القوات الأمنية والقضائية العراقية

كشفت أحداث النجف والناصرية، نهاية تشرين الثاني/نوفمبر ومطلع كانون الأول /ديسمبر الجاري، ارتباكًا كبيرًا لدى القوات الأمنية والقضائية العراقية في السيطرة على عمليات العنف التي اندلعت في المدينتين وأسفرت عن مقتل اكثر من 50 شخصًا ومئات الجرحى.

واشارت تحقيقات اجرتها اطراف برلمانية في المحافظتين ضمن تقرير – لم يعلن عنه حتى الآن – عن وجود “فساد” و”ضعف في الامكانيات” لدى بعض الاجهزة الأمنية تسبب في دخول “مندسين” بين المتظاهرين السلمين.

واكدت التحقيقات أن بعض اعمال العنف التي جرت في ذلك الوقت، وخاصة في النجف، قد تفاقمت بسبب تدخل جهات مدنية وحزبية في صد المتظاهرين، مقابل انسحاب القوات النظامية وانتشار “متطرفين شيعة”.

وكانت تلك الايام الدموية مقدمة لاستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، حيث اعلن نهاية الشهر الماضي تنحيه عن المنصب بالتزأمن مع فشل خطة أمنية لمواجهة ما اعتبرتهم الحكومة “مخربين”، وانباء عن دخول اجانب باعداد كبيرة عبر المنافذ العراقية –الايرانية.

في ذلك الوقت كانت قد احرقت القنصلية الايرانية في النجف، ثم توجه بعدها بعض المحتجين الغاضبين لمقبرة الحكيم في المدينة بقصد احراقها، كما تصاعدت الصدامات بين متظاهرين وقوات أمنية في الناصرية.

وعلى اثر تلك الاحداث قرر البرلمان انتداب اعضاء في لجنة الأمن للذهاب الى المدينتين لتقصي الحقائق وتقديم تقرير نهائي – مازال غير مكتمل حتى الآن- يقول احد اعضاء ، أن الاوضاع في النجف كانت هادئة حتى لحظة “احتراق القنصلية” والبدء بمهاجمة قبر الحكيم.

أجانب ومتطرفون

يؤكد النائب الذي طلب عدم نشر اسمه، أن “جهات اجنبية ومتطرفين دينيين يشبهون داعش لكن بنسخة شيعية” هم وراء اعمال العنف في النجف، مشيرا الى أن حركة الاجهزة الأمنية كانت “سيئة جدا”. توصلت اللجنة في النجف، بعد لقاء قيادات أمنية عليا، الى أن “المتطرفين” في المدينة انتهزوا فرصة التظاهرات لجر الاحداث الى الفوضى والعنف. ويضيف النائب: “تلك المجاميع معروفة في النجف وهي دائما تبحث عن تلك الفرصة لاثبات وجودها”.

بعد حرق القنصلية وانتقال المحتجين الى مرقد الحكيم، كانت القوات الأمنية هناك قد نفذت منها القنابل الدخانية والمسيلة للدموع بعد 6 ساعات من المواجهة مع اشخاص يحملون “قناني حارقة”، استنادا لاقوال اللجنة.

وقررت القوات الأمنية الانسحاب خصوصا وان اعداد المحتجين حول المرقد قد تزايدت، وعجزها عن صدهم وعدم امتلاكها اسلحة نارية او اوامر باطلاق الرصاص، وترك المتظاهرين بمواجهة حماية المرقد.

ويقول النائب “لم يكن في المرقد قوات أمنية. القوات شكلت طوقا امام المقبرة ثم انسحبت وبدأ المتطوعون داخل المكان بصد المهاجمين بالرصاص”.

وتسبب الصدام بين الطرفين ووقوع ضحايا بردود فعل غاضبة من المحتجين الذين ازدادت اعدادهم، مقابل وصول عدد المتطوعين لحماية المرقد بين “3 آلاف و4 آلاف شخص” محملين بالسلاح، وفق ما قالته الاجهزة الأمنية في النجف الى اللجنة البرلمانية. وتمكن المحتجون في ذلك الوقت من احراق احدى بوابات المرقد، فيما سرت شائعات عن وجود معتقلين من المتظاهرين داخل المرقد، لكن النائب يقول: “تم تشكيل لجنة من شيوخ عشائر النجف ومجلس القضاء ولم تعثر على اي دليل بوجود متظاهرين معتقلين”.

المدينة القديمة

وقبل أن يتوصل شيوخ عشائر الى منع الاعمال المسلحة في النجف لحساسيتها الدينية، اكدت اللجنة أن التقارير الأمنية نصت على أن “بعض المندسين كانوا ينوون مهاجمة منازل مراجع دينية، لكن الاطواق الأمنية وآلاف المتطوعين لحماية المدينة القديمة في النجف اجهضت الهجوم”. وكانت احزاب وفصائل مسلحة قد اعلنت بداية كانون الاول الحالي، بانها قد ارسلت قواتها وانصارها لحماية منزل السيستاني في النجف، فيما قدرت احصائيات مقتل 20 شخصا و400 آخرين باصابات مختلفة في احداث النجف.

اليوم المدينة عادت هادئة بفعل الاتفاق العشائري، فيما تقول لجنة تقصي الحقائق أن الخلل كان في “سوء اداء الاجهزة الاستخبارية التي لم تكن على علم بتحرك جماعات لحرق القنصلية ومقبرة الحكيم”.

واكد تقرير اللجنة الذي من المتوقع عرضه على رئاسة البرلمان قريبا بعد اكتمال تحقيقات الناصرية، أن “اشخاص غير مؤهلين وغير مدربين يديرون تلك الاجهزة في النجف لاسباب حزبية، كما لاتملك الاجهزة اموالا كافية لاعطاء رواتب لمصادرها”.

وقال التقرير، أن القضاء يتحمل جانبا من تفاقم المشكلة في النجف بسبب اصداره قرارا باعتقال المحافظ لؤي الياسري بسبب تهمة “القتل العمد” واوامر اخرى ضد قائدي الشرطة والعمليات، معتبرا أن ذلك القرار كان قد اضر بهيبة السلطة في المدينة.

واكد عضو اللجنة أن “القاضي الذي اصدر الحكم اعترف بانه تعرض الى تهديد من مندسين داخل المتظاهرين بحرق منزله اذا رفض تنفيذ امرهم”.

وكان الياسري، قد نفى صدور اوامر باعتقاله. وقال في بيان حينها أن “الحكومة المحلية والقيادات الأمنية العليا مستمرة ولغاية اللحظة وبجهود الجميع لحلحلة الازمة الراهنة”.

بانتظار إفادات القادة

وكانت احداث الناصرية في ذلك الوقت قد تصاعدت ايضا ووصل عدد القتلى الى نحو 40 شخصا، بعد عمليات حرق خيم المتظاهرين واشتباكات مع القوات الأمنية في محاولة اقتحام موقع تابع لقوات “سوات”.

ولم تنته التحقيقات حتى الآن في احداث المدينة، لكن عضو اللجنة ألمح الى أن الاسباب متشابهة في المدينتين خصوصا فيما يتعلق بعمل الاجهزة الاستخبارية.

بدوره قال رئيس اللجنة الأمنية محمد رضا أن لجنته ستعرض التقرير النهائي على القضاء والحكومة والبرلمان “بعد اكتمال إفادات الضباط في ذي قار وعلى رأسهم الفريق جميل الشمري”.

واضاف رضا في تصريح نقلته وكالة الانباء الرسمية، أن “اللجنة استمعت إلى شهادات الضباط وسوف تكون شفافة وتكشف كل تفاصيل ما جرى في المحافظة خلال الأحداث الأخيرة أمام الرأي العام”، مؤكدًا أن “دور الإعلام مهم في نقل الحقيقة من دون تزييف”.

قد يهمك ايضا

مقتل 43 متظاهرًا كرديًا بالنيران المباشرة للقوات الإيرانية