كثيرة هي القصص المؤلمة التي تدور في فلك قطاع غزة المحاصر والمدمر والمسلوب، ففي كل حارة وأزقة وشبر فيه حكاية تختبئ خلف جدران المنازل أو بين ثنايا بيوت يعتريها الفقر، وكأنه مكتوب على هذا الشريط الساحلي الويلات والمعاناة ولم يكتب له الفرح.
بالأمس القريب ودعت غزة ابنها الصحفي محمد داوود في تركيا الذي توفى أثر سكتة قلبية مفاجئة في إسطنبول، واليوم شاب عشريني من غزة أيضاً توفى جراء حادث سير في اليونان، وقبل نحو شهرين تامر السلطان وقبله الشاب صالح حمد الذي غرق في نهر البوسنة والهرسك بحثاً عن الحياة وعن الكرامة التي افتقدها في موطنه "غزة".
لكن اليوم حكايتنا عن الشاب محمد الريزي (31 عاماً) شهيد لقمة العيش، الذي ترك غزة أواخر عام 2016، وذهب إلى الشق الآخر من الوطن لعل وعسى يساعده أبناء جلدته على حقه المسلوب منذ عام 2008.
محمد الريزي موظف لدى السلطة الفلسطينية ضمن ملف "تفريغات 2005" قطع راتبه بتقرير كيدي لم يرحمه ولم يرحم لقمة عيش أطفاله عام 2008، لتنتهي حياته في العام 2019 في مدينة رام الله.
يروي والده الحاج "أبو محمد الريزي" القصة لمراسل "الجديد الفلسطيني" منذ البداية قائلاً: محمد متزوج ولديه ثلاثة أطفال (خليل ابن التسعة أعوام وتالا 5 أعوام وأصغرهم أمير عامين)، موظف سلطة تفريغات 2005، قطع راتبه بتقرير كيدي عام 2008، ومنذ هذا العام ولم يرتاح محمد البتة".
ويضيف الوالد: "ذهب إلى جميع المسؤولين في غزة طرق كل الأبواب لم أحد يتطلع إليه، قرر الإضراب عن الطعام، وخرج محتجاً لمدة عشرين يوماً بالجندي المجهول وسط غزة، ونام هناك مفترشاً الأرض لكن لا أحد يجيب"
ويكمل الوالد المكلوم: "ضاقت به الحال وطرد من البيت المستأجر ونام في الشوارع هو وأطفاله، إلا أن فكرنا بأن يذهب إلى رام الله ويعرض مشكلته هناك، وفعلا سافر إلى رام الله عن طريق مصر فالأردن ثم إلى رام الله أواخر عام 2016".
محمد افتكر أن هذا الأمر بداية الطريق له لحل مشكلته، فذهب هنا وهناك طرق باب هذا المسؤول وذاك، قدم أوراقه التي تدين التقرير المسموم الذي كتب ضده وقطع رزقه، لكن : يستدرك والده "لم ينظر إليه أحد وبقى عاماً كاملاً دون جدوى".
قرر أبو خليل "محمد الريزي" أن يشتري بمساعدة والده واخوانه سيارة "فورد" لتكون لقمة عيشه وعمله بعد أن فقد الأمل، وفعلاً اشترى السيارة بشكل قانوني وقدم للرخصة وكل أموره قانونية وبدأ العمل على خط (رام الله-قلنديا)، يقول الوالد.
وتابع: "في 20 أكتوبر الماضي كان يقف ليحمل الركاب وإذا بسائقين يريدون أخذ الركاب منه، وسياراتهم غير قانونية، إلا أن محمد أغلق سيارته وأوصل ما لديه من الركاب إلى طريق قلنديا وهي وجهته التي يحمل بها السائقين".
ويضيف أبو محمد: "حوالي ثلاثة سائقين لحقوه على قلنديا وكان معهم سكين وآلات حادة ودبسات، بعد ما نزل محمد الركاب هرب منهم إلى رام الله، وبالقرب من مجمع فلسطين الطبي نزل من السيارة وهرب".
كانت الساعة الحادية عشر ليلاً أنذاك، يردف والده": "لحقوه اثنين وواحد من الجهة الثانية أوقفوه وقاموا بضربه بالحديد والسكين والدبسات لحد ما أغمى عليه، نقلوه إلى المستشفى وبسرعة تم تحويله إلى غرفة العناية المركزية، وبقى فيها نحو شهر".
عصر أمس السبت 23 نوفمبر أعلن مجمع فلسطين وفاة الشاب محمد، بدون أي مقدمات، لتكون فاجعة عائلته أنه بعيد عن أهله وأسرته وأطفاله، وأنه عاش مظلوماً ومات مقتولاً على حسب والده.
والده احتسب أمره إلى الله وطالب السلطة وأجهزة الشرطة في رام الله بأخذ حق ابنه وتقديم المتهمين للعدالة، مشيراً إلى أنه لم يفتح عزاء لولده إلا بعد أخذ حق ولده المغدور.
قد يهمك أيضًا
إيرانيون يُعبِّرون عن دعمهم لتظاهرات العراق المتواصلة منذ شهر ونصف الشهر
مسؤول عراقي يؤكد أنّ الأجوبة مع الولايات الأمريكية تضخمت تأثرًا بتفاعلها مع التظاهرات الأخيرة
أرسل تعليقك