المكان العُماني في شعر زاهر الغافري
آخر تحديث GMT05:21:44
 العراق اليوم -

المكان العُماني في شعر زاهر الغافري

 العراق اليوم -

 العراق اليوم - المكان العُماني في شعر زاهر الغافري

بيروت ـ وكالات

كتابة المكان في القصيدة العربية الحديثة- والأحدث- لا تعني العودة إلى جذورها الأولى التي انشغلت برسم ما أحاط بالشاعر القديم من مفردات بيئته وعناصر حياته، وإنما هي كتابة تمثل روح الشعر وجوهر طبيعته في كل زمان ومكان. والشعراء الذين تفتقد في قصائدهم رائحة المكان وتجليات ملامحه وانعكاسها على ذواتهم الإنسانية المستيقظة من جهة، وفي شعرهم من جهة أخرى، ليسوا سوى مقلدين حتى لو أوغلوا في حياة العصر وأحسنوا في توصيف مستحدثاته. فالشاعر هو ابن المكان، مكان طفولته ومراتع صباه وشبابه، أو مكان إقامته وترحاله، وما تحفل به الأمكنة من مشاهد ومعالم ورؤى وأطياف وما تزخر به من مفارقات يغتني بها الشعر. وإذا كان التواصل الحميم مع الأمكنة من طبيعة الشعر، فإنّ حساسية هذا الاتجاه في أعمال شعراء الجزيرة العربية يبدو أكثر وضوحاً منه لدى زملائهم في بقية أنحاء الوطن العربي. وفي «عُمان»، البلد الذي تسبح بعض أقدام جباله في البحر، يأخذ الشعر- الجديد منه خاصة- هذا المنحى الذي كان وما زال يمثله ببراعة الشاعر الكبير سيف الرحبي حيث يتجسد المكان في أعماله الشعرية في صور وإحالات مدهشة. ومنذ أيام وقعت في يدي المجموعة السابعة للشاعر العماني زاهر الغافري «كلما ظهر ملاك في القلعة» فأدهشني توظيفه الشعري اللاواعي لموضوعية المكان والرحيل في تفاصيله الدقيقة، من دون أن يسافر بعيداً عن عالم الشعر وأجوائه الواقعي منها والمتخيل. زاهر الغافري شاعر دائم التنقل، وهذا ما توحي به أعماله الشعرية التي تحمل نكهة الأمكنة التي أقام فيها. وإذا كان زاهر من عشاق الأسفار فمعنى ذلك أنه من عشاق الأمكنة، ويبقى المكان العماني عالقاً في ذاكرته وفي ثنايا لغته مهما أوغل في البعد عنه غرباً إلى الولايات المتحدة، وشمالاً إلى السويد بالقرب من سقف الدنيا. يكتشف قارئه أنّه شاعر مشدود إلى وطنه الأول، ولن تفاجئك صورة عُمان، في ثنايا النصوص التي تتوزعها أعماله الشعرية المتتابعة وآخرها «كلما ظهر ملاك في القلعة» (دار الانتشار العربي)، ومن النصوص الموحية بهذا المعنى: الجبال بعيدة/ وهذا الألم الطالع من الأمواج/ بلا ملوحة/ ليس خطأ بعد الآن/ أن يمرح السحرة/ فوق الغيوم/ المنازل خالية/ وكلّ وجه أصادفه صقيل/ كحجارة الوادي المغمورة/ في ضوء القمر (ص37). هذه صورة عمانية صرف ترخي بظلالها على مكان ما في ذلك البلد، وهي تجمع بين الجبال والبحر، والمنازل الخالية وحجارة الوادي وضوء القمر الذي لم تعد العيون تراه إلاّ في قرانا العتيقة والقريبة من الصحراء. وطالما كان النص الشعري لوحة أو مرآة نقرأ فيها وجه الشاعر وننصت إلى إيقاعات مشاعره فإن انخراط زاهر في عالم السفر ومغامراته في العالم الجديد بمشاكساته ومدلولاته، وما اتسم به من مغايرة وغرابة لم تفقد شعره الظلال ولا الإطلالات التي تحفظ كينونته الأولى (حنينه الدائم) المتعلق بوجوده الأول: «تمشي على حافة العالم/ لتصل إلى الوديان التي أضعتها/ في طريقك تشع الحجارة/ كذهب الذكرى/ الرحلة طويلة للغاية/ الريح تتبع تلويحة اليد/ واليأس يضيء/ عينيك الحالمتين/ بالنجوم» ( ص50). إنها صورة مكتملة مما اختزنه الشاعر عن مراحل طفولته وأوجاعه التي لا تنفك تستيقظ كلما رأت ما يغايرها أو يذكّر بها، بما في ذلك الحديث عن المرأة الأسكندنافية الباكية، من دون أن تذرف دمعة واحدة والتي نطالع وجهها الباكي في نصّ من أجمل نصوص هذه المجموعة، كما لم تنسه الإشارة إلى «ابن فضلان» الرحالة العربي الذي اقتحم أوروبا بمفرده، ورسم في رحلته كيف كان الأوروبيون يتمرغون في حالة من الفوضى والتخلّف، وإشارته هذه لا تزيد عن سطور ثلاثة: «من هنا/ مرّ ابن فضلان/ في سفن القراصنة» (ص76). وهنا يتكشّف حنين الشاعر إلى المكان الأول بطبيعته وناسه وتاريخه.  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المكان العُماني في شعر زاهر الغافري المكان العُماني في شعر زاهر الغافري



أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:21 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 07:48 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

روعة قيادة رولز رويس على الطريق لا تُضاهيها متعة شيء

GMT 17:46 2016 السبت ,22 تشرين الأول / أكتوبر

"ملوك الكاسيت" ضيوف إسعاد يونس في "صاحبة السعادة"

GMT 22:56 2018 السبت ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان محمود ياسين يغيب عن عزاء نسيبه

GMT 17:18 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

تعرف على اتيكيت حضور الحفلات الموسيقية والغنائيَّة

GMT 01:54 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تقرير جديد يكشف أن ميلانيا ترامب لم تطمح لدور السيدة الأولى

GMT 01:37 2016 الأربعاء ,15 حزيران / يونيو

ماغي بوغصن تراهن على وصول فكرة "يا ريت" للمشاهدين

GMT 04:03 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

الفيلة تدرك أن جسدها العملاق يمثل عقبة كبيرة

GMT 11:03 2014 الجمعة ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"مغارة الشموع" كهف مليء بالأسرار تحتضنه القدس
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq