لا يختلف اثنان على الركود الذي تشهده الأسواق الأردنية في القطاعات المختلفة، وعزوف المواطنين عن الشراء، إذ بات تأمين لقمة العيش الهم الأولى في ظل تراجع القدرة الشرائية لدى المواطن الذي لم يعد قادرًا على تحمّل أعباء إضافية، لا سيما في ظل ارتفاع الأسعار وجمود الرواتب.
واعتبر وزير المال الأردني السابق محمد أبو حمور، أن "الزيادة في الأسعار من حيث المبدأ هي ظاهرة طبيعية تشهدها البشرية في مختلف المناطق والأزمان"، وعزا ارتفاع سعر أي سلعة إلى أسباب كثيرة، من أهمّها ازدياد تكاليف مدخلات الإنتاج والتشغيل والنقل، وربما تعود إلى عوامل خارجية مثل الاحتكارات وعدم كفاءة الأسواق، أو لاضطرابات سياسية واجتماعية. ورأى أيضًا أن «ارتفاع الأسعار يرتبط بعدم التوازن بين العرض والطلب»، قائلًا: «لا تكمن المشكلة في صعود الأسعار تحديدًا بل بتآكل مداخيل المواطنين نتيجة ذلك، التي تبقى ثابتة».
وبشأن الوضع الاقتصادي في الأردن، لاحظ أبو حمور، «تسجيل زيادة لافتة في الأسعار بداية هذا العام كما هو الحال في أعوام سابقة، ما راكم الآثار السلبية لعوامل أخرى كثيرة». وردّ هذا الارتفاع في شكل أساس إلى «فرض الحكومة ضرائب ورسوم على عدد من السلع وإلغاء الإعفاءات التي كانت تمنح لسلع أخرى، إذ شملت هذه الزيادة قطاعات اقتصادية كثيرة، وذلك بسبب صعود أسعار المشتقات النفطية، التي تشكل جزءً من كلفة إنتاج سلع كثيرة وارتباطها أيضًا بالنقل، الذي زادت أسعاره في الثلث الأول أكثر من 15 في المئة». ولم يغفل أيضًا ونتيجة الظروف الإقليمية التي استقبل الأردن بعدها 1.4 مليون لاجئ، «ارتفاع أسعار المساكن في شكل ملحوظ وهو استمرار لما شهده الأردن من زيادات متوالية في أسعار المساكن والأراضي، بفعل موجات اللجوء منذ بدايات العقد الأخير من القرن الماضي».
واعتبر أبو حمور أن تدفق اللاجئين «زاد الضغط على الموارد المحدودة أصلًا، وأثر على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، ورفع التنافس على فرص العمل الشحيحة، وأفضى كل ذلك إلى تراجع مستوى معيشة المواطنين». وذكر أن «الظروف الإقليمية وبعض السياسات الحكومية ساهمت في تردي نسب النمو الاقتصادي، والتي كانت أقل من نسبة النمو الطبيعي في عدد السكان، الذي ارتفع في شكل غير طبيعي، ما يعني تدني حصة الفرد من الناتج المحلي». ورأى أن كل ذلك «أدى إلى تردي الأوضاع المعيشية وتفشي الفقر والبطالة على نطاق أوسع من السابق».
ولم يخف أبو حمور، «الظروف الاستثنائية والخارجة عن الإرادة والتي لا بد من التأقلم معها، لكن أيضًا يمكن اتباع سياسات لتخفيف وطأة هذه الظروف، معلنًا أن مستوى معيشة المواطن «تراجع في الأعوام الخمسة الأخيرة بنسبة لا تقل عن 20 في المئة، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي وبلوغه مستويات تقل عن معدلات النمو السكاني مع الأخذ في الاعتبار اللجوء السوري، ونتيجة ارتفاع معدلات التضخم بسبب السياسات والإجراءات الحكومية وأسعار المشتقات النفطية، وقد أدى ذلك إلى وصول عمّان كأغلى عاصمة عربية بمستوى الأسعار».
وطالب أبو حمور بـ «إعداد دراسات لدى اتخاذ أي قرارات أو سياسات حكومية مستقبلية تجيب عن الأسئلة السابقة وتوضح تأثير تلك السياسات على الاستثمار ومستوى معيشة المواطن والنمو، وذلك على الآماد القصيرة والمتوسطة والبعيدة».
ومن جانبه، وصف الخبير الاقتصادي سلامة الدرعاوي، مستويات الأسعار في الأردن بـ «المرتفعة جدًا»، مقارنة بمستويات الدخل التي لم ترتفع منذ عام 2008». ولاحظ أن «مستوى المعيشة في الأردن مقارنة بالجوار هو الأعلى، فضلًا عن استمرار الزيادة في التضخم الذي زاد بنسبة 3.3 في المئة في النصف الأول من السنة»، مشيرًا إلى «استياء في الشارع من ارتفاع تكاليف المعيشة».
وأفاد الدرعاوي بأن معدلات البطالة «في ارتفاع كبير، إذ سجلت مستوياتها رقمًا قياسيًا هو الأعلى منذ 15 عامًا، ما يدل على ضعف النمو الاقتصادي الذي لم يتجاوز 2 في المئة في الأعوام الخمسة الماضية». ورأى أن ذلك «مؤشرًا إلى الظروف الصعبة التي يشهدها الاقتصاد"، قائلًا «لو كانت رفع الأسعار يساهم في الحد من المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الدولة، لكانت الحكومات السابقة حلت المشكلة منذ زمن بعيد»، لافتًا إلى أن كل الحكومات «زادت الأسعار وبقيت المشكلة لا بل تفاقمت». واعتبر أن في حال «لم تحقق أي إجراءات اقتصادية نموًا مستدامًا ولم تحفز الاقتصاد وتحريك عجلة النمو، سيكون لها آثار سلبية في الاقتصاد الوطني على المديين المتوسط والبعيد، لجهة تراجع الإيرادات ونمو العجز».
وفيما يتعلق بالإجراءات التي ستُتخذ العام المقبل والقاضية بتحصيل إيرادات صافية بقيمة 520 مليون دينار، قال الدرعاوي «ما يقلق هو تكرار مشهد هذا العام، إذ اتخذت الحكومة خلاله إجراءات مالية لتحصيل إيراد إضافي قيمته 450 مليون دينار، وكانت النتيجة مزيدًا من الركود في القطاعات المختلفة وتراجع النمو».
ودعا الدرعاوي الحكومة إلى «العمل على تعزيز ثقة المستهلك في الاقتصاد كي يتسنى للأردنيين الاستثمار وضخ الأموال في الســـوق المحلية»، مؤكدًا ضرورة أن «تضبط الحكومة نفقاتها في شكل حقيقي خصوصًا في ما يتعلق ببند النفقات الرأسمالية التي يذهب مخصصات كثيرة منها على نفقات تشغيلية لا تحقق أي قيمة مضافة على الاقتصاد الوطني، لجهة تشغيل الأردنيين واســـتخدام مدخلات إنتاج محلية وزيارة الصادرات وجذب عملة صعبة وإدخال تكنولوجيا جديدة في المشاريع الرأسمالية"، مشددًا على ضرورة «تعزيز الدبلوماسية للحصول على التعهدات التي وعدت بها الدول المانحة، لدعم صمود الدول المضيفة للاجئين خصوصًا الأردن».
أما نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق، فاعتبر أن الأسعار في قطاع المواد الغذائية «مناسبة ولا تشهد زيادة، بل على العكس تسجل تراجعًا"، لافتًا إلى أن الأسعار خلال هذا العام «كانت الأدنى خلال الأعوام الستة الماضية، وأعلن أن اللجوء السوري «ساهم في ارتفاع الإيجارات والأقساط المدرسية والعلاجات الصحية، فضلًا عن ازدياد تعرفات الكهرباء والمياه وكلفة المواصلات والمحروقات، ولم يقابل هذه الزيادات رفعًا للرواتب، ما أضعف القدرة الشرائية والإقبال على شراء المواد الغذائية، نظرًا إلى الأولويات في حياة المواطن».
وشدد توفيق على أن الادعاء بوجود زيادة في أسعار المواد الغذائية هو «تشخيص خاطئ، إذ تعمل الحكومات بمعظمها على تضليل الناس وتعليق أخطائها وسياساتها الفاشلة على شماعة القطاع الخاص، ومنها قطاع المواد الغذائية"، قائلًا: «ينسى المواطن القرارات التي تتخذها الحكومة وتساهم في رفع أسعار الخدمات الحياتية، مثل زيادة الضرائب على الخدمات وأسعار المحروقات بحسب التسعيرة الشهرية».
ولم يغفل توفيق «الخسائر كبيرة التي تكبّدها التجار فضلًا عن إقفال عدد كبير من المصانع، وازدياد عدد الشيكات المرتجعة لعدم وجود سيولة لدى التجار»، عازيًا ذلك إلى «القرارات العشوائية الخاطئة التي تتخذها الحكومة بين الحين والآخر، وتساهم في رفع الأسعار من دون ذنب للتجار»، وأكد أن قطاع المواد الغذائية في «تراجع مستمر منذ 5 أعوام، ويُعتبر هذا العام من أسوأ الأعوام»، مشددًا على أن الأوضاع «صعبة جدًا، مع نقص في السيولة لدى التجار، وبالتالي عدم قدرتهم على سداد الالتزامات المتوجبة عليهم».
ولم يخفِ توفيق من أن الاقتصاد «سيواجه مشكلة كبيرة في حال استمر الوضع على ما هو عليه، أي من دون رفع دخل المواطن». ودعا إلى ضرورة «إيجاد سبيل إلى زيادة دخل العاملين والمتقاعدين في أسرع وقت»، لافتًا إلى أن عام 2018 «سيشهد حزمة جديدة من الزيادات بالتنسيق مع البنك الدولي».
وعلى سياق متصل، أعلن أبو عادل "تاجر"، وجود «ركود في الحركة التجارية وعزوف المواطنين عن الشراء إلا لما هو ضروري جدًا». وعزا سبب ذلك الى «تدهور الوضع المادي للمواطنين نتيجة كثرة الالتزامات الشهرية خصوصًا أن لدى غالبية المواطنين «قروضًا».
ورأى محمد عقلة، أن «هناك فرقًا بين الفقر والجوع»، معتبرًا الحكومة الأردنية أنها «حكومة تجويع بسبب القرارات العشوائية التي تتخذها والتي لا تساهم إلا بتدهور الأوضاع الاقتصادية وسوء معيشة المواطن"، فيما قال عبدالله عماد، أب لثلاثة أبناء ولا يتجاوز راتبه 450 دينارًا، إن «الجامعات والمدارس تشكل عبئًا إضافيًا كبيرًا على الأهالي/ في ظل ارتفاع رسوم الدراسة في الجامعات». وأشار إلى أن الحكومة «لا تشعر مع المواطن إلى جانب فاتورة الكهرباء التي تعتبر همًا كبيرًا أيضًا، خصوصًا أن فصل الشتاء يساهم في رفع استهلاك الكهرباء».
أما فيصل وهو شاب في الثالثة والثلاثين من عمره، لم يستطع الزواج حتى اليوم بسبب عدم قدرته على تأمين مسكن سواء بشرائه أو باستئجاره، وهو يعيش مع والديه وأخوته الثلاثة في منزل واحد، وهم يصغرونه سنًا، لذلك يشعر مروان باكتئاب مستمر، مشيرًا إلى أنه يعمل صباحًا ومساء كي يستطيع تأمين مصاريفه ومساعدة أهله.
أرسل تعليقك