بغداد – نجلاء الطائي
حطّت موجة منع الأعمال الفنية المتنقلة بين بيروت وبغداد وطهران مؤخرًا، رحالها هذه المرة في مدينة السليمانية، وتولى سلفيو المدينة إشعال مواجهة موازية للمواجهة التي باشرتها الكنيسة في لبنان ضد فرقة "مشروع ليلى.
ماريا هَورامي، فنانة كردية شابة من مدينة السليمانية في اقليم كردستان العراق، وتحديدًا من هَورامان المعروفة بجمالها الطبيعي وفنون أهلها الغنائية والموسيقية. وبعد تخرجها من معهد الفنون الجميلة ودراستها الموسيقى، ظهرت ماريا نجمة غنائية جديدة، لها نمط خاص في الساحة الفنية وأدّت أغنيات كردية شعبية بطريقتها وصوتها الجبلي، وتحديدًا تلك الأغاني التي تبعث البهجة وتحول الأمكنة إلى فسحة للرقص.
أطلقت ماريا قبل عيد الأضحى أغنية "قلبي"، تم تصويرها في قلب مدينة السليمانية النابض، شارع سالم في منطقة سَهولَكَه، والأغنية بكلماتها ولحنها من الفولكلور الكردي وليست جديدة، انما تميزت ماريا بطريقة أدائها وتصويرها في مكان معروف بحيويته الثقافية والاجتماعية في المدينة.
تبدأ الأغنية بإيقاف حركة السير للحظات، تخرج الفنانة من سيارة بزيها الكردي وتبدأ الغناء في وسط الشارع، يتحرك زبائن المقاهي الموزعة على رصيف شارع سالم نحوها ويباشرون بالدبكة الكردية التي لا تحتاج سوى إلى إيقاع سريع كي تشتعل الأجساد رقصًا. وتقول بداية الأغنية التي تشير الإحصاءات إلى أن عدد مشاهديها تجاوز المليون منذ اليوم الثاني من إطلاقها:
"تعال لأقبّلك حبيب القلب
فأنا غريب، لا تعيدني مكسور الخاطر
قلبي وحبيبي
ليس عليك إلا أن تقول مرحبا
حتى أضعك في عيني"
أعاد عدد كبير من الفنانات والفنانين الكرد غناء هذه الكلمات التي يسمعها الكردي منذ بواكير عمره ويعيدها مع نفسه كلما راودته فكرة الرقص، إنما حصل شيء مختلف بعدما غنتها ماريا. شيء في السرّ، وفي الغرف المغلقة لبث الكراهية وانتهاك حرية التعبير الفني، ولكن لم يحتج سوى دقائق معدودة كي يظهر في العلن ويكشف عما يخبئه متشددون سلفيون من كراهية في نفوسهم تجاه الفنون والثقافة.
فقد أرسل رجل دين سلفي في كردستان اسمه هَلو محمد رشيد رسالة صوتية الى أحد أصدقائه قال فيها: "ما رأيتموه في منطقة سَهولَكَه، وما فعلته تلك "الكلبة" الهورامية على هواها، وكان يتقافز حولها أناس مثل القردة، لا تفعله حتى بائعات الهوى".
أشعلت هذه الأوصاف المشينة والخارجة من فم رجل دين، شبكات التواصل الاجتماعي في كوردستان وفي مدينة السليمانية تحديدًا، وحرّكت شخصيات فنية وثقافية ومنظمات للمجتمع المدني للوقوف دفاعًا عن ماريا والفنون والبهجة. لم يقتصر الدفاع على الأوساط الفنية والثقافية فحسب، بل شملت عددًا كبيرًا من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي وذلك من خلال إعادة نشر الأغنية على "يوتيوب" و"فيسبوك" و"تويتر" ومشاركتها بين الأصدقاء، فضلًا عن كلمات ومواقف تضامنية مع الفنانة.
قالت مجموعة من منظمات المجتمع المدني إنها ترفع دعوى قضائية ضد السلفي المذكور، وأكدت عائلة ماريا أيضًا أنها ستلجأ إلى القضاء. وكتب المخرج والفنان المسرحي رزكار أمين على صحفته في "فيسبوك" أن الرد الأفضل والأحسن على الكلمات المشينة التي قالها السلفي هَلو محمد رشيد، هو أن نحول المكان الذي صُوّرت فيه الأغنية مكانًا للرقص اليومي.
عاد الشيخ السلفي ليقول إنه لم يتفوه بتلك الكلمات للرأي العام، بل أرسلها من خلال رسالة صوتية ردًا على رجل دين آخر اعتبر أن الغناء والاختلاط بين الرجال والنساء حلال ولا تحرّمه السنة. واعتذر تاليًا للفنانة وعائلتها عن تلك الأوصاف التي أطلقها عليها، لأن الكلام الذي تفوه به "لم يكن لائقًا من وجهة النظر الشرعية والعرفية" بحسب قوله، مضيفًا أنه يزور عائلتها بداعي هدايتها، لأن الغناء حرام.
تكمن المشكلة في الاعتذار وليس في كلام هذا الشيخ السلفي المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الفنون والثقافات والانفتاح الاجتماعي، ذاك أنه ما كان اعتذر عما بدر منه تجاه الفنانة ومنطقة هَورامان بأكملها والمجتمع، لو بقيت رسالته الصوتية المسيئة والمقيتة قيد الكتمان بينه وبين أصحابه. حين رأى كل ذلك التضامن معها وحجم انتشار الأغنية على شبكات التواصل الاجتماعي، عرف كم إساءته وانتهاكه حقوق الآخرين، فاعتذر، ولكنه يبقى اعتذارًا ناقصًا ومشروطًا، فيما تسير إساءات كثيرة برشاقة بحق راقصة هنا وفنان أو فرقة فرح هناك. إن الفرح يستفزّ كثيرين!
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
أبرز الأعمال الفنية المنافسة في مهرجان "مالمو" للسينما العربية