الرئيس سليمان اثناء القاء كلمته أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة

بيروت – جورج شاهين شدَّدَ رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان على أهمية تشجيع الدول الإقليميّة المؤثّرة على وعي أهميّة تحييد لبنان عن الصراعات، وعدم فائدة إقحامه في سياسة المحاور، وتاليًا تشجيع هذه  الدول على تقديم دعم فعلي لمضمون ومقاصد "إعلان بعبدا"، ولنهج الحوار والتوافق، كمثل الدعم الذي تعهّد مجلس الأمن الدولي تقديمه، داعيًا إلى إيجاد حلّ عادل وشامل لقضيّة الشرق الأوسط وجوهرها قضيّة فلسطين، على قاعدة قرارات الشرعيّة الدوليّة ومرجعيّة مؤتمر مدريد والمبادرة العربيّة للسلام، مؤكدا ضرورة اعتماد مقاربات شاملة ومتكاملة.
وإذ دعا إلى استمرار العمل على فرض تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته، فإنه شدد على ضرورة تزخيم السعي الهادف لإيجاد حلّ سياسي متوافق عليه للأزمة السوريّة، معتبرًا أن التفاهم الأميركي-الروسي الأخير في شأن الأسلحة الكيميائية يمكن أن يكون مدخلاً نحو الحلّ السلمي المتكامل.
وشدّد على ضرورة ان يتخذ المجتمع الدولي موقفًا حازمًا حيال سبل حماية الأماكن المقدسة التي تطاولها الاعتداءات في أيّ مكان من العالم، وخصوصًا في الشرق الأوسط مهد الديانات السماويّة، لافتًا بشكل خاص الى ما تعرّضت له بلدة معلولا السوريّة التاريخيّة.
ودعا الرئيس سليمان إلى إيجاد حلّ عادل وشامل لقضيّة الشرق الأوسط وجوهرها قضيّة فلسطين، على قاعدة قرارات الشرعيّة الدوليّة ومرجعيّة مؤتمر مدريد والمبادرة العربيّة للسلام، مؤكدا ضرورة اعتماد مقاربات شاملة ومتكاملة، تضمن مشاركة كل الدول المعنيّة وتعالج مختلف أوجه الصراع العربي-الإسرائيلي، كبديل من الحلول الثنائيّة والمنفردة؛ لافتا الى ان لبنان سيبقى متيقّظاً وحريصاً على أن لا يأتي أيّ حلّ على حساب مصالحه العليا، وسيرفض بالتحديد، أيّ تسوية تسمح بتوطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه.
وجاء كلام الرئيس سليمان في خلال الكلمة التي القاها امام الجمعية العمومية للامم المتحدة عند الساعة الواحدة صباح، الثلاثاء، بتوقيت بيروت( السادسة مساء" بتوقيت نيويورك) التي جاء فيها:
"أتقدّم منكم بدايةً بالتهنئة على انتخابكم رئيساً لهذه الدورة، كذلك أتوجّه بالتقدير إلى سعادة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي واكب بشكل حثيث ودقيق تطوّر الأوضاع العامة في لبنان، من خلال بياناته والتقارير المتتالية التي أعدّها في شأن تنفيذ القرارات الدوليّة الخاصة ببلادي، وأبرزها القرار 1701 الذي تتولّى قوات اليونيفيل مشكورة، السهر على تنفيذه بالتنسيق مع الجيش اللبناني. كما جاء البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 10 تموز/ يوليو الفائت، ليحدّد خريطة طريق فعليّة لما يمكن أن يقوم به المجتمع الدولي لمساعدة لبنان، أيّ لصون استقراره وتعزيز مؤسساته، ودعم اقتصاده وجيشه، ومساعدته في مواجهة العبء المتزايد للاجئين الوافدين من سورية إلى أراضيه؛ وهذا جوهر ما سيسعى إليه اجتماع "مجموعة الدعم الدوليّة الخاصة بلبنان"، التي ستنطلق أعمالها بعد ظهر الأربعاء، بدعوة من سعادة الأمين العام".
وأوضح "لقد تعرّضت دول عديدة ممثّلة في هذه الجمعيّة، لثورات وحروب أهليّة أو عدوان خارجي، وعانت طويلاً من تداعياتها، إلا أنّها تمكّنت في معظمها، وبفترات زمنيّة متفاوتة، من تخطّي المصاعب وإعادة تكوين بنيانها الوطني.
واللبنانيون الذين ينتمون إلى حضارة عريقة تميّزت منذ آلاف السنين بابتداع العناصر المتقدمة الأولى للأبجديّة، وساهمت في حركة الانفتاح والتواصل البنّاء عبر المتوسط بين الشرق والغرب وبين الحضارات والثقافات، سيتمكّنون بما يمتلكونه من قدرات وعزم من الاضطلاع بما يقع على عاتقهم من مسؤوليّة لإعادة الوهج إلى رسالة بلادهم كمساحة حريّة وعيش مشترك، وتثبيت كيانهم في الشرق في إطار دولة اعتمدت الديمقراطيّة منذ نشأتها، وحرصت منذ الاستقلال على احترام التنوّع من ضمن الوحدة وصون الحريّات الشخصيّة والعامة.
وهم سيستمرّون، من طريق الحوار، في العمل على تطوير نظامهم السياسي، وتحسين ممارستهم الديمقراطيّة، وما يستوجبه ذلك من توافق على قانون انتخاب عصريّ جديد، وتوضيح لآليّات الحكم، من دون تعطيل جوهر الصيغة الميثاقيّة والتوافقيّة التي قام عليها لبنان، والتي تقضي بالمشاركة المتكافئة والمتوازنة لجميع مكوّنات المجتمع في إدارة الشأن العام. وقد ذهب البند "ي" من مقدمة الدستور إلى حدّ اعتبار "أن لا شرعيّة لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". كما سيتوجب عليهم العودة إلى التزام "إعلان بعبدا" القاضي بتحييد لبنان عن التداعيات السلبيّة للأزمات الإقليميّة وعن سياسة المحاور؛ وكذلك التوافق على استراتيجيّة وطنيّة للدفاع حصراً عن لبنان في وجه عدوانيّة إسرائيل وتهديداتها المستمرّة، والانتهاء من إقرار التدابير الإداريّة والقانونيّة الكفيلة بالاستفادة من ثروتهم وحقوقهم السياديّة في حقول الغاز والنفط التي تختزنها مناطق لبنان البحريّة.
ومهما تكن قوّة هذا الالتزام كبيرة، فإنّ اللبنانيين ما زالوا في حاجة لمواكبة ودعم من الدول الشقيقة والصديقة لمواجهة التداعيات السلبيّة للأزمات والمشكلات الخارجيّة التي لا شأن لهم بها، والتي تتهدّد مع ذلك أمنهم واستقرارهم وتؤثّر سلباً على أوضاعهم الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
وهم يتطلعون إلى هذه المساعدة ليس فقط من باب التضامن الأخوي والصديق، بل كذلك من منطلق المسؤوليّة المشتركة التي تقع على عاتق المجتمع الدولي ككلّ، بإزاء مشكلات تتهدّد الأمن الإقليمي والعالمي بمجمله.
وأبرز هذه التحديات الإقليميّة التي تنسحب سلباً على لبنان هي الآتية:
-التحدّي الأوّل ناتج من تداعيات الأزمة السوريّة على أمن لبنان واقتصاده. فبالرغم من قرار النأي بالنفس الذي توافقت عليه هيئة الحوار الوطني من خلال "إعلان بعبدا"، والذي أصبح وثيقة رسميّة من وثائق الأمم المتحدة، فقد توّرط بعض الأطراف اللبنانيّة المتعارضة، في النزاع الدائر على الأراضي السوريّة. كذلك تعرّضت الأراضي اللبنانيّة لخروقات واعتداءات من الجانب السوري للحدود. وتزامن هذا التورّط مع تفجيرات إرهابيّة طاولت المدنيين، وخصوصاً في الضاحية الجنوبيّة من بيروت وفي عاصمة الشمال طرابلس، أودت بحياة عشرات المدنيين وتسبّبت بإيذاء المئات.
- أما العبء الأكثر إلحاحًا وحجمًا، والذي بدأ يأخذ طابعًا وجوديًّا، فهو ناتج من التنامي غير المسبوق لأعداد اللاجئين الوافدين من سورية، بما يفوق طاقة لبنان وقدرته على الاستيعاب، وقد بات عددهم يفوق ما نسبته ربع عدد سكان لبنان. ولبنان كما تعلمون، بلد يقوم على رقعة جغرافيّة محدودة المساحة والموارد والإمكانات وعلى توازنات دقيقة.
وبما أنّه لا يمكن إلزام الأوطان، كما الأفراد، بالمستحيل وبما لا قدرة لهم عليه، فيهمّني من على هذا المنبر، أن أكرّر طلب دعم دولكم للمقترحات التي سبق وتقدّمت بها لتخفيف هذا العبء المتفاقم، وهي تتركز في النقاط الآتية:
- توفير المبالغ والإمكانات البشريّة والماديّة الكافية، وبصورة فعليّة، لتأطير وتنظيم وجود اللاجئين السوريين الوافدين إلى لبنان، وتلبية احتياجاتهم الإنسانيّة والحياتيّة الأساسيّة، علماً بأنّه لم يتم الإيفاء بالالتزامات التي تمّ التعهّد بها في اجتماع الدول والهيئات المانحة الذي قامت دولة الكويت مشكورة باحتضانه بتاريخ 30 كانون الثاني 2013 إلا بصورة جزئيّة.
- تعزيز أطر ومساحات إيواء النازحين السوريين داخل الأراضي السوريّة بالذات، في مناطق آمنة تقع خارج إطار النزاع الدائر، علماً بأنّ مساحة سورية ثمانية عشر أضعاف مساحة لبنان.
- الموافقة على عقد مؤتمر دولي خاص بموضوع اللاجئين السوريين، لا يكتفي فقط بالدعوة إلى تقديم المساعدات الماليّة، بل يباشر البحث في سبل تقاسم الأعباء والأعداد بين الدول، من منطلق المسؤوليّة المشتركة وفي ضوء السوابق التاريخيّة. والاجتماع الموسّع الذي دعا المفوّض العام للهيئة العليا للاجئين إلى عقده في جنيف في الثلاثين من هذا الشهر خطوة إيجابيّة في هذا السبيل.
- تقديم الدعم من كل الدول المعنيّة والقادرة لأعمال "لجنة الدعم الدوليّة الخاصة بلبنان"، التي أدرجت قضيّة اللاجئين في سلّم أولوياتها؛
كلّ ذلك بانتظار إيجاد الحلّ السياسي الذي ننشده للأزمة السوريّة، والذي من شأنه أن يسمح للاجئين بالعودة الآمنة والكريمة إلى بلادهم في أسرع الآجال.
وأكد "أما التحدّي الأساس فهو ما زال ناتجاً من تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي، وتمادي إسرائيل في احتلالها وممارساتها التعسّفيّة وسعيها لإقامة المزيد من المستوطنات غير الشرعيّة، وتهويد مدينة القدس، وفشل المجتمع الدولي في إيجاد حلّ عادل وشامل لمختلف أوجه هذا الصراع، خصوصاً بما أفرزه من مشكلة لاجئين في الدول المجاورة المضيفة، وخصوصاً في لبنان، وما عزّزه من شعور بالظلم وميل نحو التطرّف والعنف، وما تسبّب به من خسائر بشريّة وماديّة عطّلت مشاريع التقدّم الاقتصادي والاجتماعي على مساحة الوطن العربي. وقد عانى لبنان على وجه التحديد من الاعتداءات الإسرائيليّة المتتالية على أراضيه ومنشآته وبناه التحتيّة، بمختلف أنواع الأسلحة الفتّاكة والمحرّمة، ودفع غالياّ ثمن هذه الاعتداءات وما خلّفته سنوات الاحتلال والعدوان من قتل وإيذاء وقطع أوصال ودمار.
لذا يدعو لبنان تأميناً لمصالحه الوطنيّة، وتحقيقاً للعدالة والسلام ومقاصد شرعة الأمم المتحدة وقراراتها الملزمة إلى الآتي:
1- استمرار العمل على فرض تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بكل مندرجاته، بما يضمن تثبيت قواعد الاستقرار والأمن في الجنوب اللبناني والمساهمة في بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وثني إسرائيل عن خروقاتها اليوميّة للسيادة اللبنانيّة. وهذا ما تسعى اليونيفيل لتحقيقه بالتعاون مع الجيش اللبناني. وهي مناسبة لشكر كل الدول المساهمة في القوات الدوليّة وقائدها وعناصرها على تفانيهم وتضحيتهم في خدمة قضيّة الاستقرار والسلام.
2- تزخيم السعي الهادف لإيجاد حلّ سياسي متوافق عليه للأزمة السوريّة يحفظ وحدة سورية وحقوق أبنائها وجميع مكوّنات شعبها وحريّاتهم الأساسيّة. وقد سبق للبنان أن دان استعمال الأسلحة الكيميائيّة وطالب الأمم المتحدة، ومن ضمنها مجلس الأمن، بأن تقوم حصراً بواجب مساءلة المرتكبين. ويمكن للتفاهم الأميركي-الروسي الأخير في شأن هذه الأسلحة أن يكون مدخلاً نحو الحلّ السلمي المتكامل المنشود. هذا الحل يوقف النزيف ويحول دون تمدد التطرف الى دول الجوار ودون توتير العلاقات الدولية بشكل خطير.
كما هي مناسبة اليوم كي ندين أيّ اعتداء يطاول الأماكن المقدّسة في أيّ مكان من العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط مهد الديانات السماويّة، وأخيراً ما تعرّضت له بلدة معلولا السوريّة التاريخيّة، لما تمثّله هذه الاعتداءات من انتهاك للحضارة ولروح الديانات السمحاء. وهذا ما يستوجب موقفاً حازماً من المجتمع الدولي حيال سبل حماية هذه الأماكن، وليس أقلّها إقرار آليّة لتقصّي حقيقة الأوضاع.
3- تشجيع الدول الإقليميّة المتنافسة، خارج إطار الصراع العربي الإسرائيلي، على تغليب منطق الحوار والتفاوض في ما بينها، وإيجاد حلول سلميّة وعاقلة للمشكلات التي تضعها في مواجهة بعضها البعض، بما يضمن مصالحها المشتركة والمشروعة، استناداً إلى معايير موضوعيّة وعادلة. وهذه حلول ممكنة وأقل كلفة من تلك التي تعتمد على موازين القوى الظرفيّة والمتقلّبة.
4- تشجيع الدول الإقليميّة المؤثّرة على وعي أهميّة تحييد لبنان عن الصراعات، وعدم فائدة إقحامه في سياسة المحاور وما قد تتسبّب به من توتّر وتباعد بين المذاهب والطوائف. وتالياً تشجيع هذه الدول على تقديم دعم فعلي لمضمون ومقاصد "إعلان بعبدا"، ولنهج الحوار والتوافق، كمثل الدعم الذي تعهّد مجلس الأمن الدولي تقديمه.
5- الدفع في اتجاه إيجاد حلّ عادل وشامل لقضيّة الشرق الأوسط وجوهرها قضيّة فلسطين، على قاعدة قرارات الشرعيّة الدوليّة ومرجعيّة مؤتمر مدريد والمبادرة العربيّة للسلام، علماً بأن لا استقرار ولا ديمقراطيّة ولا اعتدال في الشرق الأوسط من دون تحقيق العدالة في فلسطين، وعلى قاعدة أنّ امن المنطقة العربيّة والمحافظة على تنوّعها الثقافي امر استراتيجي مهم .
وإذ يتابع لبنان باهتمام استئناف مفاوضات السلام الفلسطينيّة الإسرائيلية، فإنّه ما زال يدعو إلى اعتماد مقاربات شاملة ومتكاملة، تضمن مشاركة كل الدول المعنيّة وتعالج مختلف أوجه الصراع العربي-الإسرائيلي، كبديل من الحلول الثنائيّة والمنفردة؛ وهو سيبقى تالياً متيقّظاً وحريصاً على أن لا يأتي أيّ حلّ على حساب مصالحه العليا، وسيرفض بالتحديد، أيّ تسوية تسمح بتوطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه، بما يتعارض مع مندرجات الفقرة التنفيذيّة الرابعة من المبادرة العربيّة للسلام ومع مقدّمة دستوره وثوابت وفاقه الوطني".
وكشف "في هذه المرحلة الانتقاليّة التي يشهد فيها العالم العربي تحوّلات تاريخيّة كبرى، يشهد العالم أجمع، تحوّلاً جوهريّاً يعود إلى التطوّر العلمي المذهل الذي يتوالى بين ليلة وضحاها، وخصوصاً في مجاليّ تقنيّات الاتصال والمعلومات.
ينشر هذا التطوّر طابع العولمة على كلّ مفاصل الحياة، والشؤون اليوميّة للمواطنين، ويفرض تعميم روح التعدديّة والتنوّع في مختلف المجتمعات والكيانات، كشرط ملازم لمواكبة عجلة التغيير المتسارعة.
إلا أنّ الأنظمة التي ترعى شؤون الناس والمجتمعات هذه لم تشهد تطوّراً موازياً ومناسباً على الصعيد الفكري، بل على عكس ذلك فقد ظهرت نزعات متطرّفة وإرهابيّة، وانعزاليّة لا تعترف بالآخر وترفض الحوار والعيش المشترك، وقد أدّت بالبعض إلى المطالبة بالعودة إلى الإمارات الدينيّة أو المنعزلات العنصريّة، ولجأت من أجل تطبيق ذلك إلى أساليب عنيفة تجافي السلام والحريّات العامة. وفي خضمّ هذه النزعات الأصوليّة الأحاديّة يبقى لبنان مختبراً ونموذجاً لنمط الحياة المشتركة المرجوّة لعالم الغد. هذا النموذج يقتضي دعمه وتوفير السبل الآيلة للحفاظ على استمراره وقد عايشه الشباب اللبناني لعشرات السنين، طلاباً في أروقة المدارس والجامعات، وخبروه عسكريين في ثكنات الجيش والقوى الأمنيّة والمخيمات العسكريّة وفي أداء المهمات الوطنيّة. كذلك يعيشه المواطنون في شوارع المدن والقرى والعاصمة وفي مسارحها ونواديها ومقاهيها ودور السينما، وفي المؤسسات العامة والخاصة وهيئات المجتمع المدني. نمط الحياة هذا يمارس يوميّاً على وقع قرع أجراس الكنائس وصدح مآذن الجوامع، جنباً إلى جنب، ومن خلال المناسبات المشتركة، وأبرزها يوم العيد الوطني (الديني) المشترك في تاريخ 25 آذار/ مارس، من كلّ عام، في عيد البشارة، وهي مناسبات تسعى كلّها إلى الخير العام".
وأكد "أنّ إدارة التنوّع وبناء ثقافة العدالة والسلام والعيش المشترك بين الثقافات والحضارات والأديان تتطلّب منا جميعاً العمل منذ الآن على الأمور الثلاثة الآتية:
أولاً: تطوير الأنظمة السياسيّة والماليّة والاجتماعيّة التي ترعى شؤون الناس والدول لجعلها أكثر إنسانيّة وملاءمة للتنوّع، وخصوصاً النظام الديمقراطي، بما يكفل إشراك المكوّنات البشريّة في الدول كافة، بما في ذلك الأقليّات في الحياة السياسيّة وفي إدارة الشأن العام، بقطع النظر عن نسبها أو قدرتها العدديّة، بل بالاعتماد على تراثها الحضاري.
ثانياً : اعتبار الحفاظ على الوجود الحرّ والفاعل للأقليّات في العالم، وما تمثّله من حضارة وخصوصيّة، مسؤوليّة دوليّة، وخصوصاً في الشرق الأوسط، مهد الديانات السماويّة التي عاشت شعوبها قروناً من الحياة المشتركة وبنت حضارات أغنت تاريخ البشريّة بالثقافة وبمعاني التسامح والخير والمحبّة. مسؤوليّة لا ترتكز إلى تقاسم المصالح الدوليّة في هذه البقعة من العالم، ولا تأخذ هذه المجموعات في حساب هذه المصالح، بل تأخذ مصلحة كلّ من هذه الأقليّات في أن تعيش قضايا أمّتها في كونها جزءاً أساسيّاً من نسيج هذه الأمّة.
ثالثاً :تكثيف الجهد القائم لإصلاح وتطوير هيئات الأمم المتحدة وأجهزتها المتخصّصة بالتلاؤم مع التطوّر الحاصل لاستعادة الثقة في مقدرتها على معالجة المشكلات الدوليّة ومواجهة الجرائم واتخاذ القرارات المناسبة في شأنها، وتنفيذ هذه القرارات من دون عوائق، ومن دون انتقائية وازدواجية معايير، وذلك كبديل من منطق القوّة المشروعة الذي قد تلجأ إليه الشعوب التي تقع بلدانها ضحيّة العدوان والاحتلال، في غياب المرجعيّة الدوليّة القادرة والضامنة.
من جهته سيبقى لبنان وفيًّا لرسالة الحريّة والعيش المشترك التي يتميّز بها، ملتزمًا قرارات الشرعيّة الدوليّة، حريصًا على روح الاعتدال والوفاق التي بنى عليها جوهر كيانه، وشريكاً فاعلاً في السعي الدولي الشامل لتحقيق مقاصد العدالة والسلام والتنمية البشريّة المستدامة".