بالنسبة لركاب وسائل النقل، يُعد الانتقال من وإلى العمل في وقت قصير جدا من المغريات التي لا تُقاوم.
فإذا اختفى الزحام المروري وتأخر القطارات والانتظار على الأرصفة وسط برودة الطقس، فما الذين يمكن أن نشكو منه إذن؟
وهذا هو الوضع الذي وعدت أكثر من 100 شركة بتحقيقه من خلال طائرات عمودية كهربائية تنقل الركاب وتتفادى كل أشكال الزحام، والتي تُعرف بـ "التاكسي الطائر".
ومثل الطائرة المروحية، لا تحتاج هذه الطائرات مهبطا خاصا، لكنها لن تكون مثلها تماما، إذ تعهدت تلك الشركات بألا تصدر طائرات نقل الركاب الجديدة ضوضاء مثل المروحيات، علاوة على كونها منخفضة التكلفة.
مع ذلك، يبدو أن هذا الحلم لا يزال بعيد المنال بعض الشيء، إذ يرى خبراء النقل أن خدمة "التاكسي الطائر" لن يكون لها سوق كبير إلا في ثلاثينيات القرن الحالي.
فما الذي ينتظره هذا السوق؟
ما هي المسافة التي يمكن أن يقطعها التاكسي الطائر؟
السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن أثناء الحديث عن الطائرات العمودية الكهربائية لنقل الركاب هو المسافة التي يمكن لهذا النوع من الطائرات قطعها.
وهناك أسباب وجيهة تجعل تركيز التاكسي الطائر ينصب على الرحلات القصيرة داخل وخارج المدن.
السبب الأول هو توافر أعداد كبيرة من العملاء المحتملين في المدن، أما السبب الثاني فهو أن هذا النوع من الطائرات لا يمكن أن يقطع مسافات طويلة جدا.
فأغلب هذه المركبات مزودة ببطاريات تكفي للطيران لحوالي نصف ساعة. ويمكن لطائرة عمودية كهربائية من طائرات شركة فولوكوبتر الألمانية، واحدة من أهم شركات التاكسي الطائر، أن تقطع في هذا الوقت حوالي 35 كيلو مترا بسرعة قصوى لا تتجاوز 110 كيلومترات في الساعة.
وعززت شركات أخرى المدى الذي يمكن أن يقطعه التاكسي الطائر من خلال إضافة أجنحة للطائرة الكهربائية. وعلى سبيل المثال، تمتلك شركة ليليام الألمانية للتاكسي الطائر مركبة لا يمكنها فقط الإقلاع بشكل عمودي، لكنها أيضا يمكنها أن تبسط أجنحتها وتشغل محركها لتحلق مثل الطائرات العادية. وتتوقع ليليام الألمانية أن تصل المسافة التي تقطعها طائراتها العمودية الكهربائية إلى 300 كيلو متر في الرحلة الواحدة.
وتعمل شركة فيرتيكال إيروسبايس البريطانية أيضا على تطوير طائرة عمودية كهربائية مزودة بأجنحة، والتي تأمل الشركة أن تصل المسافة التي تقطعها إلى مئة ميل.
مع ذلك، لا يزال هذا القطاع يحتاج إلى طفرة في تكنولوجيا البطاريات، الذي يتوقع أن يجعل هذه النسخ التجريبية من الطائرات العمودية الكهربائية أكثر جدوى.
من أين تحلق هذه الطائرات وأين تهبط؟
إذا كنت تخطط لإطلاق خدمة التاكسي الطائر، فعليك أن تفكر أولا في مكان مناسب لإقلاع الطائرات وهبوطها وشحن أو تغيير بطارياتها، وهو المكان الذي تطلق عليه الشركات "فيرتبورت" أو محطات ركوب التاكسي الطائر.
ويعتبر اختيار هذا المكان من أهم التحديات التي تواجه الشركات المشغلة لهذه الخدمة ذلك لأن المساحات في المدن الكبرى محدودة. وتتوافر في بعض المدن مهابط للطائرات الهليكوبتر، لكن مواقعها قد لا تكون مناسبة لنشاط التاكسي الطائر علاوة على عدم قدرتها على استيعاب الهبوط المتكرر.
وربما تكون أسطح بعض البنايات مجهزة لهبوط الهليكوبتر، لكن تكلفة استخدامها لا تزال مرتفعة جدا.
وحتى إذا تم تحديد المواقع المناسبة، تظل هناك حاجة ضرورية إلى الالتزام بقواعد التخطيط التي لم تحدد بعد.
وأهم المزايا التي يمكن التسويق بها لهذه الخدمة هي الهدوء، إذ تصدر عن التاكسي الطائر ضوضاء أقل عندما يحلق في الجو، والتي لا تتجاوز ربع الضوضاء التي تصدر عن تحليق الطائرة الهليكوبتر العادية، وفقا لمايكل كيرفينكا المسؤول التنفيذي في شركة فيرتيكال إيروسبايس البريطانية.
وأضاف أن الطائرة عندما تتحرك إلى الأمام لا يسمع راكبوها "أية ضوضاء على الإطلاق".
وتُعد هذه الميزة من الأمور التي تبدد مخاوف المقيمين بالقرب من محطات ركوب التاكسي الطائر، لكن لك أن تتخيل أنه لا يزال هناك من يعترض على فكرة استخدام التاكس الطائر من الأساس.
كما أن حادث واحد للتاكسي الطائر كفيل بإثارة موجة من المعارضة على نطاق واسع لوجود مناطق لهبوط هذه الطائرات في المناطق المزدحمة بالسكان.
هل هي آمنة؟
تسعى الجهات المعنية بالطيران في أوروبا والولايات المتحدة إلى وضع المعايير التي تريد أن يلتزم بها مشغلو خدمات التاكسي الطائر.
وبمجرد الاتفاق على تلك المعايير، تدخل الطائرات العمودية الكهربائية مرحلة من الاختبارات التي قد تمتد لسنوات قبل أن تتمكن من الالتزام بها، وهي عملية قد تتكلف ملايين الجنيهات.
وقال داريل سوانسون، الذي يدير شركته الخاصة في الاستشارات المتخصصة في هذا القطاع: "أغلب مصنعي الطائرات العمودية الكهربائية الذين تحدثت معهم يسعون إلى الحصول على شهادات رسمية بحلول عام 2023."
ويرى هؤلاء المصنعون أن الطائرات الكهربائية أبسط من الهليكوبتر وطائرات الركاب التقليدية، مما يقلل نسبة وقوع أخطاء ميكانيكية.
وقال ستيف رايت، خبير الطيران بجامعة ويست إنجلاند: "لا نحتاج إلى صناديق تروس كبيرة وأشياء من هذا القبيل."
كما توفر التصميمات المختلفة لهذا النوع من الطائرات أكثر من محرك في الطائرة، مما يسمح باستمرار التحليق مع تعطل أحد المحركات.
وقالت شركة أوبر، التي تمتلك مشروعا للتاكسي الطائر يحمل اسم "أوبرأير"، إن خدمات التاكسي الطائر تحتاج فقط إلى درجة أكبر من الأمان مقارنة بقيادة السيارات، ربما تصل إلى ضعف درجة الأمان في السيارات.
لكن الجمهور والجهات الرسمية المسؤولة عن الطيران يتوقعون مستوى أمان في الطائرات العمودية الكهربائية أقرب إلى ذلك الذي توفره الخطوط الجوية التقليدية.
كما يُثار تساؤل آخر عن أداء الطائرة العمودية الكهربائية أثناء موجات الطقس السيء.
غالبا ما يكون وزن هذا النوع من المركبات خفيف جدا، مما قد يجعل الطيران في الأجواء العاصفة والظروف الجوية الصعبة ينطوي على خطورة.
لك خدمة التاكسي الطائر التي قد تتعطل في الأيام التي يسودها طقس سيء لن تكون الخدمة المفضلة لدى الكثيرين حول العالم.
من يراقب هذه الطائرات؟
هناك نظم مراقبة طيران مفعلة ترصد حركة طائرات الهليكوبتر في المدن، ويقول خبراء إن هذه النظم قد تتمكن من استيعاب مئات الطائرات العمودية الكهربائية التي يتوقع أن تنتشر في سماء المدن بعد اعتماد هذا النوع من الخدمات.
كما أن هناك الكثير من المدن الكبرى التي تجري فيها بعض الأنهار، ومع عدم وجود سكان بالقرب من ضفاف تلك الأنهار، قد تكون هذه المناطق مسارات طيران مثالية للتاكسي الطائر.
لكن في حالة تطور هذا القطاع إلى سوق لشبكات النقل الجماعي، ومع تشغيل آلاف الطائرات، ينبغي في ذلك الوقت تفعيل نظم إدارة جديدة للمجال الجوي.
ويكون هذا هو الوضع عندما يحقق هذا القطاع أهدافه النهائية، وهي تشغيل طائرات بدون طيار في هذه الخدمة.
كما ينبغي أن تكون هذه الطائرات قادرة على الإحساس بما يدور حولها والتعرف على غيرها من الطائرات.
وقال داريل سوانسون: "لن تكون مفاجأة عندما نرى حوالي 5000 مركبة تحلق في سماء لندن في الأول من يناير/ كانون الثاني عام 2023."
وأضاف: "سوف يكون هناك تراكم بطيء لحركة المرور الجوي، مما يسمح لنا بإثبات أن هذه النظم تعمل بالشكل الصحيح."
ماذا عن التكلفة؟
لم يتحدد بعد نموذج العمل الذي تُشغل خدمة التاكسي الطائر وفقا له بعد، لكن يرجح أن هذه الخدمة سوف توفر مسارات جوية محددة لمسافات قصيرة من وإلى المدن.
وترى أوبرأير أن هذه الخدمات سوف تكون: "وسيلة في المتناول من وسائل النقل الجماعي، حتى أنها قد تكون أقل تكلفة من امتلاك سيارة."
رغم ذلك، سوف يكون التركيز في البداية على الفئات الأكثر ثراء من العملاء الذين يستطيعون دفع تكلفة مقابل الخدمة المميزة.
وقال ستيف رايت: "إنها نفس القصة القديمة، سوف يكون هناك من يتبنى هذه الخدمة مقابل دفع أموال طائلة".
وتوقع أن تكون تكلفة الرحلة مرتفعة حال إقلاعها من منطقة ترتفع فيها تكلفة المعيشة في مدينة لندن، أو بالقرب من مطار هيثرو، على سبيل المثال.
قد يهمك ايضا
2.1 مليون سيارة تأثرت بفضيحة انبعاثات الديزل
أرسل تعليقك