أنقرة ـ جلال فواز
يُعَدُّ "شارع الاستقلال" من أشهر الشوارع في مدينة اسطنبول، حيث أنه في السنوات الأخيرة كان ممتلئاً بالمتسوقين والرواد وموسيقيي الشوارع. ولكن في هذه الأيام، يُعتبر الشارع المذكور علامة من علامات التوعك الذي اصاب المدينة حيث يمكن رؤية البوابات المعدنية التي تغلق المحلات وموضوع عليها لافتات مكتوب عليها "للإيجار"، بالاضافة الى اختفاء المعارض الفنية ومحلات بيع الكتب والتي كانت من المعالم الثقافية للمدينة.
وقال محمد أمين، 44 عاماً، الذي يمتلك متجراً للأمتعة في شارع الاستقلال: "الوضع فظيع، الوضع هنا سيء منذ فترة. وكان شارع الاستقلال يعد القلب الاقتصادي للمدينة، فلسنوات كانت المتاجر تعمل بشكل جيد." ويعكس شارع الاستقلال صورة للوضع السيء في تركيا والذي حدث نتيجة للمشاكل التي تمر بها البلاد، مثل محاولة الانقلاب الفاشلة والهجمات الإرهابية المتكررة، بالاضافة الى وجود الملايين من المهاجرين الذين فروا من الحرب الأهلية في سورية على اراضيها.
وهناك أيضا تواجد مكثف للشرطة في الشارع وذلك بعد الهجوم الانتحاري الذي استهدفه في مارس/آذار الماضي وادى إلى مقتل عدة أشخاص. في حين أن الشارع لا يزال يزوره اعداد كبيرة من الناس خاصة في ليالي نهاية الأسبوع، انخفضت اعداد السائحين بشكل ملحوظ وارتفعت اعداد المتسولين والموسيقيين السوريين.
وكانت الدلائل التي تشير إلى تراجع شارع الاستقلال واضحة حتى قبل الازمة الأخيرة، حيث أن المثقفين في المدينة قد لاحظوا منذ سنوات التغيرات التي تحدث ليس للشارع ولكن لمنطقة "بايوغلو" بأكملها.
وكانت حكومة رجب طيب أردوغان قد ازالت دور سينما قديمة ومكتبات ومقاهي وحانات وقامت ببناء سلسلة متاجر ومراكز تسوق على الطراز العثماني. وقالت عضو غرفة المهندسين المعماريين في اسطنبول، موشاليا بيشي: "كل المعالم التي كانت تتميز بها بايوغلو اختفت واحدة تلو الآخرى. لقد فقدت المنطقة روحها تماماً بعد اغلاق الحانات القديمة والمكتبات والمسارح ودور السينما".
وأشارت بيشي الى أن الحكومة قامت بازالة بعض المباني التاريخية من أجل بناء اخرى جديدة، مضيفة أن الحكومة قامت باستحداث قانون من أجل السماح لهم بطرد المستأجرين التي كانت مبالغ ايجاراتهم أقل من أسعار السوق. وتم استبدال المباني القديمة بسلسلة متاجر ومطاعم للوجبات السريعة ومقاهي فاخرة ومراكز التسوق، والتي تعاني ايضاً بسبب الاضرار الاقتصادية الناجمة عن انخفاض اعداد السائحين. وأوضح عدد من النقاد أن الحكومة التي تتبع فكر اسلامي اقوم بتصعيب الأمر بالنسبة للحانات والمطاعم التي تريد أن تحصل على تراخيص الخمور.
وتُعد تركيا بلداً ملتزمًا دينيًا جداً، ولذلك فالعديد من الأتراك سعداء للغاية بسبب ازالة بعض الأماكن غير اللائقة في "بايوغلو" من قبل حكومة أردوغان. وقال رحيم اكان، الذي يدير احد اقدم المطاعم في المنطقة: "لقد كان هناك بعض الأماكن التي تثير الاشمئزاز، حيث تتواجد العاهرات بالقرب من المساجد".
في اواخر عهد الإمبراطورية العثمانية وحتى ثلاثينيات القرن الماضي، كان يمكن سماع اللغة الفرنسية في "بايوغلو"، التي كان يًطلق عليها في ذلك الوقت "باريس المصغرة"، أكثر من التركية بسبب أن المنطقة كانت موطناً للأجانب في حين أن المسلمين الأتراك كانوا أقلية هناك.