اخيرا حظي العراق برئيس وزراء جديد وهو رئيس جهاز المخابرات السابق مصطفى الكاظمي الذي انطلق الان لقيادة البلاد عبر أزمة اقتصادية ناجمة عن انهيار أسعار النفط، وازمة صحية في مواجهة تفشي فايروس كورونا، فضلا عن ازمة أمنية محتملة متعلقة بعودة تهديدات تنظيم داعش.
ولكن جذور جميع هذه الازمات هي بالواقع سياسية. عبر السنتين الماضيتين، اصبحت النخبة الحاكمة اقل قدرة على الاستجابة لاحتياجات مواطنيها. وبينما كان المحتجون في ساحات الاعتصام في بغداد وبقية المحافظات الجنوبية مستمرين بالدعوة الى ثورة، كانت النخب السياسية منشغلة بالتناحر فيما بينها لمحاولة السيطرة على وزارات وما بقي من خزانة الدولة .
رغم هذا المضمون الكارثي، فان رئيس الوزراء الجديد ليس بشخص ثوري سيصلح النظام باكمله، ولكن بدلا من ذلك، انه يسعى الى زيادة الاصلاح من خلال العمل ضمن النظام الموجود. رؤيته هي خوض الطريق الصعب ما بين المواطنين والنخب، وما بين التشظي السياسي بين النخب نفسها، وذلك من خلال تفعيل توازن جديد ما بين الاصلاح والوضع الراهن.
الكاظمي هو ليس رئيس الوزراء الجديد الاول الذي يأتي باصلاح موعود كاسح. ولكن ايامه الاولى كرئيس للوزراء تعطي تلميحات الى التحديات التي سيواجهها، وفرصه في التغلب عليها .
كانت بواكير ستراتيجية رئيس الوزراء هي اقناع المحتجين بأنه يمثل صوتهم. خلال السنة الماضية فقدت حكومة العراق اغلب شرعيتها، وذلك بفقدانها المصداقية في التحدث بالنيابة عن ناخبيها أو قدرتها على منحهم مكافآت اقتصادية مثل فرص تعيين ولكنها بدلا من ذلك لجأت الى العنف لقمع تظاهرات. اكثر من 600 متظاهر قُتل منذ بدء الاحتجاجات في تشرين الاول 2019 مع جرح عشرات آلاف آخرين .
وفي التفاتة اخرى تحرك سريعا بترقية الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، الذي كان ابعاده من منصبه في جهاز مكافحة الارهاب في اواخر ايلول عام 2019 منطلقا لشرارة ساعدت بتوسعة الاحتجاجات الشعبية. وعندما قامت مجاميع مسلحة بقتل محتج في البصرة خلال الاسبوع الاول من تولي الكاظمي لمنصبه، قام باصدار بيان يطالب فيه باجراء تحقيق في كل عمليات قتل واعتقالات المحتجين، وقال انه سيشكل لجنة للتحقيق باحداث قتل المتظاهرين .
ولكن هل بامكان الكاظمي ان يستثمر هذه الاجراءات الرمزية التي اتخذها لتحقيق تغيير مهم؟ المفتاح الاول يأتي من محاولته لتشكيل كابينته الوزارية. انه يريد من حكومته ان تعكس الاحتجاجات الشعبية ومطالب الشعب بشكل عام اكثر مما هي تعكس الاحزاب السياسية. منظومة العراق السياسية مستندة على المحسوبية، حيث تعتمد الاحزاب السياسية على سيطرتها على الوزارات لضمان منافع اقتصادية وسلطة .
رغم تمكن الكاظمي من اشغال 15 منصبا وزاريا في كابينته من مجموع 22 فانه نجح بضمان اشغال وزارتين امنيتين مهمتين وهي الدفاع والداخلية، حيث اختار لهما وزيران كفوءان معروفان بانضباطهما وانهما ليس لديهما صراعات سياسية. الداخلية لم تعد تدار من قبل وزير من منظمة بدر. بدلا من ذلك فانها تدار من قبل جنرال عسكري متمرس عثمان الغانمي، سيتولى الغانمي مسؤولية الاشراف على التحقيق في المجاميع ضمن الوزارة التي تورطت بمهاجمة المحتجين، والتي ستضع تعهده بتحقيق العدالة الشاملة على المحك .
الكاظمي ليس لديه اصدقاء في كابينته. انه سيحاول تكوين تحالفات في محاولته لتحقيق مزيد من التغيير .
عبر السنوات القليلة الماضية، تميزت الحكومات العراقية بالوزراء التكنوقراط. وفي ردهما على احتجاجات عام 2015 و 2016، حاول كل من رئيس الوزراء حيدر العبادي وعادل عبد المهدي كسب ثقة الشعب من خلال تعيين وزراء غير سياسيين وتكنوقراط، بايهامهم بتحقيق تغيير. في تلك الفترة اصبحت سلطة الطبقة الدنيا من المسؤولين في الوزارات من مدراء ومدراء عامين، اعلى من سلطة الوزراء، وغالبا ما يتدخلون في قرارات الوزراء السياسية .
ولكن على العكس من ذلك فان حكومة الكاظمي مستندة على خلفيات متباينة، تتراوح من تكنوقراط مستقلين لديهم تفاهمات واسعة مع احزاب، الى موظفين مدنيين سابقين لديهم سنوات من خدمة كوكلاء في نظام الاحزاب الحاكمة. هؤلاء الوزراء توصلوا اصلا، وبمديات متفاوتة، الى تفاهمات مع الاحزاب التي يمثلوها لضمان المحافظة على جانب المحسوبية. على الرغم من ان الكاظمي هو ضد الفساد المرافق لهذا النمط من نظام سياسي، فهي اللعبة التي سيخوضها ليصبح رئيس وزراء ويدفع نحو ستراتيجيته الاصلاحية .
هذه الستراتيجية ستكون بمثابة مفتاحه لكسب ثقة الشعب. ولتحقيق ذلك فان فريقه يستعد للتركيز على اصلاح انتخابي واصلاح قانون الاحزاب السياسية وانتخابات مبكرة.
من جانب آخر سيخوض الكاظمي ايضا حوارا ستراتيجيا مع الولايات المتحدة، وبالاخص حول قضايا امنية، يرجع بها الثقة التي فقدت عقب حالات فشل شهدتها الحكومة السابقة التي ترأسها عادل عبد المهدي .
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
رئيس الحكومية العراقية يؤكّد أن السيادة منقوصة منذ 17 عامًا
رئيس الحكومة العراقية يوجه بالكشف عن مصير المخطوفين والمغيبين
أرسل تعليقك