بغداد ـ العراق اليوم
تحوّل الأعمال العدائية ضدّ المصالح الأميركية في العراق نحو مناطق وسط وجنوب البلاد يؤشّر إلى اعتماد إيران لتكتيك جديد في مواجهتها غير المباشرة مع الولايات المتّحدة يقوم على خلق بيئة معادية بالكامل للأميركيين في مناطق الشيعة وتحويل تلك المناطق إلى مستنقع لقواتهم، بعد أن بات من الصعب اتخاذ مناطق السنّة منطلقا لتهديد الوجود الأميركي على الأراضي العراقية بسبب تحوّل تلك المناطق من بيئة معادية إلى بيئة صديقة له.
وبينما تتزايد الأعمال العدائية التي تنفذها الميليشيات الشيعية الموالية لإيران ضد مصالح الولايات المتحدة في وسط وجنوب العراق، يقدم الجزء الغربي من البلاد صورة مختلفة كليا عن البيئة التي تحيط الوجود الأميركي، وبعد هجمات بعبوات محلية الصنع استهدفت قوافل إمداد للقوات الأميركية جنوب البلاد وشمال بغداد، سقطت رشقة من صواريخ الكاتيوشا مساء الأربعاء في محيط سفارة الولايات المتحدة بالعاصمة العراقية، مخلفة الكثير من الرعب في صفوف السكان.
وجاء ذلك بعد أن أصاب انفجاران مركبات تحمل إمدادات لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق، وقع الأول مساء الاثنين قرب الحدود الجنوبية مع الكويت ووقع الثاني الثلاثاء شمالي العاصمة بغداد.
ولم يسفر الانفجاران اللذان جاءا إثر سلسلة هجمات مشابهة في الأسابيع الأخيرة عن خسائر في الأرواح لكنهما تسببا في وقوع أضرار مادية.
وقالت المصادر إنّ هجوما وقع الأحد، أيضا، في جنوب العراق أصاب قافلة تحمل إمدادات لقوات التحالف.
ومازال بضعة آلاف من أفراد القوات الأميركية يتمركزون في العراق ويقودون التحالف الدولي الذي تتمثل مهمته في محاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
وأصبحت تلك القوات موضع مطالبة ملحّة من قوى شيعية عراقية لإخراجها من العراق، خصوصا بعد إقدام الجيش الأميركي على قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ومرافقه رئيس أركان الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس بغارة جوية قرب مطار بغداد الدولي مطلع العام الجاري، حيث حفّزت عملية الاغتيال تلك القوى لاستصدار قرار من البرلمان العراقي يلزم حكومة بغداد بإخراج القوات الأجنبية.
غير أن ملف القوات الأجنبية الموجودة داخل الأراضي العراقية ليس موضوعا عراقيا صرفا بقدر ما هو جزء من الصراع الشرس على النفوذ في البلد بين كل من إيران والولايات المتّحدة.
وتسعى طهران لإقلاق راحة الأميركيين في العراق وصولا إلى دفع إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى سحب القوات الأميركية من البلد، بينما تتمسّك واشنطن بالحفاظ على موطئ قدم هناك حفاظا على توازن النفوذ مع إيران من جهة ومنع الأخيرة من التغوّل وتشكيل محور طويل يمتدّ من طهران إلى بيروت عبر الأراضي السورية والعراقية من جهة أخرى
ويعتزم رئيس الوزراء العراقي زيارة الولايات المتّحدة في العشرين من الشهر الحالي، وهي الزيارة التي تتوجس منها إيران وحلفاؤها في العراق وتعمل على إفشالها مخافة أن تثمر نتائج واتفاقات بين بغداد وواشنطن تتعارض مع المصلحة الإيرانية من قبيل حصول العراق على مساعدات أميركية مجزية في مقابل تعهّده بالالتزام بتطبيق العقوبات الاقتصادية الشديدة على إيران.
جنود أميركيون عزّل يشاركون في سباق رياضي بالأنبار في مشهد كان سيكون خياليا لو حدث بين سنتي 2004 و2008
وكان متوقعا أن تزداد الأعمال العدائية ضد المصالح الأميركية في العراق بشدة مع اقتراب موعد الزيارة، وهو ما حدث بالفعل مع دخول عامل جديد يتمثّل في تركيز تلك الأعمال في مناطق عراقية ليست لها سوابق كبيرة في استهداف الأميركيين.
وتستعيد المناطق الشيعية من العراق في 2020 صورة المناطق السنية في 2003، عندما كانت القوات الأميركية تتحرك وسط شوارع مليئة بالسيارات الملغمة وأعمدة الكهرباء والجثث والكلاب المفخخة، في واحدة من أسوأ فترات الوجودة الأميركي في هذه المنطقة.
ويقول مراقبون إن إيران تدفع بالمناطق الشيعية العراقية كي تكون عدائية إلى أبعد حد مع القوات الأميركية على أمل توريطها في نزاع محلي يمكن أن يكون غطاء مثاليا لتدخل خارجي على نطاق واسع بهدف تصفية حسابات. ويدرك الأميركيون أن تورطهم في أي نزاع من هذا النوع، يعني سقوطهم في مستنقع لن يخرجوا منه منتصرين.
ويتجاهل الإيرانيون، على حد وصف مراقبين، أن قوافل الإمداد التي تُستهدف حاليا جنوب العراق، لا تضم أفرادا أميركيين بل عراقيين فقط، ما يعني أن الولايات المتحدة لن تكون مضطرة للرد في حال سقوط قتلى.
وفي المقابل، تتحول المناطق السنية في العراق إلى صديقة بشكل غير مألوف للقوات الأميركية.
ونظم الجيش الأميركي سباقا رياضيا للعشرات من جنوده في منطقة قريبة من قاعدة عين الأسد في الأنبار، حيث تعسكر قوة كبيرة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وفي مشهد كان سيكون خياليا بين 2004 و2008، حيث كان العنف السني ضد الولايات المتحدة في أوج قوّته، خرج العشرات من الجنود الأميركيين بلا سلاح وهم يرتدون ملابس رياضية، ليجوبوا شوارع قريبة من قاعدة عين الأسد في ناحية البغدادي غربي الأنبار، ضمن سباق تنافسي.
وركض الجنود الأميركيون من النساء والرجال في شوارع كان زملاؤهم يتعرضون فيها سابقا لهجمات قاتلة بالعبوات الناسفة وأسلحة القنص والسيارات الملغمة.
وقال أحمد الموسوي، وهو مدون عراقي، إن مشهد الجنود الأميركيين وهم يتسابقون في شوارع الأنبار السنية، بينما تتعرض أرتالهم إلى هجمات في المناطق الشيعية، رسالة مهمة على تحول عميق، قد تكون له آثاره المستقبلية.
ويريد السنّة أن يترك لهم حق تقرير مصير القوات الأميركية في مناطقهم، وهو ما تعارضه إيران بقوة.
ويقول فارس طه، وهو نائب سابق من محافظة الأنبار إن قرار التعامل مع الوجود الأميركي في العراق يجب أن يكون عراقيا، مشيرا إلى أن الحكومات العراقية السابقة لم تنجح في حماية المناطق السنية من هيمنة الجماعات السلفية المتشددة، ما تسبب في موجات متعاقبة من التجهير والدمار والموت لسكانها.
ويقول مراقبون إن الولايات المتحدة ربما تقترح على مصطفى الكاظمي عندما يزورها المزيد من تقليص مساحات انتشار قواتها العسكرية ضمن المناطق الشيعية، والإبقاء على حجم انتشارها حاليا ضمن قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار السنية وقاعدة حرير في محافظة أربيل الكردية .