دمشق ـ سانا
في مجموعة الشاعرة نيروز جبيلي (العنف في النسيان ذاكرة) تجارب اجتماعية وعاطفية صاغتها الشاعرة بأسلوب تعبيري فيه بعض الألم النفسي الذي يؤدي إلى تساؤلات ملأى باأالم والأسى معتمدة على استعارات وكنايات انقذت التعابير من المباشرة في طرح مكنونات القصيدة كما جاء في نص (العنف في النسيان ذاكرة).. لماذا تغفو رائحتك على أصابع الريح( تعذبني.. آه متلف فيك) يا من تنحت ذاكرتي كما تشاء).
ترتكز بعض قصائد المجموعة الصادرة عن دار انانا والتي تقع في تسعين صفحة من القطع المتوسط على حالات شعورية تعبر فيها عن النشوى النفسية التي يمر بها العاشق في بدايات الألق العاطفي وفي لحظات الدهشة التي تنبثق كالينبوع من روحي الحبيبين وهما يعيشان في العالم الآخر دون الالتفات حولهما في لحظات السعادة القصوى وهي ذروة الألق.. تقول في قصيدة اللقاء الأول:" أذكر أني..حينما رأيتك أول مرة..دخلت في طقس شتوى-تقمصني عاشق ما عرف منذ الأزل مثل عينيك- لبست حلما لا شطآن له..حين قرأت عينيك أول مرة-زرعت القلق في أوصالي).
وترى الشاعرة في حالاتها الإبداعية أن الحب يجب أن يكون تنقية للروح وصيانة للنفس من شوائبها العالقة ومن احتمالات تشتتها وضياعها فالحب يبعث في النفس طقوسا أخرى تجعل الإنسان يعيش حياته على غير ما اعتاد البشر فهو الخير والهداية والاقتراب من الذات اإالهية كما ورد في قصيدة رجل لا يشبه كل الرجال (غيابك نار..تحرق احتمالاتي..-وحبك منارة السفن الضائعة-قربك غيم ماطر..وبعدك طقس للتعبد-أقترب أكثر من التوحد..يا رجلا لا يشبه أحدا).
يرقى مستوى التعابير الشعورية في بعض القصائد مكونا من مفردات بسيطة شفافة تحمل في تكوينها مقومات النص الإبداعي الذي يدل على ما ذهبت إليه بغية الارتقاء بمستوى الألفاظ إلى الحب الحقيقي والسمو النفسي دون أن تكلف المتلقي عناء البحث وراء رمز أو دلالة كما هو في قصيدة لماذا أنت كثير..أعتصر من بعدك كأسا..يثملني جنونا بك..وعشقا يتشظى على ضفة بوحك).
تنفرد الشاعرة بحداثة التعابير في معظم مقدمات قصائدها حين تكونت من مفردات توصل المتلقي إلى الدهشة بأسلوب مبتكر يحمل افتتاحيات قصائد فيها إبداع وفيها حرص على عدم التقليد وعدم التكرار فأتت كل افتتاحية مختلفة عن الأخرى تقول في نص بعنوان حالة الحرف المشدد.. أعشق اسمي حين يغتسل بماء شفتيك-أعشق اسمي حين يعبر تضاريس صوتك..ويخرج جذوة).
تحمل التجربة في بعض نصوصها تشبيهات أدبية تنقل المتلقي إلى حالة أخرى غير التي في داخله عندما يفاجأ بمناخ الحالة الإبداعية والبيئة التي تنقله إليها صاحبة النص فيعيش الطقس التشكيلي الذي يتحول في الخيال بشكل سحري إلى مكون قريب من الحقيقة بكل ما يحتوي من أفق و تجليات تقول في حالة احتراق.. أوراق بعثرتها ريح من هناك..وطقس اليوم يشبهك كثيرا جلست على الكرسي الأخير في ذاك المقهى..فلم يعد من أنتظره).
تتمكن جبيلي من تحويل الأمنيات إلى كائنات أخرى تعبر بأصواتها المثلى عن رغبتها بالوجود وحضورها المبشر بالوصل إلى درجة البشارة وتحقيق اللقاء المرتقب عبر التركيب الإبداعي الذي حافظ على مستواه منذ بداية الجمل الأولى في سرد القصائد و النصوص وفي تماسك القصائد حول أفكارها ضمن الموضوع الواحد لكل قصيدة وفق تسلسل منطقي بعيدا عن الحشو والاعتماد على حروف مرهقة في تكوين الجمل كما جاء في قصيدة لا تتأخر.. يخلع الزمان المتعب ماضيه ..ويقرر أخيرا الاستحمام-تحت أمطار عينيك .. راح يغتسل-فيعلو من تحت مساماته صهيل الأمنيات).
تعتمد الشاعرة في مجموعتها على الخيال فتكون عباراتها من مفردات قريبة من كل إنسان يعيش حياته حالما بالحب والجمال لتخلق حالة حميمية بين النص و المتلقي فيعيد قراءة النصوص ويبحر في خياله مع الأفق المفتوح الذي تركته الشاعرة في نصوصها كما جاء في ليلة اخيرة للحب تقول..يتصدع المساء في زلزال الذاكرة.. وتسقط شمعتي الأخيرة في نعاس وحدها نار الجوى.. تختلج في ظمأ القلب وحدك من يتفتح في وقتي مع ورود الفجر).
غابت الموسيقا الشعرية في نصوص جبيلي تماما إلا إنها عوضت من خلال الأفق الشاسع في حنايا الروح الحالمة لتجعل المتلقي في حالة سكون أمام نصوصها دون أن يبحث عن الموسيقا وهو أمام المفاجأة المقنعة والتي تجعل حلما شفيفا يخيم على الذاكرة محولا مساحاتها إلى خيال وتقول في نص (عندما تقول أحبك أسمع صوتك الليل قريبا..متخما بحرارة الشمس بينما يداك الدافئتان..ترقصان في شعري تقول استيقظي..لنسهر فالقمر عاشق حتى الثمالة).
أرسل تعليقك