دمشق – سانا
إذا كانت هجمات باريس جعلت أصحاب الرؤوس الحامية في الغرب، وخاصة فرنسا، تنظر بشيء من الواقعية لمخاطر الاستمرار في دعم الإرهاب، فإن الإجراءات المتخذة بعد الاعتداءات لم ترتق إلى مستوى المخاطر المحدقة، ولا توحي بأن ثمة استدارة وشيكة لمن وجد في كعكة الإرهاب ضالته لسد عجوزاته عبر رفع وتيرة صفقات تصدير الأسلحة إلى المنطقة، وتأمين مصالحه لسنوات قادمة.
ذلك بدا واضحاً مما صدر من تصريحات عن معسكر داعمي الإرهاب ومموليه في اجتماع فيينا وقمة العشرين، عندما اتبعوا سياسة اللعب على الحبال بالضرب “مرة على الحافر وأخرى على المسمار”، بعبارة أخرى مواصلة السياسة نفسها مع بعض المساحيق التجميلية للإيحاء بأنهم جادون في محاربة الإرهاب لامتصاص غضب الرأي العام لديهم بعدما سالت دماء أبنائهم بيد الإرهاب التكفيري الذي دعمته حكوماتهم لأكثر من خمس سنوات من جهة، وترك المجال لفتح قنوات للحديث في السياسة في حال فرضت وقائع الميدان فشل الرهان على الأدوات في تحقيق مشروعهم الاستعماري الجديد من جهة أخرى.
ورغم تلمسنا بعض النقاط الإيجابية مما تمخض عن اجتماع فيينا، والتي توحي بأن ثمة تبدّلاً في المواقف، عندما أقر الجميع بجعل مكافحة الإرهاب أولوية في خارطة طريق تسوية الأزمة، إلا أن المواقف لا تزال على حالها لجهة التدخل السافر في شؤون سورية، حيث يريد البعض أن يقرر نيابة عن الشعب السوري في رسم مستقبل البلاد، من خلال تفصيل نظام سياسي على مقاس مصالحه، كما أن رفض دولة كفرنسا التعاون مع الحكومة والجيش السوري في محاربة داعش يقدّم صورة واضحة عما يجول في خاطر هولاند، وتعيد الضربات التي وجهها إلى التنظيم المتطرف إلى الأذهان ما قام به ملك الأردن رداً على حرق الطيار معاذ الكساسبة.. نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً، أضف إلى ذلك أن استمرار البعض الآخر في مضارب الخليج في الإعلان جهاراً عن تقديم الدعم للتنظيمات التكفيرية، يؤكد بالمجمل أن ما يخطط له الغرب في الواقع تبادل في الأدوار وليس تغيّراً في المواقف.
من هنا جاء الرد السوري حازماً على حراك هؤلاء، خلال لقاء السيد الرئيس بشار الأسد مع تلفزيون راي الإيطالي ومجلة فالور آكتويل الفرنسية، عندما أكد بأنه لن يكون من المجدي الحديث عن جدول زمني للخروج من الأزمة إلا بعد إلحاق الهزيمة بالإرهاب، وأن مستقبل سورية يحدده شعبها وفق ما تمليه صناديق الاقتراع، وفي ذلك جملة رسائل لمن يريد أن يفهم بأن أزمة سورية ليست أزمة سياسية داخلية كما يحاول الغرب تصويرها، وإنما مشكلتها في الإرهاب الذي استشرس وتغوّل بفضل السياسة الحمقاء التي اتبعوها، وباتت ارتداداته تضرب عقر دارهم، كما أن القيادة السورية لا تخشى الاحتكام لصناديق الاقتراع طالما أنها ستظهر التمثيل الشعبي الحقيقي للقوى السياسية، وفي هذا أرقى أشكال الديمقراطية التي حاول الغرب التلطي خلفها لتبرير تدخله في شؤوننا الداخلية.
كلام السيد الرئيس هذا مبني على قراءة واقعية تعكس ثقة القائد بشعبه، الذي قدّم صموداً أسطورياً في مواجهة الهجمة الشرسة، وجعلته أكثر تصميماً على الالتفاف حول قيادته السياسية في سبيل الحفاظ على الهوية واستقلالية القرار، كما أنه مبني على تحليل دقيق لتطوّرات الأحداث، وتجعل كل من راهن على إسقاط سورية يعود إليها عاجلاً أم آجلاً للتعاون معها لدرء سكاكين “داعش” عن رقاب شعبه.
باختصار، من قدّم كل هذه التضحيات في الميدان للحفاظ على مكانة سورية، لن يقدّم في السياسة ما عجز الغرب الاستعماري والرجعية العربية خلال سنوات الحرب عن الحصول عليه بقوة الإرهاب، وغالبية الشعب العربي السوري ترى في شخص الرئيس الأسد الضامن الوحيد في إيصال سورية إلى بر الأمان، وإعادة إعمارها أفضل مما كانت عليه قبل الحرب.