الفيلسوف الفرنسي إدغار موران يُصدر كتابه فلنغيّر الطريق في عيده المائة
آخر تحديث GMT05:21:44
 العراق اليوم -

يكتب كمن يوصينا بالعودة عن الضلال والاستفادة من دروس "كورونا"

الفيلسوف الفرنسي إدغار موران يُصدر كتابه "فلنغيّر الطريق" في عيده المائة

 العراق اليوم -

 العراق اليوم - الفيلسوف الفرنسي إدغار موران يُصدر كتابه "فلنغيّر الطريق" في عيده المائة

الفرنسي الكبير إدغار موران
باريس - العراق اليوم

من الإنفلونزا الإسبانية وصولاً إلى «كورونا»، تسعة وتسعون عاماً، عاشها الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي الكبير إدغار موران. لم تكن سنوات سهلة، لكنها صنعت منه شاهداً استثنائياً على عصر، ليس ككل العصور، وأخرجت منه كائناً مفكراً سطع نجم أفكاره الخارجة من رحم نضال فكري وحياتي.وفي كتابه «فلنغيّر الطريق» الذي سطره تحت وطأة الوباء الجديد أو ما أسماه «دروس كورونا»، وهو يقارب الاحتفال ببلوغه المائة، يستعيد موران شريط حياته الشخصي، من خلال رؤيته لمسار البشرية منذ الحرب العالمية الأولى وما تركته من ويلات، وما بين الحربين الكبيرتين من فوضي واضطراب ومن ثم فظائع الحرب الثانية، وما تبعها من تيارات وإعادة نظر في تركيب العالم، ومن ثم النهوض، والازدهار، المفخخ ببذور الفشل والانهيار، وصولاً إلى اللحظة المزلزلة التي نعيشها اليوم.

فاجأ الوباء الجديد موران، لكنه كما يقول لم يباغت تفكيره الذي تعود المحن. فهو «طفل كل الأزمات»، وحكيم يعرف كيف «يتوقع غير المتوقع». موران يكتب كمن يوصينا بالعودة عن الضلال؛ لأنه يخشى من الانحدار، وقلق من اندلاع البربرية واحتمال حدوث كوارث تاريخية، يرى نذرها ماثلة أمامه. لهذا «أريد أن أوقظ الوعي، وأكرّس طاقاتي الأخيرة لهذا الكتاب».ولد ادغار موران مختنقاً بحبله السري، ونجا كأنه استفاق من الموت. ولا يزال إلى اليوم يشعر بنوبات اختناق وضيف تنفس. والدته توفيت وهو صغير ضحية الإنفلونزا الإسبانية. غفت ولم تستيقظ في محطة قطارات «سان لازار» الباريسية.

في عمر العاشرة أصبح يتيماً يعيش مع والده الذي يعاني من موجة الكساد الاقتصادي الكبير، وقد أخذت تجتاح العالم. «بين عامي 1921 - 1931 انقلبت حياتي رأساً على عقب، بسبب الإنفلونزا الإسبانية. منذ عام 1931 بدأ يتشكل ذهني من خلال المعاناة، وتحت وطأة الصدمات المتتالية الناجمة عن آثار معاهدة فرساي، التي وضعت حداً للحرب العالمية الأولى، وزرع بذور الثانية، وتأجيج الأزمات. مما تسبب في دمار سياسي واجتماعي».لا يرى موران فصلاً بين الخاص والعام، فتلك الأحداث كانت من الأهمية بحيث إنها دخلت كل بيت، ومسّت كل عائلة. «كنت في الثالثة عشرة من عمري عندما دخلت السياسة في رأسي». هتلر أصبح مستشاراً لألمانيا، فضائح فساد عارمة، تحالف الشيوعيين والاشتراكيين ضد الفاشية، مواجهات بين اليمين واليسار. دخلت الانقسامات حتى الصفوف المدرسية، وبدا العالم سائراً بقوة صوب الحرب.

«أصبح كل شيء موضع تساؤل»، يقول موران «كل شيء تحول إلى مشكلة: الديمقراطية، الرأسمالية، الفاشية، مناهضة الفاشية، الشيوعية الستالينية، مناهضة الشيوعية الستالينية (التروتسكية)، الإصلاح، الثورة، القومية، الأممية، الطريق الثالثة، الحرب والسلام، الخطأ، الصواب».الحرب الثانية جاءت نتيجة حدوث كل ما لم يكن متوقعاً. «لقد غيرتني الحرب»، يقول «كانت مقاوماً معادياً للنازية، ولم أكن أبداً معادياً لألمانيا... بينما كنت شيوعياً كنت أيضاً ناشطاً في حركة المقاومة الديجولية، وبينما كنت مرتبطاً بالحبل السري للحزب، بقيت مستقلاً». الحماسة للشيوعية انطفأت بعد حين. «انجرف ذهني تحت المسار العنيف للأحداث، واستخلصت الدرس في كتابي (النقد الذاتي) لأستعيد روحي الناقدة ويقظتي الداخلية». كل ما يعنيه اليوم من تلك الفترة هي روح المقاومة لديه، التي أدرك سريعاً أن لها وجوهاً كثيرة عليه أن يختار بينها.

انحاز إلى جانب مطلب الجزائريين في الاستقلال، ثم كان من المتحمسين لثورة الطلاب في مايو (أيار) 68. وبدأ وعيه البيئي باكراً منذ مطلع السبعينات وهو يطلع على تقرير «ميدوز» الذي جعل منه أحد رواد السياسة البيئية، يوم لم يكن هذا الموضوع يعني كثيرين. فهم أن الأمر لا يقتصر على حماية الطبيعية من حجر وشجر، وإنما أيضاً حفظ الإنسان. لكنه يستغرب في الوقت نفسه «البطء الشديد في الوعي البيئي، وعدم اكتماله بعد خمسين عاماً رغم وصول البشرية إلى حافة الكارثة».منذ ثمانينات القرن الماضي وموران يقاوم ضد بربريتين تهددان الإنسانية: البربرية القديمة الآتية من أعماق عصور الهيمنة والاستعباد والكراهية والازدراء للآخر، وما رافقها من عنصرية في الحروب في الشرق الأوسط وأفريقيا. وبربرية ثانية هي حسابات الربح والجشع التي باتت تتحكم في العالم.

وفي النصف الثاني من الكتاب الذي خصصه للفترة الراهنة يتحدث عن الأزمة العملاقة الناتجة عن الوباء، ويعتبر أنها تكشف غور أزمة النموذج الغربي أو نموذج الحداثة، الذي ولد بجميع فروعه التنظيمية، في القرن السادس عشر. وها نحن بعد أربعة قرون، نعيش مخاض ولادة نموذج جديد وتفكك القديم، في ظل الألم والفوضى، دون جهوزية كافية.ومن مفاعيل «كورونا» ودروسها، انهيار الأسطورة الغربية عن الإنسان «سيد الطبيعة ومالكها». وانتهاء القناعة بأن التقدم التكنولوجي والاقتصادي وحدهما يحققان الغايات الإنسانية. وقد تيقن البشر من أن المنافسة الحرة والنمو الاقتصادي ليسا الشرطين الرئيسيين للرفاهية الاجتماعية. ومن النتائج المفيدة زعزعة اليقينيات والعودة إلى الشك، والتفكير بأن الحياة مغامرة غير مؤكدة. أوليس ما يحدث يدفع إلى التساؤل حول جدوى الاستهلاك، ونحن نشاهد الحركات التضامنية التي عمّت العالم مع بروز الوباء، وهو ما كان عزيزاً قبله. لقد تكشفت أوضاع مأساوية في مجتمعات متحضرة. أشخاص وحيدون، أرامل، نساء مهجورات، كبار في السن متروكون، شباب معدمون، موظفون فقدوا أعمالهم، عاملون في المجال الصحي تركوا يجابهون الموت وحدهم. الوباء أثبت أكثر من أي وقت، فشل المجتمع الفرنسي، ومجتمعات غربية أخرى، مقارنة بمجتمعات آسيوية، في الشرق الأقصى مثل فيتنام وكوريا الجنوبية أو حتى شمال أفريقيا، بدت أكثر فاعلية وتكاتفاً، وتعاضداً.

ولا يفهم موران لماذا، يزدري الطب الغربي العلاجات الآسيوية مثلاً، بدلاً من أن يستفيد منها، كالوصفات الأفريقية التي استخدمت بنجاح ضد الملاريا، أو تلك التي تستخدم في مدغشقر، واعترفت بها منظمة الصحة العالمية.
إنه «ثقب أسود هائل» في الذهن الغربي، ينمّ عن خلل في أسلوب المعرفة. «فقد تمت تجزئة كل القضايا، بينما هي مجموعة عناصر، تتكامل مع بعضها بعضاً». إذ يعود موران في هذا الكتاب إلى فلسفة التعقيد والتركيب التي عرف بها. ويعيب على الغرب، تقسيمه المعارف وتشتيتها بدلاً من ربطها، وتقييده لنفسه بحتميات بينما الحياة قائمة باستمرار على حدوث غير المتوقع. ثمة اطمئنان مبالغ فيه، إلى المعرفة الحسابية، رغم أن حقائق بشرية مثل الحزن والفرح، والألم، السعادة، الكراهية، لا تخضع للدراسات الاستقصائية البيانية، كما يحتسب الناتج المحلي.

تسبب هذا التشخيص الغربي الحسابي، والتعطش المحموم للربح، إلى كوارث بشرية، تصاعدت منذ بدء الوباء ولا تزال تتعاظم.ويخصص الكتاب صفحات للسياسة النيوليبرالية التي هيمنت على معظم دول العالم ويحملها آثام الإخفاقات المتتابعة. حيث طرحت المنافسة الحرة، كحل لكل المشكلات الاجتماعية، فيما هي الطريق الأقصر لجعل التفاوت الطبقي رهيباً وظالماً، خاصة في ظروف خاصة كالوباء. كذلك كشفت «كورونا» عن مخاطر الاعتماد الكامل على المنتجات الأجنبية، من أدوية ومعدات صحية وغيرها، وترك المجتمعات الغربية عارية من احتياجاتها الأولية، حين تكون في أمس الحاجة إليها. وهو ما يطرح السؤال حول ضرورة تنظيم العولمة، لا سيما في موضوعي الصحة والغذاء، وحتى العلاقات الإنسانية والصحة النفسية، وغيرها.

ثمة فصل يحمل اسم «طريق التغيير»، يرى من خلاله أن الثورة ليست السبيل الأنجع لإرساء نظام جديد؛ لأن الثورات غالباً ما تنتج اضطهاداً بدلاً من أن تولد تحرراً. الحل هو في بلورة مشروع اجتماعي ثابت وصلب، وفتح مسارات التحول التدريجي، من خلال المثابرة والإصرار.ولموران «اقتراحات إرشادية» لإنقاذ المستقبل، من بينها «إضفاء الطابع الإنساني على المجتمع»، وإعادة إحياء السياسات الوطنية المبنية على قيم العدالة. ومن غير الوارد إيقاف قطار العولمة، لكن من الضروري عدم حصر أغراضها بالطابعين التقني الاقتصادي السائدين، دون تنمية الروابط والتعاون بين أهل الأرض.

الكتاب الصغير لموران، يرسم رؤية بانورامية شاملة لما يمكن أن تكون عليه طريق الغد، تشمل معالجته كل جانب، بما فيها الزراعة، المياه، الصناعة، السياسة، الاقتصاد، المناخ، الصحة، التعليم. وهي رؤية تعول على التكامل والتناغم والانسجام. ترى في العولمة فرصة، لابتكار إنسانية جديدة أكثر رفاهية وأقل هدراً. فالمطلوب فعلياً اليوم هو التخلي ولو جزئياً عن «اقتصاد العبث والخداع»، وخفض إنتاج المواد الغذائية المصنعة والتقليل من المنتوجات غير القابلة للتدوير، والحد من حركة السيارات. والتوقف عن التلويث وتسميم الطبيعة، والسعي من أجل حياة خضراء، بدلاً من تبرير كل الخراب الذي يرتكب باسم المكننة التي يراد لها أن تطبق على دون رحمة على الإنسان كأنه مجرد آلة.

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

إدغار موران يؤكد أن وباء "كورونا" كشف أن العولمة ترابُطٌ فاقدٌ التّضامنَ

الخارجية الأميركية تُطالب المَغرب بإطلاقِ سَراحِ الصحافي أنزولا

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيلسوف الفرنسي إدغار موران يُصدر كتابه فلنغيّر الطريق في عيده المائة الفيلسوف الفرنسي إدغار موران يُصدر كتابه فلنغيّر الطريق في عيده المائة



أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 22:51 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أمير الكويت يؤكد علي أهمية الاقتصاد وتنويع الدخل

GMT 06:43 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تعلن التحول للطاقة البديلة بحلول عام 2050

GMT 00:58 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أحدث تصميمات ديكورات حدائق المنزل العصرية

GMT 11:09 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

بريطانية منعت الماء منذ 20 عامًا عن شعرها الطويل

GMT 09:20 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

بطلة فنون قتالية تُلقّن لصًا درسًا لن ينساه في البرازيل

GMT 14:15 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

البولندي كوبيستا يعود لسباقات فورمولا-1 في 2019 من بوابة ويليامز

GMT 15:36 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

السويسري شاكيري يكشف سبب رحيله عن بايرن ميونخ

GMT 13:21 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

شاكر يؤكّد تنفيذ مصر أوّل محطة نووية في الضبعة

GMT 08:13 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إندونيسيا تعلن تحطم طائرة ركاب في بحر جاوة

GMT 02:55 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على 6 محطات مهمة فى حياة الأميرة شيوه كار

GMT 12:03 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فرحة الأبطال

GMT 07:47 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

اخطفي الأضواء هذا الموسم بظلال العيون البراقة

GMT 06:47 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

استوحي طريقة وضع مكياجك من النجمات اللبنانيات

GMT 06:23 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

نوال الزغبي تتألق بفستان فضي في أحدث حفلاتها
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq