دمشق - ميس خليل
في وسط دمشق القديمة يتربع "غاليري نوى" كبيت دمشقي عريق يفوح منه عبق الشعر النغم الأصيل، ويُصر أصحابه رغم رائحة الموت التي تحيط بالمنطقة من قذائف الهاون اليومية، على الاستمرار والتحدي لإثبات أنَّ دمشق ما زالت مدينة الأصالة والشعر والنغم وليست مدينة الموت والدمار.
ويقدم "غاليري نوى" لمرتاديه وجبة دسمة من الشعر المرفق بالنغم الأصيل مع ما يطلبه الزائر من العصير والقهوة وكل ذلك بشكل مجاني فقط تشجيعًا للثقافة والفن، ولا يمكن للزائر هذا المكان البهي إلا أن تستوقفه اللوحات الزيتية التي رسمت بيد فنانين تشكيلين سوريين كبار والمنحوتات التي تحكي عن تاريخ الفن السوري الأصيل.
كما عمد أصحاب "الغاليري" أن يكون الديكور والأثاث كله مستوحى من التراث الدمشقي العتيق ليذكر كل من يرتاده بتاريخ دمشق وحضارتها، ويذكر مدير "غاليري نوى" جوزيف اليان لـ"العرب اليوم" حكاية هذا المكان العريق، فيشير إلى أنَّه تأسس عام 2008 بهدف ثقافي بحت وهو يضم اللوحات التشكيلية والتحف الفنية وكان يضم معارض فنية للرسم والتصوير.
ويشير اليان إلى أنَّ الحرب غيّرت من سياسة عمل الغاليري، فتحوَّل إلى الشعر لأنَّ أغلب الفنانين التشكيلين سافروا أو توقفوا عن العمل، لافتًا إلى أنَّ التمسك بوجود "غاليري نوى" هو إثبات وجود، موضحًا أنَّ الإقبال عليه بالنسبة للوضع الراهن والظروف المحيطة إقبال جيد جدًا، فمن الممكن أن يأتي أشخاص من أرياف بعيدة مثل صحنايا وقطنا ليثبت أنَّ الحياة موجودة خصوصًا في دمشق القديمة.
ويؤكد اليان أنَّ هدف الغاليري ليس هدفًا ربحيًا، بل هو جمع الناس وإدارة الأزمة ضمن الشروط الإنسانية مع مراعاة وضع الجميع، مشددًا على أنَّ غاليري نوى لن يغلق أبوابه مهما حصل.
ويستضيف غاليري نوى نشاطًا أسبوعيًا شعريًا تابعًا لاتحاد المبدعين العرب بعنوان "يا مال الشام" يُكرِّم الشعراء والإعلاميين والموسيقيين.
ويتحدث صاحب الملتقى الأدبي أحمد كنعان عن فكرته، قائلًا: إنَّ ملتقى "يا مال الشام" الشعري بدأ في بيروت ثم انتقل إلى دمشق عام 2013 ليعطي صورة واضحة عما يجري في دمشق للآخرين ولكن عندما أتينا فوجئنا بمتابعة جماهيرية كبيرة للملتقى وأقمنا مهرجانات شعرية دورية.
وبيَّن كنعان أنَّ الملتقى تحدٍ لمحاولة تعطيل الحياة في دمشق عبر قذائف "الهاون" ورسالتنا أنَّ دمشق تنبض بالحياة والشعر وليس صوت الرصاص الذي يعلو بالحرب وإنما صوت الشعر ونحن هنا مجتمع تحاور وكلمة ولسنا مجتمع موت.
فيما تعتبر الشاعرة ليندا إبراهيم أنَّ الملتقى فرصة للقاء المواهب من مختلف المستويات ليشيع جوًا أدبيًا طبيعيًا في دمشق تحديدًا في هذه الأوقات العصيبة ليحمل البعد الأزلي الذي يميِّز دمشق وهو فرصة لتلاقح التجارب الأدبية.
ولا يمكن لزائر الغاليري إلا أن يخرج منه محملًا بالحنين والشوق والوفاء لمكان جميل يجمع الناس على حب الكلمة الجميلة والتمسك بالحياة.
أرسل تعليقك