بغداد - العراق اليوم
كل من سبقه من رؤساء الوزراء الخمسة (إياد علاوي 2004 ـ 2005) وإبراهيم الجعفري (2005 ـ 2006) ونوري المالكي (2006 ـ 2014) وحيدر العبادي (2014 ـ 2018) وعادل عبد المهدي (2018 ـ 2019) لم يجدوا موازنة الدولة خاوية على عروشها مثلما هو حال مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي الحالي.
حتى عام 2014 كانت الأموال تتدفق على الخزينة بسبب ارتفاع أسعار النفط الى أكثر من 100 مليون دولار. ومع أن البرلمان في معظم دوراته السابقة كان يواجه مشكلة مزمنة مع الحكومة وهي عدم تقديم الحسابات الختامية فإن الرواتب والامتيازات والإيفادات والهبات والمساعدات كانت هي سمة تلك المرحلة التي تبدو في الظاهر ذهبية لكنها منخورة في الداخل بسبب عدم التوجه إلى الاستثمار أو الصناديق السيادية أو البنى التحتية.
وعلى مدى تلك الفترات كان رؤساء أو وزراء خارجية كل من إيران وتركيا يتنافسون على رفع الميزان التجاري مع العراق، وكلتاهما كانت تتمنى رفع هذا الميزان إلى نحو 20 مليار دولار سنويا. والميزان التجاري بين العراق وكل من إيران وتركيا يعني الاستيراد فقط، وهو ما يعني خروج عملة صعبة من العراق إلى هاتين الدولتين مقابل استيراد كل شيء لأن شركات ورجال أعمال مرتبطون بسياسيين فاسدين هم من يهيمنون على السوق التجارية ويمنعون إقامة أية مشروعات استثمارية كما يمنعون بكل ما أوتوا من قوة أي تقارب بين العراق ودول تسعى إلى دخول السوق العراقية من أبوابها عن طريق الاستثمار والعلاقات المتوازنة.
مع ذلك ومع بدء انخفاض أسعار النفط فقد بدأت أموال الخزينة العراقية بالتناقص شيئا فشيئا، الأمر الذي اضطر معه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي إلى اتباع سياسة بدت تقشفية في حينها لكنها لم تمس رواتب الموظفين، بمن فيهم كبار المسؤولين، مع استثناءات بسيطة. الأمر تكرر مع عبد المهدي الذي كان مستشاروه الماليون يؤكدون دائما أن الرواتب مؤمنة وكثيرا ما يستخدمون عبارة «الرواتب خط أحمر».
على وقع هذه التناقضات جاء مصطفى الكاظمي الذي كان وصوله بحد ذاته خطا أحمر إلى أن تنازل معارضوه لكي لا يتهموا بتعطيل مصالح الناس، وهو ما قاله زعيم «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، في كلمته بمناسبة العيد. الخزعلي وفي كلمة له أمس قال ما نصه: «وصلنا إلى قناعة أنه يجب علينا أن نضحي من أجل العبور إلى بر الأمان مع وجود التدخلات الخارجية»، مشدداً بالقول: «ضحينا من أجل تشكيل الحكومة الجديدة حتى لا نتهم بتعطيل مصالح الناس». ويتابع: «الحكومة الجديدة دوليا غير مختلف عليها ومحليا هي محل اتفاق الغالبية العظمى، وعلى الحكومة أن تتذكر دائما أنها شكلت لقيادة مرحلة انتقالية وليس إكمال الدورة البرلمانية». وفيما عد أن «مواجهة (كورونا) والأزمة الاقتصادية نقاط أساسية على الحكومة الالتفات إليها جيدا» فإنه عد أن «الاقتراض الخارجي يجب أن يكون الحل الاضطراري حتى لا يقيد اقتصاد العراق» على حد قوله.
لا يختلف الأمر كثيرا عند زعيم آخر هو أول رئيس وزراء انتقالي الدكتور إياد علاوي الذي طالب في تغريدة له الكاظمي بعدم اللجوء إلى ما سماه استجداء المعونات. دعوات علاوي ومن قبله الخزعلي جاءت على خلفية ما قيل إن وزير المالية العراقي علي عبد الأمير علاوي، ابن عم إياد علاوي، طلب قرضا ماليا بقيمة 3 مليارات دولار من أجل دفع الرواتب. ومع أن علاوي الوزير نفى أن يكون قد بحث ذلك مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية لكن قضية القرض التي تبدو حلا بالنسبة للموظفين لكنها لا تبدو كذلك بالنسبة للقوى السياسية، سواء تلك التي «ضحت» كما تقول من أجل المصلحة العامة طبقا لما قاله الخزعلي أو تلك التي لم تصوت على كابينة الكاظمي واتجهت إلى المعارضة مثلما هي كتلة إياد علاوي «ائتلاف الوطنية».
إزاء هذا الوضع لم يعد أمام الكاظمي سوى أن يبقى وحيدا محاربا على جبهة «كورونا» بل متحديا لها حين جازف بزيارة لفتت الأنظار إلى مستشفيات العاصمة التي تضم المصابين بالفيروس. ومع أن الرجل خضع لفحص شديد وظهر بملابس واقية لكن زيارته كانت انتحارية بكل المعايير لكي يلفت نظر القوى السياسية بأن الوقت لم يحن بعد لتحميله مسؤولية ما يجري باعتبار أن ما يجري هو تركة ثقيلة قبل هو وحده تحمل مسؤوليتها.
الرواتب والوزارات الشاغرة تحديان آخران يتوجب على الكاظمي مواجهتهما معا. ففيما ليس مسموحا له أن يقترض فلا أحد يقف إلى جانبه من أجل عبور الأزمة. فالوزارات السبع الشاغرة لا تزال موضع نزاع بين الكتل فيما يتوجب على الكاظمي انتظار دخانها الأبيض من خلف الغرف الخلفية للقوى السياسية.
السياسي المستقل محمد العكيلي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «ليس هذا الأمر بالغريب عن الكتل التي تتباعد في مواقفها عن عمل الحكومة ليس في هذه الأزمة فقط، بل في معظم الأزمات التي مرت بها الحكومات العراقية، حيث تكون الحكومة في الغالب في واد والكتل السياسية في واد آخر، وكثيرا ما تأخذ دور المتفرج على ما يجري». ويضيف العكيلي قائلا إن «الكتل السياسية بيدها الكثير لإسناد عمل الحكومة لأن بيدها المؤسسة التشريعية والرقابية، وبالتالي لا بد أن تكون هناك تشريعات يسهل عمل الحكومة ويوفر لها فرص إنجاز مهامها بشكل صحيح، فضلا عن توفير جهد سياسي داعم من أجل أن تقوم الحكومة بتنفيذ برنامجها بشكل صحيح في كل الميادين».
ويوضح العكيلي أن «هناك كتلا سياسية لا تريد لهذه التجربة أن تستقر وأن تنجح لأنها اختلفت عن باقي الدورات الحكومية، وبالتالي فإن هذه المرحلة الجديدة التي تمثلها هذه الحكومة تبدو غريبة على جو هذه الكتل لأنها اعتادت على نمط معين وأسلوب معين في إدارة الدولة، بينما السيطرة على جائحة (كورونا) والوضع الاقتصادي تتطلب جهدا سياسيا مختلفا».
وفي إطار جهد الحكومة الحالية للانفتاح على الدول المجاورة، لا سيما العربية منها، يقول العكيلي إن «العلاقة مع الدول المجاورة للعراق ضرورية جدا وهو ما يتطلب من الكتل السياسية عدم وضع العراقيل أمام الخطوات التي تقوم بها الحكومة لأن من شأن هذه العلاقات التقدم في ملفات مهمة يحتاجها العراق في هذه المرحلة، وهو ما يتطلب فتح صفحة جديدة من قبل الجميع؛ لكي لا تكون الحكومة وحيدة في الميدان».
قد يهمك ايضا
البيت الأبيض يعطي الضوء الأخضر لإنتاج "كمامة خاصة"
روسيا تردّ على اتهامات البنتاغون و"الخارجية" الأميركية لوسائل إعلامها