طهران - العراق اليوم
قالت إيران الثلاثاء، إنها اعتقلت أشخاصا تتهمهم بالضلوع في إسقاط طائرة ركاب أوكرانية كما اعتقلت 30 شخصًا في الاحتجاجات التي تجتاح البلاد منذ أن اعترف الجيش متأخرا بإسقاط الطائرة بالخطأ، في خطوة فسّرها متابعون لتطورات هذه القضية على أنها محاولة لتقديم كبش فداء لاحتواء الغضب الشعبي والإجراءات الدولية المرتقبة. وتتحمل الدولة الإيرانية المسؤولية عن اسقاط الطائرة الأوكرانية كونها سمحت باقلاعها في الفترة التي كانت تطلق فيها القوات الإيرانية موجة صواريخ أرض جوّ على قاعدتين للقوات الأميركية في العراق، ردّا على قتل واشنطن لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في بغداد.
والإعلان الإيراني هو الأحدث منذ الضجة التي أثارها التكتم الرسمي عن إسقاط الحرس الثوري الطائرة التي قتل جميع من كانوا على متنها ومعظمهم إيرانيون، بصاروخ أرض جو في الليلة التي قصفت فيها طهران القاعدتين العراقيتين في الأنبار واربيل. ويمثل إسقاط طائرة الخطوط الجوية الأوكرانية أثناء الرحلة رقم 752 الأربعاء الماضي، والذي أسفر عن مقتل 176 شخصا كانوا على متنها، أحد أكبر التحديات لرجال الدين منذ توليهم السلطة في إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979.
ذكرت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية اليوم الثلاثاء أن الحرس الثوري الإيراني احتجز الشخص الذي بث مقطعا مصورا لصاروخ ضرب الطائرة الأوكرانية في إيران الأسبوع الماضي، وقالت الوكالة دون الخوض في التفاصيل إنه سيجري الإعلان عن نتائج التحقيق. وذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية أن فريقا من الخبراء الكنديين يشارك في تحقيق يجري بشأن إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية الأسبوع الماضي زار موقع سقوط طائرة البوينغ 737، مضيفة أن زيارة الموقع جاءت بعدما التقى خبراء من إيران وكندا وأوكرانيا في طهران.
وفي خطوة من شأنها أن تزيد الضغط الدبلوماسي، فعّلت فرنسا وبريطانيا وألمانيا آلية فض النزاع المنصوص عليها في الاتفاق النووي مع إيران والذي انسحبت منه واشنطن في 2018، على ضوء انتهاكات طهران المستمرة له. ومنذ أن تصفية الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس قاسم سليماني أبرز قائد عسكري إيراني في هجوم شنته طائرة مسيرة على موكبه في بغداد، واجهت إيران تصاعدا في المواجهة مع الغرب واضطرابات في الداخل بلغا مستويات لم يسبق لها مثيل تقريبا في تاريخها الحديث.
وبعد إنكارها لأيام اعترفت إيران يوم السبت الماضي بإسقاط الطائرة ووصفت ذلك بأنه خطأ مأساوي، فيما اعتذر الرئيس الإيراني حسن روحاني لأهالي الضحايا، معبرا عن أسفه لحدوث ذلك "الخطأ". لكن اعترافاته واعتذاراته لم تنجح في إخماد احتجاجات شعبية انطلقت على اثر الحادث الذي اعتبره متظاهرون نتاج سياسات طائشة يدفع الشعب ثمنها. ومنذ ذلك الوقت ينظم متظاهرون أغلبهم من الطلاب احتجاجات يومية مرددين هتافات منها "اغربوا عن وجوهنا يا رجال الدين!"، فيما رفعت شعارات تطالب بعزل الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الذي يتولى منصبه منذ 30 عاما.
وكسر المحتجون حاجز الخوف بهتافات كسرت "قداسة" خامنئي والمؤسسة الدينية التي تحكم البلاد منذ ثورة الخميني في العام 1979. وأظهرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي تصدي الشرطة بعنف لبعض المظاهرات، فيما أظهرت لقطات تعرض المحتجين للضرب بالهراوات وجرحى يجري نقلهم وبرك دماء في الشوارع ودوي إطلاق نار. ونفت الشرطة الإيرانية إطلاق النار على المتظاهرين. وقالت الهيئة القضائية إن 30 شخصا اعتقلوا في الاضطرابات، لكنها أضافت أن السلطات ستبدي تسامحا مع "المتظاهرين بشكل قانوني".
وأظهرت مقاطع مصورة الثلاثاء تجمع متظاهرين سلميا في جامعتين بطهران، فيما هتف البعض "أين العدالة؟"، في الوقت الذي بدا فيه أنه يصعب تقييم حجم الاضطرابات بشكل عام نظرا للقيود المفروضة على التغطية الصحفية المستقلة. ووعد الرئيس حسن روحاني بإجراء تحقيق عميق بشأن إسقاط الطائرة الذي وصفه بأنه "خطأ لا يغتفر" وأدلى بحديث بثه التلفزيون الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة اعتذارات من قيادة نادرا ما تقر بأخطائها.
وقال غلام حسين إسماعيلي المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية الثلاثاء إنه جرى بالفعل اعتقال بعض من اتهموا بالاضطلاع بدور في كارثة الطائرة. ولم يحدد المشتبه بهم أو يذكر عدد المعتقلين. وأغلب الذين كانوا على متن الطائرة إيرانيون أو يحملون جنسية مزدوجة. وحددت كندا وأوكرانيا وبريطانيا ودول أخرى كان لها رعايا على متن الطائرة موعدا لعقد اجتماع يوم الخميس في لندن لبحث اتخاذ إجراء قانوني ضد إيران.
وتأتي الكارثة والاضطرابات التي تلتها وسط واحد من أكبر موجات التصعيد بين طهران وواشنطن منذ قيام الثورة الإسلامية قبل أربعة عقود والتي حولتهما إلى عدوين. وأدت صواريخ أُطلقت على قاعدة أميركية إلى مقتل متعاقد أميركي في ديسمبر/كانون الأول في هجوم ألقت واشنطن بالمسؤولية عنه على جماعة كتائب حزب الله العراقي التي تدعمها إيران. وأدت المواجهة في نهاية الأمر إلى شن الولايات المتحدة هجوما بطائرة مسيرة أفضى إلى مقتل قاسم سليماني مؤسس شبكة القوات المتحالفة مع إيران في المنطقة في ضربة بطائرة مسيرة في بغداد يوم الثالث من يناير/كانون الثاني.
وتترنح الحكومة الإيرانية بالفعل تحت وطأة عقوبات عاودت الولايات المتحدة فرضها بعد أن انسحبت واشنطن من اتفاق مع دول كبرى تعهدت طهران بموجبه بتقليص برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات. ويواجه زعماء إيران مزيجا قويا من الضغوط سواء من الداخل أو من الخارج، فقبل شهرين فقط قمعت السلطات احتجاجات مناهضة للحكومة بقتل مئات المتظاهرين في حملة صارمة على ما كانت على الأرجح أسوأ اضطرابات مناهضة للحكومة منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وفي بقية أرجاء المنطقة، حيث بسطت إيران نفوذها عن طريق شبكة من الفصائل المسلحة التي تدعمها، واجهت الحكومات التي تضم فصائل مسلحة متحالفة مع إيران مظاهرات حاشدة مستمرة منذ شهور في العراق ولبنان. وأظهرت أحدث لقطات مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي المحتجين يتجمعون مساء في طهران ومدن أخرى ويحرقون صور سليماني الرجل الذي كان يعتبر بطلا قوميا على مدى سنوات.
وقال روحاني في كلمته اليوم "اعتراف القوات المسلحة الإيرانية بخطئها خطوة أولى طيبة"، مضيفا أن إيران ستعاقب كل الضالعين في إسقاط الطائرة أن حكومته "مسؤولة أمام الشعب الإيراني والدول الأخرى التي فقدت رعايا في الحادث". وقال وزير خارجية أوكرانيا فاديم بريستايكو إن الدول الخمس التي قُتل رعايا لها في الطائرة ستجتمع في لندن يوم الخميس لبحث اتخاذ إجراء قانوني، مضيفا "سنجتمع بشكل شخصي في لندن لبحث أساليب متابعة الموقف بما في ذلك الأساليب القانونية".
وذكر التلفزيون الإيراني الرسمي أن مسؤولين بقطاع الطيران من كندا التي قتل 57 من مواطنيها في تحطم الطائرة ومن إيران وأوكرانيا اجتمعوا في طهران الثلاثاء لبحث سبل التحقيق في الكارثة.
قد يهمك ايضا
الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة تجسس تابعة للتحالف العربي في أجواء نجران
قوات سورياة الديمقراطية تعلن إسقاط طائرة تركية مسيرة في سماء بلدة المالكية بشمال شرق سورية