظفين والمنشآت. موضحا أن رسالة المحتجين وصلت، وأصبحت سلامة انسحابهم ضرورة.
تحذير من تكرار الاعتداء على البعثات الدبلوماسية
من جهته، أكدت المفوضية العليا لحقوق الانسان، امس الاربعاء، ان ظاهرة الاعتداء على البعثات الدبلوماسية اصبحت تتكرر في العراق “دون أي موقف حكومي”، مشيرة الى أن الطرق الدبلوماسية هي وسيلة قطع العلاقات مع اي دولة.
وقال عضو المفوضية، علي البياتي، في بيان تلقت “الزوراء”: إن “التظاهر حق مشروع للمواطن العراقي وهو اساس النظام الديمقراطي”. مشددا على “احترام مطالب المواطن العراقي مهما كانت، والتعامل معها عن طريق الآليات الدستورية والقانونية”.
واضاف البياتي “من أهم أسباب ديمومة التظاهرات وتحقيقها لمطالبها هو الحفاظ علَى سلمية التظاهرات وحسن تنظيمها، ووحدة ووضوح مطاليبها”.
وبيّن “لا يوجد ما يبرر الاعتداء علَى المتظاهرين إلا في حالات الضرورة القصوى والدفاع عن النفس، وبطرق تتجنب الضرر الكبير على وفق المبادئ والمعايير الدولية للأمم المتحدة”.
ولفت الى انه “من مسؤولية الحكومة حماية التظاهرات لتجنب الاصابات والضرر على الممتلكات العامة، والتفاوض مع المتظاهرين لتهدئة الأوضاع، كما هي مسؤوليتها حماية جميع البعثات الدولية المتواجدة في العراق بشكل رسمي وبموافقة الدولة”.
واشار الى ان “قضية الاعتداء علَى السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية أصبحت ظاهرة للأسف تتكرر في العراق الجديد بدون اي موقف حكومي واضح غير الاستنكار، وهذا يضر بكل تأكيد بموقف العراق دوليا”.
وتابع قائلا “إن كانت هنالك أية رغبة بقطع العلاقات مع أية دولة حسب ما تقتضي مصلحة العراق، فهو من حق العراق بكل تأكيد، ولكن على وفق الطرق الدبلوماسية المرسومة دوليا”.
قد يهمك ايضا
المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي يندّد بالقصف الأميركي على مقار "الحشد الشعبي"
برهم صالح يؤكد أن استهداف البعثات الدبلوماسية المُعتمدة يضر بمصالح العراق
أرسل تعليقك