لم يكن أحد يتصور في الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي، ومع مطلع عقد جديد ما تضمره سنة 2020.. تلك السنة التي كانت تحمل للعديد من دول العالم نهاية خطط تنموية خمسية وعشرية موضوعة، أو بداية خطط تنموية أخرى مرسومة للنهوض بالوضع الاقتصادي، لكن ما حدث خلال هذا العام غير العالم، كما لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية، ففي غضون 12 شهراً شل فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» الاقتصاد واجتاح المجتمعات وحجر نحو أربعة مليارات إنسان في منازلهم، فحصد الوباء أرواح أكثر من 1.750 مليون نسمة، وأصيب ما لا يقل عن 7280 مليوناً بالفيروس وهي حصيلة تقل عن العدد الفعلي على الأرجح، وفيما فقد أطفال أهاليهم وأجدادهم، قضى البعض وحيداً في المستشفى مع منع الزيارات بسبب خطر انتقال العدوى، لم يكن ذلك هو كل ما مر خلال 12 شهراً وغير العالم، إذ إن تأثيرات الجائحة الاقتصادية التهمت رصيد سنوات من النمو العالمي، وأدخلت العالم في أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية، وأسقطت الملايين في الفقر المدقع، وشطبت أيضاً ملايين الوظائف..
باختصار 12 شهراً مرت كما لو كانت جزءاً من فيلم روائي مأساوي.. لم يسمع فيه جمهور المشاهدين المحجورين في منازلهم سوى أصوات سيارات الإسعاف طوال الوقت حاملة المرضى لمستشفيات ميدانية أعدت خصيصاً لاستيعاب الآلاف مع تنامي الإصابات، بالإضافة إلى سيارات نقل الموتى التي حولتها بعض الدول إلى شاحنات كبيرة مبردة تقف في الشوارع والساحات مكدسة بعشرات بل ومئات الموتى الذين ينتظرون دورهم للدفن في مقابر جماعية بلا كلمة وداع من أحد.. وعلى الجانب الآخر أسر محجورة تعاني الجوع وشح المواد الغذائية، والمنع من الخروج، بينما على الجبهة الأمامية مسؤولو رعاية صحية ضغطت عليهم أعداد المرضى غير المتوقعة، ورغم قلة وسائل الحماية المتوفرة لهم، لم يتأخروا عن أداء واجبهم المهني والإنساني، وفيما كان اهتمام مسؤولي الدول الكبرى بضخ حزم تحفيز مليارية وتريليونية متوالية تستهدف انعاش الاقتصاد ومنع انهياره، كان هناك العديد من المستفيدين من الجائحة وما صنعته بالعالم.. شركات.. وأفراد.. وأخيرا ورغم ظهور العديد من اللقاحات التي طورتها شركات أدوية كبرى، لم يعد جمهور المشاهدين الذين خرجوا من الحجر قبل شهور قليلة بحثا عن لقمة العيش رغم الجائحة رافضين الإغلاق حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، مكترثين بسلالة جديدة من الفيروس أكثر خطورة من سابقتها، بل جل همهم أن ينجون من مرض يضع مصابيه أمام بوابة الجحيم، فإما دخلوها وتخلصوا من هموم الدنيا، أو اكتفوا بالمشاهدة والألم قبل أن يعودوا سالمين إلى حياهم..
هنا تقترب أيام 2020 من الانتهاء لكنها تركت ندوباً على الجميع.. هنا نتذكر معا محطات عام مؤلم للكثيرين، لكنه أصر أن يترك بعضاً من عجائبه التي زادت من ثروات البعض مليارات، ومن نقلتهم من حياة اقتصادية ضيقة، إلى أخرى لم يكن يتصورونها.. وبينما يتوقع خبراء أن يتعرض الاقتصاد العالمي لخضات جديدة فقد أعرب صندوق النقد الدولي عن قلقه من حصول ركود أسوأ من ذلك الذي تلا الأزمة المالية في 2008، إلا أن كثيرين يعتبرون أن الجائحة تحمل كارثة أكثر دمارا واستدامة.. هنا نرصد معكم محطات 2020 الاستثنائي.
ما كان أحد ليتصور حجم الكارثة عندما أعلنت السلطات الصينية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل 27 إصابة بالتهاب رئوي فيروسي في ووهان في وسط الصين، وغداة ذلك، أغلقت السلطات سوق الحيوانات الحية في ووهان للاشتباه بارتباطها بظهور الفيروس، ثم في السابع من كانون الثاني/يناير، أعلن المسؤولون الصينيون تحديد فيروس جديد سمي «2019-ان كوف، وفي الحادي عشر من الشهر نفسه أبلغت الصين عن أول وفاة في ووهان، وفي غضون أيام قليلة بدأت تسجل إصابات في آسيا وفرنسا والولايات المتحدة، وفي نهاية كانون الثاني/يناير، باشرت الدول إجلاء مواطنيها من الصين، وبدأت الحدود تغلق فيما وُضع المقيمون في ووهان في إقليم هوباي الذي يزيد عددهم على خمسين مليوناً، في الحجر الصحي، وتشهد صور التقطتها لرجل ميت على رصيف في ووهان والكمامة على فمه وكيس بلاستيكي في يده على الرعب الذي لف المدينة مع أن أي مسؤول لم يؤكد أبداً السبب المحدد لوفاته.
عندما رست سفينة «دايمند برينسيس» السياحية في اليابان مطلع شباط/فبراير تبين أن أكثر من 700 من ركابها أصيبوا بالفيروس وتوفى 13 منهم، بعدها عم الرعب العالم وبدأ السباق إلى تطوير لقاح، بينما في 11 شباط/فبراير، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن اسم الوباء هو«كوفيد-19». وبعد أربعة أيام على ذلك أعلنت فرنسا تسجيل أول وفاة خارج آسيا، وانتاب الرعب أوروبا مع تحول شمال إيطاليا إلى بؤرة للمرض في القارة القديمة.في آذار/مارس، تحدث أورلاندو جالدي رئيس بلدية فيرتوفا في منطقة لومبارديا حيث توفي 36 شخصاً في غضون 25 يوما عن اليأس الذي ينتابه بقوله:من العبث أن نرى في عام 2020 جائحة مماثلة أسوأ من الحرب، وفرضت إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا الإغلاق التام، وأعلنت منظمة الصحة العالمية كوفيد-19 جائحة، وأوصدت الولايات المتحدة حدودها المغلقة أساسا مع الصين، أمام غالبية الدول الأوروبية، وللمرة الأولى في زمن السلم أرجئت الألعاب الأولمبية.
إغلاق
في منتصف نيسان/إبريل كان 3,9 مليار شخص أي نصف البشرية يعيشون في ظل شكل من أشكال الإغلاق، من باريس إلى نيويورك مرورا بنيودلهي ولاجوس ولندن وبوينوس أيريس، لم تكن تعكر صمت الشوارع المقفرة إلا صفارات سيارات الإسعاف مذكرة بأن الموت في المرصاد. منذ عقود كان العلماء يحذرون من احتمال حصول جائحة عالمية إلا أن مخاوفهم هذه لم تلق آذاناً صاغية. ومع هذا الوباء باتت أكثر الدول ثراء عاجزة أمام هذا العدو الخفي.
ذعر المستهلكين
في الاقتصاد المعولم، أدى توقف شبكات الإمداد إلى انقضاض المستهلكين المذعورين على المتاجر الكبيرة، وظهرت جلية نتائج النقص المزمن في الاستثمار في المنشآت الصحية مع مستشفيات تكافح من أجل استمرار عمل أقسام العناية المركزة فيها التي تجاوز عدد المرضى فيها قدرتها على الاستيعاب، وراحت طواقم تعاني أصلا انخفاض الأجور، تخوض المعركة من دون وسائل الوقاية الضرورية.وفي نيويورك التي تضم أكبر عدد من أصحاب المليارات في العالم، التقطت صور لطواقم طبية يرتدي أفرادها أكياس قمامة للوقاية من الفيروس، وقد أقيم مستشفى ميداني في وسط سنترال بارك ومقابر جماعية على جزيرة هارت أيلاند قبالة حي برونكس في المدينة.وقال فيرجيليو نيتو رئيس بلدية ماناوس في البرازيل: الأمر أشبه بفيلم رعب، لا يمكننا الحديث بعد الآن عن حالة طوارئ إنها كارثة مطلقة، وتكدست الجثث في شاحنات مبردة بانتظار أن تحفر جرافات مقابر جماعية ضخمة.
وداعاً للعناق
راحت الشركات حول العالم تغلق أبوابها وكذلك المدارس والجامعات، وألغيت اللقاءات الرياضية، وباتت حركة الملاحة الجوية المدنية شبه متوقفة شاهدة على أسوأ أزمة في تاريخها، وأقفلت المتاجر والحانات والنوادي والمطاعم أبوابها، وبدأ العمل من المنزل للأشخاص القادرين على ذلك. وحلت مؤتمرات الفيديو مكان اجتماعات العمل والسفر والاحتفالات فيما عرّض الأشخاص الذين تتطلب وظيفتهم حضورهم شخصيا حياتهم أو مناصبهم للخطر، وتفاقم التفاوت الاجتماعي المسجل منذ سنوات، وبات العناق والمصافحة والقبلات مجرد ذكرى، فيما تبادل الحديث يحصل عبر الكمامات وواقيات البليكسيجلاس، وراحت الحكومات تتخبط أمام حجم الأزمة فيما الغضب يعتمل لدى الأشخاص العالقين في المدن.
الولايات المتحدة
أصبحت الولايات المتحدة التي تتمتع بأكبر اقتصاد عالمي من دون أن يؤمن ذلك تغطية صحية للجميع، سريعا أكثر الدول تضررا من الجائحة مع تسجيلها 330,279 وفاة و18,761,363 إصابة، حسب تعداد جامعة جونز هوبكنز، إلا أن الرئيس دونالد ترامب خفف بانتظام من تهديد المرض مروجا لعلاجات لم تثبت فاعليتها مثل الهيدروكسيكلوروكين ومقترحا أيضا معالجة الإصابة بماء الجافيل، بينما ضخت إدارته حزمتين لتحفيز الاقتصاد مجموعهما يقترب من 3 تريليونات دولار، خففتا من وطأة الركود وساهمتا في عودة دورة الاقتصاد للتعافي حتى لو كان بطيئا.
الأسواق العالمية
ساهمت حزم التحفيز والعديد من الإجراءات التي اتخذتها العديد من الاقتصادات الكبرةى وعلى رأسها أمريكا والصين واليابان والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأخرى، في تسجيل مؤشرات الأسهم العالمية بشكل عام لمستويات مرتفعة قياسية لم تكن متوقعة قبل ذلك وبخاصة المؤشرات الأمريكية، وفيما انتعشت أسهم شركات التكنولوجيا التي كانت الرابح الأكبر في هذه الأزمة المستمرة ليصعد أسهم بعضها 2000%، استفاد الذهب من هذه الأوضاع المقلقة وتجاوز عتبة 2000 دولار.. ووصل في بعض التداولات إلى 2300 دولار للأوقية، في اللامقابل سقط الذهب الأسود(النفط) إلى قاع لم يكن يتخيله عاقل يوما ما، ففي أوج موجة الإغلاق العالمي لمحاولة منع تفشي الفيروس مع وقف كافة الأنشطة الاقتصادية حول العالم لم يكتف النفط بالوصول إلى أن يباع مجاناً بل تعدى ذلك بأن يحصل كل من يشتري برميل نفط مجاني على 10 دولارات!!!.
حرب اللقاحات
الآن ومع اقتراب نهاية العام، بدأ أول اللقاحات يطرح في الأسواق مع أنه أتى متأخراً لانقاذ ترامب من هزيمة انتخابية في مواجهة الديمقراطي جو بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر، بينما تستعد الحكومات لتلقيح ملايين الأشخاص بدءا بالمسنين وأفراد الطواقم الطبية والفئات الضعيفة قبل أن توسع نطاق التطعيم ليشمل السكان كلهم وهو السبيل الوحيد لعودة لحياة إلى طبيعتها.في كانون الأول/ديسمبر أصبحت بريطانيا أول بلد غربي يرخص للقاح فايزر/بايونتيك وكانت قبلها روسيا والصين باشرتا حملات تطعيم بلقاح خاص بكل منهما.
وبعدها باشرت الولايات المتحدة التلقيح فيما يتوقع أن تعطي أوروبا الضوء الأخضر نهاية الشهر الحالي.ومع تهافت أكثر الدول ثراء على شراء اللقاحات يتوقع أن تشهد بداية العام 2021 منافسة دولية على اللقاحات، فستجهد الصين وروسيا للترويج للقاحهما الأفضل سعراً خصوصاً في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.ومن الصعب راهنا تقدير الأثر الدائم الذي ستتركه الجائحة على المجتمعات، فبعض الخبراء يرون أن التوصل إلى مناعة جماعية يحتاج إلى سنوات فيما يراهن آخرون على عودة الوضع إلى طبيعته في منتصف 2021.ويرى البعض أن الجائحة قد تؤدي إلى نهج أكثر مرونة بشأن العمل عن بعد أو حتى إلى نقل جزئي لسلاسل الانتاج، وفي المقابل، يرى آخرون أن الخشية من التجمعات الكبيرة ستكون له تبعات عميقة على وسائل النقل والسياحة والمناسبات الرياضية والثقافية.
الشغل الشاغل
في هذه الأوقات الصعبة، كان العمل في كل مكان حول العالم ليس فقط مرتبطاً بحماية الأرواح ومحاولة معالجة المصابين أو دفن الموتى بشكل آمن، فقد كانت دورة الحياة الاقتصادية التي سقطت في ركود كبير هي الشغل الشاغل للجميع، وهنا تدخلت المؤسسات الاقتصادية الدولية وغيرها لرصد التغيرات التي تحدث في المجتمع الاقتصادي واقتراح الحلول التي يمكن لها أن تقلل من الآثار السلبية للإغلاق وما بعده من جزئية الدورة الاقتصادية سواء العالمية أو المحلية.
صندوق النقد الدولي
تدخل صندوق النقد الدولي منذ بداية إعلان الجائحة وأصدر العديد من التقارير المتخصصة محاولاً المساهمة في تقليص حجم الخسائر العالمية، ومنع انهيار الاقتصاد العالمي بنموه الهش، وقال الصندوق في أحدث تقاريره إن هناك مؤشرات لتحقيق تعاف أسرع، بفضل مبادرات كبيرة وعاجلة وغير مسبوقة على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية والإجراءات التنظيمية، ما منع تكرار الكارثة المالية التي وقعت في الفترة 2008-2009، وتوقع انكماش الاقتصاد العالمي في 2020 بمعدل 4.4%، على أن يعاود النمو في 2021 بتسجيل 5,2%، ولكن توقعات النمو تشير إلى فجوات سلبية كبيرة في الناتج وارتفاع في معدلات البطالة عبر كل من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة.وبحسب توقعات الصندوق، فإن الاقتصادات الصاعدة والنامية ستنكمش هذا العام بنسبة 3.3% قبل أن تنمو بمعدل 6% العام المقبل، في حين تصل نسبة انكماش الاقتصادات المتقدمة 5.8% في 2020، على أن تنمو بنحو 3.9% في العام التالي.
البنك الدولي
تبنى البنك الدولي رؤية أكثر تحفظية لمستقبل الاقتصاد العالمي، بتسجيل انكماش قدره 5.2% في 2020، على الرغم من المساعدات المالية غير المسبوقة، وطرحت المؤسسة الدولية سيناريوهين للاقتصاد العالمي في 2021، الأول هو السيناريو الأساسي الذي يفترض أن الجائحة ستنحسر بدرجة تكفي للسماح برفع تدابير التخفيف المحلية وتراجع تداعيات الأزمة خلال النصف الثاني للعام الحالي، ما سيسمح للعالم بالنمو بنسبة 4.2%، أما السيناريو الثاني فينذر بانخفاض نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي إلى 1%، لكون آفاق المستقبل تتسم بدرجة عالية من عدم اليقين، ويميل ميزان المخاطر بشدة نحو تدهور الأوضاع.
معهد التمويل الدولي
كانت نظرة معهد التمويل الدولي أكثر تفاؤلاً، إذ ذهب في تقرير له إلى إصابة الاقتصاد العالمي بانكماش 2.8% خلال عام 2020، استناداً إلى افتراض تحقيق التعافي الجزئي خلال النصف الثاني من العام الراهن، وهي فرضية تخضع لمخاطر سلبية، فيما ذهبت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية«الأونكتاد» إلا أن الاقتصاد العالمي هذا العام سينكمش بأكثر من 4٪، وحتى في حالة النمو بنسبة 5٪ في 2020 -وهذا غير متوقع - سيظل الدخل أقل من 12 تريليون دولار عما كان متوقعا في عام 2019. وأضاف في تقريره أنه من الممكن للنمو العالمي الوصول إلى حوالي 4٪ في العام المقبل إذا لم يكن هناك أي صدمة أو ضغوط انكماشية أخرى.
ملايين جديدة يصيبهم الفقر المدقع
وسط تضرر الاقتصاد العالمي من الجائحة، فإن هناك العديد من القضايا الاقتصادية المفروضة على الساحة بجانب النمو، ومن أبرزها إضافة الملايين من البشر حول العالم إلى طابور الفقر المدقع. وتوقع البنك الدولي في أحدث تقاريره أن تدفع الجائحة نحو 100 مليون شخص حول العالم إلى براثن الفقر المدقع بنهاية 2020.
منظمة العمل الدولية
تقلص حجم الأعمال لا سيما في القطاعات المتضررة من أزمة كورونا، وانعكست مباشرة على فقدان الوظائف. وفق بيانات منظمة العمل الدولية، فإن تقديرات الربع الأخير من 2020 تشير إلى فقدان 4.9% من عدد ساعات العمل، بما يعادل 140 مليون وظيفة، وأكدت المنظمة أن هذا الرقم يمكن أن يزيد إلى 11.9% أو 340 مليون وظيفة، وفق تصور متشائم في ظل ما يعرف بموجة ثانية من الجائحة، كما حذرت من أن الضغط العالمي على الأجور لن يتوقف مع وصول اللقاح.وعلق جاي رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية، في تقرير الأجور العالمية قائلا: سيكون طريق العودة طويلاً وأعتقد أنه سيكون مضطرباً وصعباً.
وأكد أنه باستثناء الصين، التي كانت تتعافى بسرعة ملحوظة، سيستغرق معظم العالم وقتا طويلا للعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل الجائحة التي وجهت ضربة غير عادية لعالم العمل بين عشية وضحاها.وقد ذكر تقرير لمنظمة العمل الدولية، أن 200 مليون من الموظفين بدوام كامل فقدوا وظائفهم بسبب كورونا بعد فرض إجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي في العديد من الدول، وما حمله ذلك من تأثير على 4 من بين كل 5 من القوى العاملة في العالم.وأوضح التقرير، أن هناك عاملين في 4 قطاعات هم الأكثر تأثراً بسبب المرض وتراجع الإنتاج: قطاع الغذاء والفنادق ويعمل به 144 مليون عامل، وقطاع البيع بالجملة والتجزئة ويعمل به 582 مليوناً، وقطاع خدمات الأعمال والإدارة ويعمل به 157 مليوناً، وقطاع التصنيع وبه 463 مليون عامل.ويشير مدير منظمة العمل الدولية إلى أن جميع هذه القطاعات تشكل ما نسبته 37.5% من التوظيف العالمي، ويشعر العاملون في هذه القطاعات أكثر من غيرهم الآن بحدّة تأثير الجائحة فيهم. لكن التقرير في الوقت نفسه شدد على ضرورة حماية العاملين في القطاع الصحي والمهن الاجتماعية والذي يضم 136 مليون شخص حول العالم.
تفاقم مستويات الدَين
من جهة أخرى، تؤرق المستويات المتفاقمة للدَين والتي اشتدت وسط أزمة كورونا، المؤسسات الدولية والتي حذرت من مخاطر تداعياتها على صلابة الاقتصاد العالمي. وألقى ميتسوهيرو فوروساوا نائب مدير صندوق النقد الدولي، الضوء على تداعيات البرامج المالية الموجهة لتنشيط الاقتصاد على ارتفاع مستويات الدين في الاقتصادات الناشئة والمتقدمة على حد سواء، فيما شددت وكالة ستاندرد آند بورز في تقرير حديث لها على أنه في ظل فرضية نهوض الاقتصاد العالمي مجدداً، فإن نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي يجب أن تتراجع مجدداً إلى 256% بحلول 2023، ورجحت الوكالة العالمية أن يصل الدين العالمي إلى 200 تريليون دولار بنهاية 2020، بزيادة متوقعة 14%، ولكنها استبعدت وقوع أزمة قريبا.
انخفاض التحويلات المالية
التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون والمغتربون إلى بلدانهم أمرُ مثير للقلق بصفة خاصة. فخلال العقود المنصرمة، تزايدت أهمية الدور الذي تلعبه هذه التحويلات في تخفيف وطأة الفقر وتعزيز النمو. ففي العام الماضي فقط، كانت هذه التدفقات المالية مساويةً للاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساعدات الإنمائية الرسمية (من حكومة إلى حكومة).ولكن جائحة كورونا أحدثت انتكاسة شديدة، حيث خلصت أحدث تنبؤاتنا إلى أن التحويلات المالية ستنخفض بنسبة 14% بنهاية عام 2021، وهي نظرة مستقبلية أفضل قليلاً من التقديرات في وقت سابق خلال الجائحة، التي لا تناقض حقيقة أن هذه تراجعات غير مسبوقة. فمن المتوقع أن تشهد كل المناطق تراجع التحويلات المالية، وأن تُسجِّل أوروبا وآسيا الوسطى أكبر تراجع. ومع هذه التراجعات، من المرجح أن تهبط أعداد المهاجرين والمغتربين في عام 2020 – وذلك للمرة الأولى في التاريخ الحديث – مع انحسار أعداد المهاجرين والمغتربين الجدد وزيادة أعداد العائدين منهم.
200 تريليون دولار الديون
على الرغم من اعتقاد المحللين الاقتصاديين بأن خطط التحفيز المالي والنقدي كانت ضرورة قصوى لتجنب الدخول في كساد عظيم، إلا أن هذه الخطط أغرقت العالم بالسيولة والقروض وتضخم الدين العالمي إلى مستويات قياسية جديدة تجاوزت 277 تريليون دولار أى ما يعادل 3 مرات ونصف المرة حجم الاقتصاد العالمي الأمر الذي يزيد مخاطر عدم القدرة على السداد في أعوام الركود. وقد دعا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في إبريل إلى تعليق مدفوعات خدمة الديون المستحقة على أشد البلدان فقراً لتمكينها من التركيز على مكافحة الجائحة.وقد مكَّنت مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين هذه البلدان من توفير مليارات الدولارات من أجل استجابتها في مواجهة الجائحة. ومع ذلك، فإن مخصصات خدمة الديون للدائنين الرسميين ستُشكِّل عبئاً ثقيلاً في الأعوام القادمة، وسيلزم اتخاذ إجراءات سريعة لتخفيف الديون من أجل تفادي ضياع عِقْد آخر.
ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية
لقد أبرزت الجائحة الحاجة إلى خدمات فعالة ميسورة التكلفة للرعاية الصحية، وحتى قبل بدء الأزمة، كان الناس في البلدان النامية يدفعون أكثر من نصف تريليون دولار من مالهم الخاص ثمناً للرعاية الصحية. ويتسبب ذلك الإنفاق في مصاعب وأعباء مالية لأكثر من 900 مليون شخص، ويدفع حوالي 100 مليون شخص للسقوط في براثن الفقر المدقع سنويا، وهي دينامية من المؤكد تقريباً أنها تفاقمت بسبب الجائحة.
ارتداد خجول للنمو الأمريكي
ستكون عودة النمو إلى أكبر اقتصاد عالمي صعبة، بعكس الصين، إذ ما زالت الولايات المتحدة تعاني ارتفاعاً سريعاً في أعداد المصابين والوفيات جراء فيروس كورونا. أما رهان الخروج من الأزمتَين الصحية والاقتصادية، فيتركز على مدى نجاح وسرعة اعتماد وفعالية وتوزيع اللقاحات المكتشفة. والاقتصاد الأمريكي لن يسجل أي نسبة نمو أعلى من مستوى 3.5% قبل انقضاء الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 ولن تعود الحركة الاقتصادية الأمريكية إلى مستويات ما قبل الأزمة قبل النصف الثاني من العام ذاته، بحسب بنك «جولدمان ساكس». وهذه التوقعات مقرونة بحزم التحفيز التي أقرّتها الحكومة الأمريكية، وتحديداً المليار دولار التي وعد الرئيس المنتخب جو بايدن بالمصادقة عليها.
توقعات نمو مقلقة
تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الأمريكي سيسجّل انكماشاً بحدود 4.3% عام 2020، إلا أن رزَم التحفيز الكبيرة التي أقرّت تباعاً، أسهمت في تخفيض حدة تأثيرات الجائحة لناحية رفع مستويات البطالة ولكنها أيضاً فرضت مخاوف تضخمية قد تتبلور في مرحلة ما بعد انتهاء الموجة الثانية لتفشي الفيروس أو انتهاء الوباء. وشكلت سوق العمل في الولايات المتحدة مؤشراً واضحاً إلى ذلك، ففي يونيو الماضي، توقع الفيدرالي الأمريكي أن تتراجع نسبة البطالة إلى 9.3% بنهاية 2020 لتسجّل مع نهاية أكتوبر مستوى 6.9%، في إشارة واضحة إلى استجابة سوق العمل إيجاباً مع الرزم التحفيزية.
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
يحذر صندوق النقد الدولي من تداعيات إنسانية كارثية لتفشي فيروس كورونا على الدول التي تعاني نزاعات مسلحة وعدم استقرار سياسي وضعف في بنية الدولة والبنية التحتية كأفغانستان وجيبوتي والعراق والسودان ولبنان والصومال. فهذه الدول ترزح تحت ضعف البنية التحتية الصحية، إذ هناك 8 أطباء فقط لكل 10 آلاف شخص، كما يصعب على الحكومات تأمين أي شكل من أشكال الدعم، ما سيؤثر مباشرة في مستويات النمو التي ستهوي بمتوسط 7% خلال عام 2020. كما ستتراجع حصة الفرد من الناتج المحلي إلى 2100 دولار سنوياً، نزولاً من 2900 دولار عام 2019، ما سيؤثر مباشرة في القدرة المعيشية لمواطني هذه الدول.
العائدات السياحية
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إنه خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام تراجعت حركة السياح الأجانب إلى الدول بأكثر من النصف وتمت خسارة نحو 320 مليار دولار من العائدات السياحية، وقد تصل الخسائر الإجمالية لعام 2020 إلى أكثر من 900 مليار دولار، بحسب ما ورد بتقرير الأمم المتحدة لعام 2020.
القطاعات الاقتصادية الأكثر تضرراً
على صعيد القطاعات الأكثر تضرراً جراء انتشار الجائحة عالمياً، كان قطاع السياحة والسفر الأكثر تضرراً، حيث تشهد معدلات السياحة العالمية تراجعاً ملحوظاً عام 2020 بسبب انتشار الجائحة، ويمثل التراجع ما نسبته 1- 3%. احتل قطاع «الطيران» ثاني القطاعات الأكثر تضرراً، حيث تأثرت شركات الطيران بشكل خاص بانتشار فيروس كورونا بسبب تطبيق قيود السفر في معظم دول العالم، حيث قال الاتحاد الدولي للنقل الجوي «إياتا» إن خسائر القطاع تبلغ 419 مليار دولار حتى الآن.
الصين: كأن الجائحة لم تكن
على الرغم من انطلاق فيروس كورونا منها، ستكون الصين الدولة الوحيدة عالمياً التي ستسجل نمواً خلال عام 2020 مقدّراً عند 1.9%، فيما تغرق الدول الأخرى النامية والمتقدمة في ركود وتراجع حادَّين. وأسهم الدعم الحكومي الصيني في تحفيز النمو بحدود 1.7% خلال هذه الفترة، كما ساعد الاستثمار على دفع النمو بنسبة 2.6%، إضافة إلى أن التصدير دعم النمو بحدود 0.6%، ليكون بذلك التعافي الصيني الأنجح بكل المقاييس عالمياً.
تعافٍ سريع
تشير توقعات صندوق النقد إلى تعافٍ سريع للنمو لدى العملاق الآسيوي، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، خلال عام 2021، إذ سيعود إلى مستويات عام 2019 عند 8% وحتى 9%، كما لو أن الجائحة لم تكن ولم تطَل هذا البلد. المناعة والقدرة على مواجهة الأزمات التي يتمتع بها القطاع الصناعي الصيني ومتانة سلاسل الإنتاج وقدرتها على التوسع سريعاً، إضافة إلى الإنفاق الاستهلاكي الكبير والدعم الحكومي، كلها عوامل أسهمت في دفع النمو الاقتصادي خلال الربع الثالث من عام 2020 في البلاد، لتسجيل نمو عند حدود 4.9%، بتفوّق على النمو المسجل في الربع الثالث من عام 2019.
قطاع الفنادق والضيافة
احتل قطاع الفنادق وخدمات الضيافة ثالث القطاعات الأكثر تضرراً، ويشار إلى أن الأسعار المتعلقة بحجز الفنادق قد انخفضت بشكل كبير. ويمثل قطاع «التصدير» رابع أكبر المتضررين، حيث انخفضت صادرات الصناعات التحويلية في جميع أنحاء العالم. كما تضرر قطاع الخدمات اللوجستية بسبب انتشار الفيروس. ويعد قطاع «التجارة والخدمات» أحد أهم المتضررين نتيجة الجائحة، كما أن قطاع السيارات يعتبر أحد أبرز القطاعات المتضررة عالمياً.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
200 تريليون دولار ديون العالم في 2020 وتوقعات بعدم وقوع أزمة
أدوات جديدة لتقييم الاقتصاد العالمي في زمن "كورونا" أهمّها "السعادة"
أرسل تعليقك