الرئيس العراقي برهم صالح

أنعش اللقاء الذي جمع، أول من أمس، الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، في منزل الأخير بمدينة الفلوجة (50 كيلومتراً غرب بغداد) ترويج مجموعات موالية لإيران معارضة لرئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي، نظريات مؤامرة لمحاولة تقويض الأخير.

 وزعمت هذه المجموعات وجود الكاظمي في اللقاء دون ظهوره في صورتين حققتا انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي؛ أولاهما للرئيس صالح وهو يخضع لإجراءات صارمة لفحص «كورونا» عند مدخل الفلوجة، والثانية جمعته مع الحلبوسي في الهواء الطلق.

ومن الفلوجة القريبة نسبياً من بغداد؛ إلى قاعدة «عين الأسد» التي تبعد نحو 160 كيلومتراً عن بغداد، اكتمل نسج خيوط نظرية المؤامرة، لكن هذه المرة ليس فقط بوجود صالح والحلبوسي والكاظمي؛ بل بمشاركة وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر.

صالح والحلبوسي نفيا أن يكون أي شيء قد حصل مثل ذلك. التحالف الدولي هو الآخر نفى أمس أن يكون إسبر زار «عين الأسد». الكاظمي اكتفى بالصمت كعادته التي استمدها من أنه رجل مخابرات يعرف كيف تنسج مثل هذه الخيوط في غرف الجيوش الإلكترونية المظلمة، كما يعرف متى يرد.

الهدف من وراء كل ذلك واضح؛ وهو محاولة منح حكومة الكاظمي المقبلة هوية معينة، وهو ما يعني محاصرته، من جهة؛ وتحذيره من قبل الجهات نفسها التي كانت ترفض تولّيه المنصب وتكيل له تهم «التآمر» وأنه أميركي الهوى؛ من جهة أخرى. قوة الكاظمي تكمن في زهده في المنصب؛ حيث عرضه عليه رئيس الجمهورية واعتذر لأنه لا يريد أن يكون سبباً في مزيد من الانشقاق داخل البيت الشيعي. كما تكمن في ضعف خصومه وتشتتهم حتى بعد إجماعهم عليه مضطرين. وبينما يبدو البيتان السني والكردي أكثر اطمئنانا لجهة التعامل مع الكاظمي حتى في حال جرى فرض شروط للمشاركة في الحكومة، فإن الأمر سيختلف كثيراً مع البيت الشيعي. فالسُنّة ليست لديهم شروط في هذه المرحلة سوى الاحتفاظ باستحقاقهم الوزاري، بالإضافة إلى عودة النازحين والمهجرين وهو ما تعهد به الكاظمي في خطاب التكليف. الأكراد سارعوا إلى الترحيب بالكاظمي بعكس سلفيه محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي. مطالب الكرد في هذه المرحلة لا تتعدى تأمين رواتب موظفي الإقليم؛ بينما يبدو ما كان مصيرياً بالنسبة لهم مثل المادة «40» الخاصة بكركوك والمناطق المتنازع عليها، قابلاً للتأجيل إلى ظروف أفضل.

قيادي كردي أبلغ «الشرق الأوسط» أنهم «داعمون للكاظمي بقوة، وقد أعلنا عن هذا الموقف بوضوح». وبشأن ما إذا كانوا بدأوا مفاوضات معه؛ يقول القيادي الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه: «لم تبدأ حتى الآن المفاوضات الرسمية بين القيادة الكردية والكاظمي أو فريقه، لكن من المتوقع أن تبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة».

فريق الكاظمي حتى الآن غامض بعكس علاوي والزرفي اللذين كان لهما فريق مساند وآخر مفاوض، ومع ذلك اعتذرا في نهاية المدة؛ ليس بسبب فشل المفاوضات، بل نتيجة لعدم توفر الإرادة السياسية للكتل للقبول بهما.

العرب السنّة يرون في الكاظمي خياراً جيداً الآن. وفي هذا السياق؛ يقول يحيى غازي، عضو البرلمان، عن محافظة الأنبار لـ«الشرق الأوسط» إن «(تحالف القوى العراقية) داعم للسيد الكاظمي؛ حيث كنا أول من أعلن دعمه له علنا وقبل تكليفه واعتذار الزرفي». وأضاف غازي أن «الكاظمي قد حصل على إجماع القوى الشيعية؛ وهو الشرط الذي كنا وضعناه على أي مكلف تشكيل الحكومة، لأن من شأن ذلك سهولة تمريره وكذلك عدم وجود عراقيل أساسية معه عبر مفاوضات تشكيل الحكومة». وحول اللقاء الذي جمع في مدينة الفلوجة رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، يقول غازي إن «اللقاء تضمن ضرورة تعاون القوى السياسية في تشكيل الحكومة الجديدة»، مبيناً أن «اللقاء أكد على أهمية أن تكون الحكومة قوية وقادرة على مواجهة التحديات؛ وفي مقدمتها الملفان الأمني والاقتصادي، فضلاً عن مواجهة الأزمة الصحية».

وهناك ميزة أخرى للكاظمي، وهي من مصادر قوته، وتتمثل في أنه باستثناء عمله الذي يبدو أنه كان ناجحاً خلال ترؤسه جهاز المخابرات، فهو لم يتسلم ملفاً تنفيذياً طوال السنوات الـ17 الماضية، كما «لم يؤشر عليه أي ملفات فساد» طبقاً لما تقول النائبة عن كتلة «النهج الوطني» علا الناشئ. ودعت في بيان الكتل السياسية الحريصة على المصلحة الوطنية إلى «تسهيل مهمة المكلف في تشكيل حكومته بأسرع وقت ممكن في ظل الظروف الصعبة والحرجة التي تحيط بالبلاد وشعبها»، مطالبة المنظمات المدنية والفعاليات الجماهرية بـ«مساندة وتشجيع الكاظمي للمضي قدماً في تشكيل الحكومة المقبلة للخروج من الأزمات التي تعصف بالبلاد في ظل جائحة (كورونا) وانهيار الاقتصاد العالمي».

قد يهمك ايضا

قوات الجيش والحشد الشعبي يختتمان عمليات "أبطال النصر الثانية" غرب الأنبار

مصدر رئاسي ينفي الأنباء بشأن لقاء برهام صالح ووزير الدفاع الأميركي