عام بأكمله مر على رحيل شاعر العامية المصرية أحمد فؤاد نجم الذي عُرف باسم "الفاجومي" حيث لقب به نفسه، وعاش حياته يحكي هموم أهل مصر في نسيج أشعاره، التي اعتبرها البعض أيقونة لشخصية المواطن المصري البسيط وذلك لما كان لكتاباته من تماس شديد بحياة البسطاء والفقراء كما في "هما مين واحنا مين" واتسمت أعماله بالبساطة الغير متكلفة، وبالرغم من شهرته إلا أنه عاش حياة بسيطة في بيت في حي شعبي كان مفتوحًا للقاصي والداني، مرحبا بأي معجب بأعماله.
تمر الأربعاء 3 كانون الأول/ ديسمبر الذكرى الأولى لرحيله، وقد وُلد نجم في قرية "كفر أبونجم" في مدينة أبوحماد في محافظة الشرقية، ويعتبر أحد أهم شعراء العامية في مصر، وأحد ثوار الكلمة، واسمًا بارزًا في الفن الملتزم بقضايا الشعب والجماهير الكادحة ضد الطبقات الحاكمة الفاسدة، وبسبب مواقفه تلك سجن ثمانية عشر عامًا، ودخل في خلافات سياسية مع كبار المسؤولين في مصر.
وشاء القدر أن يلتقي أحمد فؤاد نجم بالعندليب عبد الحليم حافظ قبل أن تطارده أضواء الشهرة، حيث أدى وفاة والد نجم إلى انتقاله إلى بيت خاله حسين في الزقازيق، ثم التحق بملجأ أيتام في عام 1936، وقابل فيه العندليب، ليخرج منه عام 1945 وعمره 17 سنة.
بعد ذلك عاد لقريته للعمل راعيًا للبهائم، ثم انتقل إلى القاهرة عند شقيقه، إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته بعدها بسنوات حيث عمل في أحد المعسكرات الإنجليزية وساعد الفدائيين في عملياتهم.
صدر الديوان الأول له من شعر العامية المصرية "صور من الحياة والسجن"، وكتبت له المقدمة سهير القلماوي ليشتهر وهو في السجن، وبعد خروجه من السجن عُين موظفًا في منظمة تضامن الشعوب الآسيوية الأفريقية، وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية، ومع ذلك فقد كان اجتماعيًا غير ميسور الحال، حيث أقام في غرفة على سطح أحد البيوت في حي بولاق الدكرور، وبعد سنوات اختارته المجموعة العربية لصندوق مكافحة الفقر التابع للأم المتحدة سفيرًا للفقراء.
وسيظل التاريخ رابطًا بين أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، حيث تتلازم أشعار نجم مع غناء إمام لتعبر عن روح الاحتجاج الجماهيري الذي بدأ بعد نكسة يونيو 1967، ومن أهم أشعار أحمد فؤاد نجم كتابته عن جيفارا رمز الثورة في القرن العشرين.
وبعد رحيله بأيام أصدر الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور قرارًا جمهوريًا بمنح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى إلى اسم الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، تقديرًا لعطائه الأدبي وحضوره المؤثر على الساحة الأدبية والسياسية طوال فترة حياته.
وقبلها، في عام 2013، فاز بجائزة الأمير كلاوس (Prince Claus Awards) الهولندية، وهي من أرقى الجوائز في العالم، لكن وافته المنية قبل استلامها ببضعة أيام.
كما حصل على المركز الأول في استفتاء وكالة أنباء الشعر العربي في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2013.
واعتقل نجم في عهدي الزعيم جمال عبدالناصر والرئيس السادات أكثر من مرة، بعدما أطلق على الأخير أكبر حملة سخرية ضد حاكم مصري على الرغم من استقباله حرب أكتوبر بأغنية "دولا مين ودولا مين" التي غنتها الفنانة عزة بلبع"، إحدى زوجاته.
ومن أبرز الأغاني التي سجن نجم وإمام على خلفيتها أغنية "نيكسون بابا" عام 1974، التي كتبها نجم أثناء زيارة الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون إلى مصر بعد حرب أكتوبر، وغناها الشيخ إمام، ثم حكم على نجم وإمام بالسجن لمدة سنة كاملة عام 1977 بسبب قصيدة "الفول واللحمة"، التي تنتمي إلى ما عرف بـ"قصائد المناهضة للنظام الحاكم" التي كانت ذروتها في دعم مظاهرات الطلبة عام 1977.
وصفه الشاعر الفرنسي لويس أراجون بأنَّ "فيه قوة تسقط الأسوار"، وسماه الدكتور علي الراعي "الشاعر البندقية"، في حين سماه أنور السادات "الشاعر البذيء".
أما "الفاجومي"، فهو الاسم الذى اشتهر به، وهو عنوان الفيلم الذى عرض عام 2011، متناولًا جزءًا من سيرة الشاعر الكبير، وشارك فيه العديد من الفنانين الذين طالما التفوا حول نجم وكانوا معه خلال ثورة يناير، ومنهم خالد الصاوى، وجيهان فاضل.
ومن مفارقات القدر أن نجم بدأ حياته الشعرية من قلب الحارة المصرية، "حارة خوش قدم"، التى عاش فيها مع الشيخ إمام، ومات فى غرفة متواضعة "على السطح".
وكانت آخر كلماته لبناته "إلى بناتى عفاف ونوارة وزينب، يمكن ما تلاقوش فى حياة أبوكو شيء تتعاجبوا به، لكن أكيد مش هتلاقوا فى حياة أبوكم شيء تخجلوا منه، هو ده اعتقادي اللى دافعت عنه ودفعت تمنه بمنتهى الرضا. أبوكم أحمد فؤاد نجم".
يُذكر أن تفاصيل القبض على نجيب ساويرس في 1971 بتهمه أنه "شيوعي"، وما تردد حول أن عبد الناصر اسمه "عتريس"، وغير ذلك من الأوراق الخفية الخاصة بالشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، وآخر قصائده قبيل رحيله، وعلاقته بعبد الوهاب وأم كلثوم والشيخ إمام، يكشف عنها كتاب جديد في ذكراه الأولى.
الكتاب بعنوان "كلمات أحمد فؤاد نجم الأخيرة"، للكاتب عادل سعد، وقد صدر مؤخرًا عن دار روافد للنشر والتوزيع بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل نجم (23 آيار/ مايو 1929 – 3 كانون الأول/ ديسمبر 2013)، ويتصدر الكتاب مقال للناقدة والأديبة صافي ناز كاظم زوجة الشاعر الراحل، ويختتم صفحاته بمقال آخر لابنته نوارة نجم بعنوان "يوم الأربعاء".
وما بين المقالتين يستعرض الكاتب جوانب وصفحات خفية من حياة من وصفه بـ"الهجاء النبيل" أحمد فؤاد نجم، وعلاقته بالشيخ إمام، ورأيه في عدد من الشخصيات السياسية والفنية، منهم عبد الناصر ونجيب ساويرس وأم كلثوم والشيخ محمد رفعت ومحمد عبد الوهاب، وغيرهم.
كما يضم الكتاب "ست حلقات" تمثل الجزء الثالث من حلقات الفاجومي، وثلاثين حلقة عن "أيام نجم في خوش قدم وحواريها العتيقة".
من أوراق الكتاب الخفية ما يرويه نجم، و"العهدة علي الراوي"، من أن "الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان اسمه الأصلي عتريس، وقام بتغييره ليتم قبوله في الكلية الحربية، وأنه تم سجن ابن عمده بني مُر بسبب ترديده تلك الواقعة"، وفقًا له.
كما يروي نجم أن عبدالقادر عودة، المفكر والقاضي والفقيه الدستوري، قد "باعه للمباحث وضابط أمن الدولة حسن أبو باشا"، بحد تعبيره.
وتتضمن أوراق الكتاب فصولًا عن طبيعه العلاقة بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، وآراء نجم وإمام في أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وحورية حسن وعدد من أساطين الطرب والموسيقى كالشيخ درويش الحريري والشيخ علي محمود والشيخ زكريا أحمد، بالإضافة إلى شيخ قراء القرآن محمد رفعت.
ويوضح الكتاب أن نجم دخل السجن 18 عامًا على فترات متقطعة، لكنه يظل الأكثر شهرة رغم أنف الحكام وشعرائهم المدجنين وكتبه المباحث.
يضيف "من بين المعدمين علا صوت هجّاء العامّية أحمد فؤاد نجم؛ ليسب آباء وأمهات كل الذين أهانوا مصر وباعوها، وينفجر غاضبًا ضد كل اللصوص: يعيش التنابلة في حي الزمالك، وحي الزمالك مسالك مسالك، تلك القصيده تحديدًا أدخلت نجم السجن، وكان الضابط الذي حصل على نسخة ورقية منها مكتوبة بخط نجم، المقدم حسن أبو باشا، الذي ترقى نظير جهوده فيما بعد وزيرًا للداخلية"، بحسب الكتاب.
الفنان خالد الصاوي الذي أدى دور شخصية أحمد فؤاد نجم في فيلم "الفاجومي"، وصديقه الشاعر زين العابدين فؤاد، أول من كتبا من مشاهير الفن والأدب عن الذكرى الأولى لرحيل شاعر العامية المصرية وذلك على صفحتيهما الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فبينما عبّر الأول عن اشتياقه للراحل، نشر الأخير عدة صور جمعته بنجم في مراحل حياتهما المختلفة.
بعض مستخدموا شبكات التواصل من محبي الشاعر الراحل لم يجدوا ما يكتبوه عنه في ذكرى رحيله الأولى إلا بعض من كلمات أشعاره التي رأوا أنها أفضل ما يكتب عنه الآن.
وكان رجل الأعمال نجيب ساويرس قد أعلن عن تنظيم مسابقة قيمتها 100 ألف جنيه باسم الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، يتم منحها سنويًّا لأفضل شاعر، خلال الاحتفال بذكرى يوم الأربعين لرحيل الشاعر، والذي أقامته دار الأوبرا وسط حضور عدد كبير من الشخصيات السياسية، في مقدمتهم مؤسس "التيار الشعبي" والمرشح السابق للرئاسة، حمدين صباحي، كما حضر الاحتفالية كل من الدكتور أحمد مجاهد ورئيس دار الأوبرا المصرية، الدكتورة إيناس عبدالدايم.
أرسل تعليقك