في قسم الكتب والمخطوطات في دار «سوذبي» للمزادات، يقبع كنز نادر يحمل معنى خاصًا وروحانية، إلى جانب القيمة التاريخية التي لا جدل فيها، هي مجموعة كاملة لخطط المعماري فهمي مؤمن بيه الذي كلّف عمل التصميمات المعمارية للتوسعة السعودية الأولى للحرم النبوي في المدينة.
ويضم الأرشيف الضخم الذي يعرض للبيع للمرة الأولى، ليس عبر المزاد وإنما بالتواصل المباشر مع الدار، عددًا هائلاً من الرسومات الهندسية والتصميمات لكل تفاصيل البناء في الحرم النبوي ، كما يضمّ أيضًا 216 صورة فوتوغرافية تؤرخ لعمليات التوسعة التي أطلقها الملك عبد العزيز آل سعود في العام 1951.
ولاستكشاف بعض التفاصيل، تحدثنا مع رئيس قسم المخطوطات ريتشارد فاتوريني ، الذي تحدث عن الأرشيف وصاحبه وظروف عرضه للبيع الخاص في «سوذبي»، أكد فاتوريني، إنّ الأرشيف يحمل أهمية تاريخية، كونه يخصّ المعماري الذي رسم التصميمات المعمارية للتوسعة السعودية الأولى، مشيرًا إلى أهمية الحرم النبوي بصفته نواة للمعمار الإسلامي.
ويشير فاتوريني إلى أنّ رسومات المعماري فهمي مؤمن بيه راعت الحفاظ على العمارة العثمانية الموجودة؛ «حرصًا على استمرارية روح المعمار وسماته من المسجد القديم إلى التوسعة».
وردًا على تساؤل بشأن مكونات الأرشيف، أوضح فاتوريني: «يمكنك تخيل حجم الأرشيف إذا ما قارنته بمكتبة متكاملة خاصة بمشروع ضخم. هناك الرسومات على الورق، وهناك اللوحات القماشية الضخمة التي رسم عليها فهمي مؤمن بالحبر تفاصيل البناء والأعمدة والقباب والأسقف».
ويشير إلى أنّ تلك اللوحات القماشية للتصاميم كانت عملية لطيها وحملها في أنحاء المشروع ثم عرضها أمام فريق العمل لمناقشة تفاصيل العمل.
اللوحات أيضًا كانت عملية لحملها خارج المدينة حيث دُشّن مصنع للموزايكو في آبار علي خارج المدينة، استقدم للعمل فيه فريق من الحرفيين في فن الرخام من إيطاليا، وبما أنهم من غير المسلمين فلم يكن بإمكانهم دخول المدينة لرؤية العمل، فكان من السهل على المهندس مؤمن حمل تلك اللوحات القماشية وعرضها على الفريق الإيطالي في مقر عملهم.
الأرشيف يضمّ 52 خطة مخطوطة بالحبر وأكثر من 200 صورة فوتوغرافية تسجل لمراحل العمل والتفاصيل الدقيقة للبناء؛ من النقوش إلى قواعد الأعمدة، والتيجان النحاسية التي تعلوها، وتفاصيل الأسقف الداخلية والأقواس.
وأضاف فاتوريني: «الأرشيف ظلّ في حوزة عائلة المعماري فهمي مؤمن بيه حتى الآن. وتواصلت عائلته معنا وأخبرونا برغبتهم في بيعه عن طريق الدار، ولكن ليس بالمزاد العام وإنما بصفة مباشرة للمشتري. يجب أن أقول إننا سعداء جدًا بأن تتاح لنا هذه الفرصة الفريدة».
صدى بيع الأرشيف لدى عملاء الدار لم يتبلور بعد، فالكتالوغ خرج للنور قبل أيام قليلة، وحسب ما يشير فاتوريني، «ربما لم يصل لكل العملاء المهتمين، وإنّ كان هناك بعض منهم أعربوا عن اهتمام مبدئي، ونتطلع إلى أنّ نعرض لهم مكوناته، كما سنعرض تصميمًا أو اثنين فقط نظرًا إلى حجمهما الضخم "من متر إلى 4 أمتار" في المعرض المُخصّص لمزاد كتب الرحلات والمخطوطات، المفتوح للجمهور ابتداء من 31 تشرين الأول/ أكتوبر المُقبل».
وبما أنّ الأرشيف يعرض للبيع خارج المزاد، فالسعر يبقى بين الدار والمشتري، ولكن كان لا بد من محاولة استشفاف قيمة ذلك الكنز التاريخي، ولكن فاتوريني يفشل المحاولة ويجيب بحنكة: «لا نفصح عن السعر. بما أنّ الأرشيف لن يباع عن طريق المزاد، نفضل أنّ نحتفظ به للمناقشة مع العملاء المهتمين بالشراء، ولكن القيمة المادية ستعكس بالتأكيد القيمة المعنوية وأهمية الأرشيف».
وحسب ما يذكر موقع «بوابة الحرمين الشريفين» الإلكتروني، فقد أصدر الملك عبدالعزيز آل سعود أوامره بإعداد ما يلزم من دراسات لبناء وتوسعة المسجد النبوي الشريف بعد أنّ بلغه أنّ «الناس يشعرون بالضيق الشديد أيام المواسم» وأنّ المسجد ضاق بالمصلين والزوار، كما بلغه أنّ بعض الأعمدة والجدران تصدّعت.
وأعلن الملك عبدالعزيز في خطاب وجّهه للمسلمين في شهر شعبان 1368 هـ العام 1948 عزمه على توسعة المسجد النبوي.
وبدأ العمل في العام 1951 واستغرق 5 سنوات، وافتتحه الملك سعود بن عبدالعزيز بعد وفاة والده في العام 1953.
وساهمت التوسعة في زيادة مساحة المسجد إلى 3 أضعاف، وأضافت مساحة جديدة تقدر بـ11 ألف متر مربع، مما رفع الطاقة الاستيعابية للمسجد إلى 28 ألف مصلّ.
كما أضيفت أجنحة جديدة إلى الشرق والغرب من المسجد الأصلي، وأقيمت مئذنتان على الطراز المملوكي.
وأقيمت التوسعة على شكل هيكل من الخرسانة المسلحة، مكون من أعمدة تحمل على رؤوسها عقودا مقوسة مغطاة بالحجر الصناعي، مزخرفة بقطع بيضاء ورمادية اللون، وتنتهي هذه العقود إلى السقف، ووضعت أسماء الصحابة بين العقود، كما كانت عليه العمارة السابقة، في دوائر مذهبة جميلة.
وصنعت رؤوس الأعمدة مكسوة بتيجان من النحاس الأصفر الذهبي، المنقوش بأنواع بديعة من الزخرفة، في مصر حيث كان مكتب مشروع التوسعة فتح لشرائها اعتمادا بـ15 ألف جنيه في أحد بنوك مصر آنذاك.
وفوق التيجان، يوجد جزء مربع مزخرف، وفوق هذا الجزء، وضعت مصابيح كهربائية، 4 من كل جانب، مصنوعة من النحاس الأصفر والزجاج المتين في شكل فخم جميل.
وأما قواعد الأعمدة، فقد كسيت بالرخام الأسمر المجزع، وجذوعها دهنت باللون الأبيض الناصع في أول بنائها، وبقيت على هذه الحالة مدة طويلة.
أرسل تعليقك