بغداد ـ العراق اليوم
تأتي المفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية والعراق في ظل ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها، إنها ظروف استثنائية، بسبب الانشغال الصحية العالمي بفيروس كورونا، فضلاً عن الظروف المحيطة بتشكيل الحكومة العراقية، والخلافات بين المكونات، التي استغرقت وقتاً ليس بالقليل ليتمكن، أخيراً، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، من سد الشواغر في تشكيلته الوزارية.
كما لا يمكن التغاضي عن الصعوبات أمام فريق التفاوض العراقي التي يقف في مقدمتها، شكوك بعض الأحزاب السياسية الشيعية والفصائل المسلحة من جدوى هذه المفاوضات، فضلاً عن الشروط التي وضعتها للقبول بالنتائج المتوقعة، خاصة والمفاوضات بين الجانبين، التي ستكون خلال يومي (10 و11 يونيو الحالي)، لن تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل ستشمل أيضاً العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، كما تشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، المثبتة ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي.
ورغم ذلك، ووفقاً لمراقبين، فإن هذه الجلسات ستكون تحضيرية مرحلية، حيث تسعى واشنطن وبغداد لتحقيق الهدف النهائي المتمثل بمنع انهيار الدولة ومؤسساتها، بسبب ما تتعرض لها من تحديات عدة.
اختبار النوايا
خلال جولة الحوار العراقي الأميركي التمهيدي، التي ستستمر لمدة يومين، سيكون ذلك، بمثابة الخطوة الأولى لاختبار النوايا وتلمس وفتح آفاق الحوار، ويقول الدكتور باسل حسين، الكاتب والباحث السياسي العراقي، إن الولايات المتحدة تتطلع إلى حوار شامل لغرض وضع عتبة تأسيسية للعلاقة الأميركية العراقية مستقبلا ولسنوات مقبلة.
ويضيف أن هذه التوقعات الإيجابية لم تأت من فراغ، بل جاءت بسبب التوجهات الأكثر اعتدالاً لحكومة الكاظمي، والرغبة في استعادة التوازن بعلاقاتها الخارجية، التي تضررت كثيرا في حقبة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي.
ويتفق الدكتور إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، مع هذا الرأي ويشبه المفاوضات بين الجانبين، بتصحيح مسار العلاقة ما بين بغداد وواشنطن، من أجل إنعاش هذه العلاقة ومن ثم الذهاب نحو تحفيز اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وهو ما يضع مستوى العلاقة بين البلدين على مسار جديد.
ويضيف الدكتور الشمري، أن المفاوضات الحالية تمثل، أيضاً، خطوة للعراق من أجل استعادة مساحة التوازن في علاقاته الخارجية، التي فقدها في عهد حكومة عادل عبد المهدي، وبالتالي تمثل مساحة لبناء شراكة جديدة مع الولايات المتحدة، وهو ما سيكون له آثار إيجابية كبيرة على العراق.
شروط الميليشيات
ويُشير الدكتور باسل حسين، إلى جانب آخر وهو تقييد حرية اتخاذ القرار لدى المفاوض العراقي، حيث سيكون مقيداً بفعل قوة التأثير المتنامي لوكلاء إيران داخل العراق والتهديدات المستمرة، بل ومحاولة فرض شروط خاصة بتلك الميليشيات على طاولة المفاوضات، لعل في مقدمتها التأكيد على الانسحاب الأميركي من العراق.
في حين يؤكد الدكتور إحسان الشمري، أنه ووفقاً للمادة (80) من الدستور، فإن الحكومة العراقية، هي المسؤولة عن رسم السياسات العامة للبلاد، مشدداً على أن الاشتراطات جزء من الضغوط على حكومة الكاظمي، داعياً الحكومة لوضع المصلحة العليا للبلاد فوق أي اعتبار.
تعقيدات ما بعد المفاوضات
ورغم التحديات السابقة، وإدراك رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قلق وحساسية الأحزاب والفصائل المسلحة من أن أي اتفاقية مع الولايات المتحدة، سوف تقيد نفوذ تلك الفصائل، فإن أمام الكاظمي والوفد المفاوض، تحديات أخرى تضاف إلى ما تقدم.
ويقول الدكتور باسل حسين، إن أي معاهدة ينبغي أن تذهب إلى البرلمان العراقي، لغرض المصادقة عليها، وهو أمر يصفه بالمستحيل في ظل برلمان تهمين عليه أطراف قريبة من إيران، ويفسر ذلك بالقول: إن استخدام مصطلح "الحوار"، كان مقصوداً من أجل صياغة الاتفاق عبر تفاهم لا يقتضي المصادقة البرلمانية، لأن الاتفاق لن يصل إلى أن يكون معاهدة.
ووفقاً لمختصين في القانون، فإن أفضت هذه المفاوضات إلى عقد معاهدة بين العراق والولايات المتحدة، فستكون كلمة الفصل للبرلمان العراقي، وذلك طبقاً للمادة (61) من الدستور، والمادة ( 17) من قانون عقد المعاهدات، وبالمقابل يُعول الدكتور إحسان الشمري، على الجانب الآخر (الولايات المتحدة)، ويقول إنها تعمل على تحييد أكبر لإيران وتقييد لحلفائها من خلال إعادة العمل مع بغداد وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي.
كما تضع واشنطن في حساباتها، بناء شراكة مع بغداد تمثل مكسباً؛ لجهة حماية مصالحها بالداخل العراقي، وضمان تواجدها العسكري بوصفه عاملاً مهما في توطيد الاستقرار السياسي والأمني، لاسيما مع وجود التهديدات المتعددة التي تحيط بالعراق.
قد يهمك أيضًا
استقالة نائب عراقي احتجاجا على "الظلم والمحاصصة"
جريمة بشعة في منطقة الشعب شمالي العاصمة بغداد وصدمة بهُوية القاتل