الذكرى الـ 5 لحرب "الرصاص المصبوب" الإسرائيليَّة على غزَّة

غزة – محمد حبيب يُصادِف الجمعة السابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2013 الذكرى السنوية الخامسة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي استمرت اثنين وعشرين يومًا اقترف خلالها العدو الإسرائيلي النازي جرائم إبادة في حق الإنسانية، وخلفت حرب "الفرقان" ما يزيد على ألف وخمسمائة شهيد وخمسة الآف جريح حيث شنت حكومة الاحتلال التي كان يتزعمها ايهودأولمرت، حربها على قطاع غزة لتحقيق جملة من الأهداف السياسية والعسكرية أبرزها اسقاط الحكومة الفلسطينية، وتدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية في القطاع المحاصر.
فقبل خمسة أعوام، في السابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر للعام 2008، ومع دقات عقارب الساعة الحادية عشر ظهرًا، حلّقت أكثر من ثمانين طائرة في سماء غزة، قصفت مقرات لوزارة الداخلية، وأخرى تابعة للحكومة، ومواقع لكتائب القسام والفصائل الفلسطينية، لتوقع 200 شهيد، وأكثر من 700 جريح.
حرب "الفرقان" كما أسمتها المقاومة، أو (الرصاص المصبوب) على تسمية الاحتلال لها، هي الاثنان وعشرون يومًا، التي شهدتها غزة بكل مآسيها، وعاشت من جديد جرائم إبادة في حق الإنسانية.
ويجد المتتبع لأول أيام الحرب أنها الأكثر وحشية في تاريخ الاحتلال, حيث بدأت العملية العسكرية باستهداف كل المقار الأمنية في قطاع غزة والمقار التابعة لحركة "حماس" باستعمال ما لا يقل عن 80 طائرة حربية.
وأدَّى القصف في ذلك اليوم إلى استشهاد أكثر من مائة من قوات الشرطة والأمن الفلسطينية فيما ارتفعت حصيلة الشهداء إلى أكثر من 420 وأكثر من 2000 جريح كثير منهم من أفراد الشرطة الفلسطينية.
واستخدمت إسرائيل في مجزرتها الكبرى القذائف والصواريخ والأسلحة المحرمة دوليًا أمام أعين العالم الذي وقف صامتًا يشاهد عمليات القتل المنظم، والفاشية الإسرائيلية.
ولم تسلم بيوت الآمنين، ولا المدارس والمساجد من صواريخ الاحتلال التي أبادت عشرات العائلات التي لاحقتها صواريخ الاحتلال وطائراته من مكان إلى آخر.
وأعلن الاحتلال على لسان رئيس وزرائه آنذاك، ايهود أولمرت، أن هدف الحرب على غزة هو تحقيق أهداف سياسية وعسكرية، وأبرزها "تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية في القطاع المحاصر, وإنقاذ شاليط".
وجاءت حرب "الفرقان" بعد انتهاء تهدئة دامت ستة أشهر، كان قد تم التوصل إليها بين حركة "حماس" وإسرائيل برعاية مصرية في حزيران/ يونيو 2008، حيث خرقها الاحتلال 162 مرة، ورفض رفع الحصار الذي يفرضه على القطاع، وبالتالي عدم قبول "حماس" بتمديد التهدئة.
واستمرت إسرائيل في قصف قطاع غزة جوًا وبحرًا وبرًا لمدة سبعة أيام من العدوان، وفي اليوم الثامن استدعى الاحتلال المزيد من قواته، وقرر التوغل نحو المجمعات السكنية.
وخلال العدوان استخدمت إسرائيل أسلحة محرمة دوليًا، منها قذائف فسفورية، وقذائف مغلفة باليورانيوم، وقذائف مسمارية، إضافة لصواريخ الطائرات الـ f16، والزنانة، والأباتشي، وحمم الزوارق البحرية بأنواعها، والدبابات الأرضية، وفق تقارير صحافية وخبراء أوروبيين.
من جانبها، قامت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها "كتائب القسام" بإفشال مخططات الاحتلال اسرائيلي بإنهاء حكم "حماس" المنتخبة من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كما فشل في إيقاف الصواريخ التي استمر انطلاقها من القطاع لتصل مناطق كانت للمرة الأولى تقصف كـ"أسدود" و"أشكول" و"المجدل" وغيرها من المدن المحتلة.
كتائب القسام أكدت - بعد معركة "الفرقان"-، بإحصائية لها أنها قتلت خلال المواجهات المباشرة مع الاحتلال 48 جنديًا، وجرحت ما يزيد على 411 آخرين، ونفذت أكثر من 53 عملية قنص للجنود "الإسرائيليين"، إضافة إلى الخسائر النفسية والاقتصادية الكبيرة والتى بلغت 2.5 مليار دولار.
وفشل الاحتلال في استرجاع الجندي الأسير وقتها لدى المقاومة غلعاد شاليط، والذي استبدلته المقاومة لاحقًا بأكثر من 1000 من الأسرى الفلسطينيين.
"الإبادة الجماعية"، كان العنوان الأبرز لـ(الرصاص المصبوب)، فقد استهدف الاحتلال منازل جماعية لعائلات فلسطينية، وقتل العشرات من ساكنيها دفعة واحدة، كما حدث مع عائلة الشهيد العالم نزار ريان، والقيادي الشهيد سعيد صيام، وعائلات السمونى، والداية، والدلو، والبطران، وغيرهم.
نكبة جديدة خلّفها الاحتلال الإسرائيلي بعدوانه على القطاع، راح ضحيتها 1430 شهيدًا، من بينهم (926 مدنيًا و412 طفلاً و111 امرأة)  و5450 جريح، و9000 مشرّد من بيته، و 224 مسجدًا مدمّرًا، و23 مرفقًا صحيًا، و 181 مدرسة تابعة لوزارة التعليم العالي، و26 مدرسة للوكالة، و67 روضة أطفال، و4 جامعات وكليات، و42 من مؤسسات الخدمة الاجتماعية، وسبب الاستهداف واحد "المسمّى فلسطيني".
ولم تسلم مقابر الموتى من صواريخ الاحتلال، فقصفت إسرائيل 5 مقابر، أدت إلى نبش القبور وتناثر الجثث والأشلاء خارجها.
وأقدم الاحتلال وفق المؤسسات الحقوقية، على تدمير 236 منشأة صناعية، 178 منها دمرت بشكل كلي ( 75%)، و58 منشأة أخرى أصيبت بأضرار جزئية (25%)، وتعمل هذه المنشآت في مختلف الأنشطة الصناعية.
ويُذكر أن هذه المجزرة جاءت بعد زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية أنذاك تسيبي ليفني لمصر، قبل العدوان بأقل من 48 ساعة، معلنة من القاهرة أن "إسرائيل لن تسمح بعد الآن باستمرار سيطرة حماس على غزة، وستغير الوضع".
ووجهت العديد من الاتهامات إلى المسؤولين المصريين ونظام مبارك بالتواطؤ مع إسرائيل في التخطيط للعملية.
وألقى وزير خارجية مصر العام 2009 أبو الغيط، اللوم على حركة "حماس"، وحمّلها المسؤولية في مجزرة الاحتلال للقطاع، وقال في تصريحات له "فليتحمل اللوم هؤلاء الذين لم يولوا هذا التنبيه أهمية"، قاصدًا "حماس".
الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، أعلن بتاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2008 بأنه لن يفتح معبر رفح من دون حضور السلطة الفلسطينية ومراقبين أوروبيين، وحمل حركة "حماس" المسؤولية عن الهجوم الإسرائيلي.
وفي حادثة غير مسبوقة فتحت قوات الجيش المصري النار على الفلسطينين عند محاولتهم اجتياز الحدود المصرية، الأحد 28 كانون الأول/ ديسمبر، للبحث عن مكان آمن، وأصيب عشرة فلسطينين، وتم نقلهم لتلقي العلاج داخل غزة .
وبعد 22 يوما من بدء المعركة، في 18 يناير 2009 انسحبت "إسرائيل" من قطاع غزة وأوقفت عملياتها بشكل أحادي الجانب، فيما أعلن الفلسطينيون أنهم انتصروا في معركة الصمود، دون أن يمكنوا الاحتلال من تحقيق أهدافه.
ويُشار إلى لجنة تقصي حقائق أممية زارت قطاع غزة بعد انتهاء الحرب وتوصلت بقيادة المحقق الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون إلى أن (إسرائيل) ارتكبت جرائم حرب ضد المدنيين في غزة، فيما رفضت الأخيرة التعامل مع اللجنة أو إدخالها الأراضي المحتلة.
ولا ينسى الشعب الفلسطيني قادته التي استشهدت في حرب الفرقان وعلى رأسهم وزير الداخلية والأمن الوطني سعيد صيام، والقيادي البارز في حركة "حماس" د. نزار ريان.
حيث استهدفت طائرات الاحتلال كلا القائدين في منزلهما ودمرت المنطقة المحيطة بالمنزلين، من دون أدنى وجه حق.
ولن ينسى الصغار قبل الكبار مشاهد الدم والخراب، وأصوات الصواريخ والانفجارات، ولن تغفر تلك القلوب الصغيرة التي كانت تهتز لأصوات القنابل الحاقدة، فذاكرة الحرب المؤلمة في عيون الغزيين وقلوبهم لا تغيب ولا تنتهي، ولا تمحوها الأيام.