غزة ـ محمد حبيب
تباينت ردود الفعل الفلسطينيّة بشأن تصريحات الناطقة باسم حكومة "حماس" في غزة باللغة الإنكليزية إسراء المدلل، إلى صحيفة "المصري اليوم"، والتي أثارت جدلاً واسعًا في أوساط الحركة، بشأن إعادة تقييم تعيين ناطقة غير منتمية إلى التنظيم الإسلاميّ.
ونقلت صحيفة "المصري اليوم" القاهرية، عن المدلل في مقابلة لها، اعتراضها
على مرسي كرئيس لمصر، إضافة إلى انتقادها لحكم حركة "حماس" في غزة، حيث قالت "إنها لا ترى بأن الرئيس المصري السابق محمد مرسي كان يصلح كرئيس لمصر, وأنها لست منتمية إلى (حماس) أو أي فصيل سياسيّ آخر، فأنا لا أؤمن بالأحزاب، ولكني أحترم الأحزاب الفلسطينية كافة، وإننا في الحكومة الفلسطينية في غزة لا نتدخل في شؤون الدول الأخرى، وليس من شأننا مناقشة الوضع الداخلي المصري، أو إبداء الرأي فيه بصفة رسمية, ولا يمكن التعريض لشخص الرئيس مرسي، فأنا أحترمه وأكنّ له كل التقدير، ويكفي أنه قد سلبت منه حريته، وكل ما تحدثت به أنه أخطأ بالإتيان بالفريق عبدالفتاح السيسي، وهذا رأي شخصي"، على حد تعبيرها.
وأفادت الناطقة باسم حكومة غزة، أن المقابلة تمت بصورة شخصية قبل تسلّمي مهامي كناطقة إعلامية باسم الحكومة الفلسطينية في غزة، وكانت طبيعة المقابلة عن أراء شخصية, معترضةً على التوصيف الوظيفيّ لي بوصفي ناطقة باسم حركة "حماس"، فأنا ناطقة باسم حكومة الشعب الفلسطينيّ التي تضم كودار من فئات الشعب وأطيافه كافة، وتخدم الجميع على حدٍ سواء، مطالبة الإعلام المصريّ بالحيادية في موقفه من الشعب الفلسطينيّ في غزة، وباحترام أخلاقيات مهنة الصحافة، وعدم اختلاق عناوين مُبتذلة و مغالطة لمحتوى المقابلة.
وقال الناطق باسم حركة "فتح" جمال نزال، في مقالٍ له، "استوقفني تصريح شجاع من الست إسراء المدلل الناطقة باسم حركة (حماس) للإعلام الأجنبي، أدلت به إلى صحيفة (المصري اليوم)، منتقدة (حماس) لقلة الكفاءات وكثرة الأخطاء الفردية، إلى جانب انتقادها محمد مرسي، وإشادتها بالصحافي باسم يوسف، واعتبر أن المدلل تخطو بجرأتها في اتجاه مذهب جديد، هو انتقاد سياسة (حماس) ذاتها، إذ تقول: حركة (حماس) أخذت وقتًا طويلاً حتى تتعلم وتكتسب خبرة في الحكم، وتجيد مهارة الإدارة والسلطة والفن التشريعي، فتجد مثلا كفاءات قليلة وهناك أخطاء فردية كثيرة جدًا كانت في الحركة والحكومة تحديدًا".
وأضاف نزال، "هذه الثقافة غابت عن (الإخوان) منذ تأسيسها، وهي خطوة شجاعة ويجب تشجيعها، فإن المضي قدمًا في الطريق الخطأ يؤدي إلى وصول الجدار والصدام، وأعتقد أن تعيين هذا الفتاة لهذا الموقع خطوة جيدة"، داعيًا "حماس" إلى الاستفادة من هذه الفرصة، من أجل مراجعة شاملة ليس فقط لسياستها، بل لأمور تطال هويتها، قائلاً "(حماس) تحتاج إلى إصلاح ذاتيّ، كما فعلنا نحن في المؤتمر السادس، فلا يمكن لها أن تمضي قدمًا هكذا، فهي تحتاج إلى سياسات جديدة ووجوه جديدة، لقد انتهت مرحلة تاريخية مع سقوط (حماس المصرية)، لا بد من مراجعة شاملة للنهج بطريقة لا توفر الميثاق الداخليّ لـ(حماس) ذاته، لكن لنا عهد طويل بجمود البعض، وعجز الناس عن التغير، وأتوقع أن يقيلوا هذه الفتاة قريبًا كي يتحوصلوا في دفء الرطوبة المتقادمة التي ارتاحوا بها 20 عامًا، إلا إذا قرروا أن يفاجئونا!"
وفيما يلى نص المقابلة مع المدلل:
■ كيف ترين تجربتك كأول متحدثة رسمية في حكومة "حماس"؟
- لست أول امرأة في حكومة "حماس"، فهناك وزارة لشؤون المرأة، وعدد من العاملات والناشطات، لكن لا شك أن تولي امرأة هذا المنصب خطوة إيجابية جدًا من حكومة غزة، وبالنسبة لي العمل الصحافي في غزة كان خطرًا، ولا أمان فيه، وبالتالي انتقالي من مهنة صعبة لتولي مهمة أصعب منها ليس بالشىء الغريب، خصوصًا أنني أم ومطلقة ولاجئة فلسطينية تُعاني مثلما يعاني الباقون.
■ لماذا استغرق تفكيرك في قبول المنصب عامًا كاملًا؟
- في البداية رفضت، ليس لكون المنصب رسميًا، ولكن لأنني مرتبطة كثيرًا بالشاشة، وكنت أنظر إلى الكاميرا بشغف، وبالتالي كان حلمي دائمًا أن أمارس مهنتي فى إعداد وتقديم البرامج، ولكني حاليًا في مهمة أكبر، لذلك لم أحزن لترك وظيفتي من أجل العمل كمتحدثة رسمية باسم "حماس".
■ كيف استعددت لتسلّم مهام منصبك الجديد؟
- أحضّر نفسي منذ شهر نفسيًا، وبالنسبة إلى المهارات والقدرات فأنا إعلامية، وأمارس عملي أمام الكاميرا منذ 3 سنوات، لذا قطعت أكثر من نصف الطريق، وحاليًا أستعد للحصول على دورات في السياسة والدبلوماسية، والقانون الدولي الإنساني، وأعتبر نفسي في مرحلة تطوير ودراسة وبحث وقراءة، فعلىّ أن أكون دقيقة، كما أركز بشكل كبير على الاتفاقات والبنود القانونية، وبما أنني لا أنتمى إلى حركة "حماس" فيجب علىّ معرفة أيديولوجية الحركة لكي أستطيع التحدث باسمها.
■ كلامك يدلّ على إدراكك صعوبة المهمة لتغيير صورة "حماس" لدى الغرب كحركة إرهابية، فكيف ستغيّرين هذه الصورة؟
- أنا لاجئة فلسطينية، وأحمل قضية، وحياتي جزء لا يتجزأ من حياة الشعب الفلسطينيّ، فأنا أمثل وجه المرأة الفلسطينيّة، فهل وجهي يدلّ على أنني إرهابية؟، هل تعتقدين أن "حماس" عندما تدافع عن شعبها يكون هذا إرهابًا؟، "حماس" حاليًا تدافع عن نفسها فهل هذا إرهاب؟، القانون الدوليّ يمنحنا الحق في أن ندافع عن أنفسنا، بينما تأتي إسرائيل المجرمة الأولى، لتسلبنا هذا الحق، والصورة الفلسطينية لدى الغرب تحتاج توضيحًا أكثر من التغيير، فأنا أدعو أي شخص لديه صورة مغلوطة أن يأتي ويعيش في المخيم، ويرى بنفسه، فالإعلام الإسرائيليّ يعمل ليل نهار لتزييف الصورة، ولكن أقول للجميع إن أصحاب الحق هم أصحاب الحقيقة، وبالتالي لا أجد صعوبة في ذلك.
■ هل كان تعليمك في الخارج سببًا في وصولك إلى مثل هذا المنصب؟
- بالطبع، ولكن ليس فقط لإتقاني اللغة، فقطاع غزة معروف بأنه متعلم جدًا، ونكاد لا نجد شخصًا واحدًا غير متعلم في المخيم، لكن تعليمي في الخارج أثر على فهمي للثقافة الأوروبية، وكيفية توصيل الرسالة ومضمونها، وبالتالي كان من المهم جدًا الانفتاح الثقافي وطريقة توجيه الخطاب بالمنطق والحجة، فضلًا عن أن السفر مفيد جدًا في ذلك، فإن لم أذهب إلى الغرب لما كنت بهذه العقلية المنفتحة، فأنا أنظر إلى إسرائيل حاليًا بشكل مختلف، ومن هذا المنطلق لن أورّط نفسي في مواقف سياسية، فأنا لي مواقفي الخاصة، ولن أنطق سوى بما أنا مؤمنة به.
■ أليس غريبًا أن يتم اختيارك وأنت غير منتمية إلى حركة "حماس"؟
- لست منتمية إلى "حماس" أو أي فصيل سياسي آخر، فأنا لا أؤمن بالأحزاب، ولكني أحترم الأحزاب الفلسطينية كلها، أنا فلسطينية لاجئة، وهمّي توصيل القضية الفلسطينية إلى العالم.
■ هل كنتِ ستقبلين بمنصب مُشابه في حكومة رام الله؟
- كنت سأقبل ذلك في حكومة وحدة وطنية وفقط، ولن أزيد على ذلك.
■ حكومة حماس تمنع الصحافيين من التعامل مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، فما موقفك من ذلك؟
-هناك الكثير من الآراء بشأن هذا الموضوع، ولكن مهما اختلفت الآراء علينا اتباع السياسة الموجودة والمعممة على الجميع، والإعلام الإسرائيليّ أثبت للجميع أنه غير موضوعيّ، وأنا لا أعترف بهذا الإعلام، بغض النظر عن أنه لا يخدم سوى أهدافه بقلب الحقائق بشتى الطرق.
■ ما رأيك في أداء حكومة "حماس" في قطاع غزة؟
- ربما أداء حكومة "حماس" يُقيّم بأوجه عدة، واختلف من بداية الحكم وحتى الآن إلى الأفضل طبعًا، لأن هناك خبرة اكتسبتها حكومة غزة، فقد انتقلت الحركة من الميدان إلى السلطة، وأخذت وقتًا طويلًا حتى تتعلم، وتجيد مهارة الإدارة والسلطة والفن التشريعيّ، فتجدين مثلًا كفاءات قليلة، وهناك أخطاء فردية كثيرة جدًا كانت في الحركة والحكومة تحديدًا، ولن أتحدث عن الحركة، لأنها تعمل في المقاومة والدعوة بشكل كبير، فمثلًا هناك الكثير من الاعتصامات والاحتجاجات في ميدان الجندي المجهول الشبيه بميدان التحرير، ومنذ أيام قليلة قمعت الشرطة تظاهرة، وهذا شىء غير مبرر، ودائمًا يبررون تلك الأعمال بالأخطاء الفردية، وهذا غير مسموح، والشعب لديه الكثير من الشكاوى تتعلق بالحرية، فالحرية مقيّدة في قطاع غزة.
■ وهل هذا التقييد بسبب الحكومة ؟
- أعتقد أن الثقافة المجتمعية هي المقيّدة للحريات، فعلى سبيل المثال هناك فرص كثيرة أمام المرأة لكي تحتل مناصب حكومية كثيرة، فـ"الأنروا" التابعة للأمم المتحدة بها مديرات، وهناك 5 محافظات في غزة يترأسها رجال، ما عدا أمي المديرة التعليمية في رفح، فلماذا ليس هناك غيرها، فذلك لا علاقة له بالحكومة، بل له علاقة بالثقافة المجتمعية، فالمجتمعات العربية ذكورية وتضع المرأة في مكان محدد لها.
■ ولكنكِ أشرت إلى إن الشرطة قمعت التظاهرة؟
- المبرر أنها لم تحصل على تصريح من الشرطة، ولكن أنا متأكدة أن "حماس" كانت ستوافق.
■ نشأتِ في مصر، فما رأيك في الأوضاع الحالية، خصوصًا بعد 30 حزيران/يونيو؟
- دائمًا أقول إنني أتمنى العيش في مصر، لأن مصر منبر للفن والأدب والموسيقى والحياة، وهي بالفعل أم الدنيا، ولكن ما يحدث في الإعلام المصرى شىء مؤسف، فأنا لا أنتمي إلى أي حزب سياسيّ، ولست "إخوانية"، لكنني أرفض بشدة كل ما يحدث ضدهم من انتهاكات واعتقالات وشتائم وأذى، وأتمنى أن تكون الفترة المقبلة أفضل، ولكن أخشى أن يبقى الوضع على ما هو عليه، لأن التظاهرات مستمرة، وأكاد لا أجد محافظة في مصر ليس بها تظاهرات ترفع "شعار رابعة"، فكيف أكذّب ما أرى؟ أنا لا أختلف مع أية مؤسسة، ولكن أشكّل قناعاتي من منطلق الأخلاق، إذا أنت مخرّب للبلد فأنت مرفوض، أما إذا كنت تحمل ما تحمل من أفكار ومعتقدات، وتميل إلى مصالحة الآخر والإعمار فأنا معك.
في أيام رمضان كنت لا أنام، وأتابع الأخبار وأبكي، فهل الذين كانوا يفعلون ذلك يهودًا أم عربًا، فما حدث هو انقلاب عسكري واضح جدًا، فالحياد غير مقبول في وجود العنف، وأنا ضد العنف الموجود في مصر من أي طرف، وعندما ذهبت إلى مصر في عهد مرسى لم يكن هناك أمان، وكانت هناك بلطجة، ولم يكن هناك حتى شرطي واحد، وأنا شخصيًا لم أكن راضية عن وصول محمد مرسي إلى الرئاسة، وربما تختلف الحكومة في غزة عني في ذلك.
■ وما وجه اعتراضك على وجود مرسي رئيسًا لمصر؟
- لأنه صعب جدًا أن تأتي بأحد لم يكن في السلطة ليصبح رئيس دولة، فضلًا عن أنه أتى بالفريق أول عبدالفتاح السيسي وزيرًا للدفاع، ألم يكن يدرك تاريخه، وهو الذي نشأ منذ طفولته على أفكار جمال عبدالناصر، وعلى نهج العسكرية.
■ قد يكون الإعلام في "حماس" مستفزًا لقطاع كبير من الناس في مصر، فهل أنت مهتمة بتغيير هذه الصورة؟
- التغيير في هذا الوقت صعب، لأنه يوجد طرف غاضب، وأرى كمّ الغضب والعنف والحقد، وكمّ التزييف والمخاطبة غير المهنية في الإعلام، الذي أصبح سلطة أولى في مصر تحرّك كل شىء، كما أننى لم أكن سعيدة أبدًا بالإعلام في عهد مرسي مثلما كان يحدث من جانب قناتي "الرحمة" و"الناس"، وأعترض على كثير مما يأتي فيهما، والإعلاميّ المفضل لدي هو باسم يوسف، فأنا من متابعيه، وذهبت إلى الاستوديو الخاص به، فهو رجل ذكي جدًا وإعلاميّ محترف.