جدة ـ سعيد الغامدي
تمثل "الغبقات" الرمضانية واحدة من أهم العادات الغذائية في شهر رمضان، التي امتاز بها أهالي الخليج العربي حتى باتت رمزا من رموز الشهر الفضيل.وعلى مائدة الغبقة يلتقي كل مساء عدد من قيادات الأعمال الكبرى من أجل توطيد التعارف ومناقشة قضاياهم الاقتصادية والاجتماعية، قبل أن يتحلقوا حول مائدة الطعام لتناول ما لذّ وطاب من المأكولات في الفترة التي تتوسط وقتي الإفطار والسحور، ويعتبرها البعض شبيهة بـ"غداء عمل رمضان".
وعلى الرغم من شهرتها فإنها لا تكون عادة كبيرة وموسعة كحال عزائم الإفطار الرمضاني التي تقوم بها الشركات والمؤسسات الكبيرة لموظفيها في إحدى ليالي الشهر الفضيل. وتهدف "الغبقة" إلى تعزيز الروابط بين الموظفين، وعادة ما تكون في أحد الفنادق، وتتكون من عدد محدود من الأشخاص، وكذلك الوجبات، وكل منطقة حسب تقليدها، فسكان المناطق الساحلية يفضلون تناول الأكلات البحرية، فيما يفضل آخرون اللحوم الحمراء أو البيضاء.
والغبقة الرمضانية تعرف بأنها تقليد تاريخي اجتماعي في الخليج، تعارف أهله على إحيائه منذ عقود، لكنها تطورت حيث إن الغبقة هي تناول إحدى وجبات شهر رمضان التي تقع بين وجبة الإفطار والسحور، ويجتمع عليها عادة الأشخاص المقربون جدا من بعضهم، كونها لا يمكن أن تحل مكان مناسبات الإفطار الجماعية، فيما يمكن أن يكتفي بها البعض لتكون مكان وجبة السحور، خصوصا في حال تناولها في وقت متأخر.
واختلفت الغبقة لدى الخليجيين في الوقت الحاضر عما كانت عليه سابقا، فالغبقة قديما كان ينظمها الأهل والأصدقاء في بيوتهم ويعتبرونها فرصة لتعزيزالترابط الاجتماعي بينهم، لكنها في السنوات الأخيرة باتت تقام في الفنادق، وفي حين كانت العائلات تتسابق على تجهيز أكلاتها، فهي اليوم تعد بأيدي طباخين متعددي الجنسيات، وتقام غالبا بين الساعة العاشرة ليلا والواحدة فجرا، بحيث يسهل على المدعوين تلبية الدعوة.
ويرى الباحث التاريخي والمختص في التراث عبد الخالق الجنبي أن أصل "الغبقة" في اللغة هو "الغبوق"، وهو عادة عربية قديمة معناها "الأكل المتأخر في الليل"، وكانت هذه العادة موجودة حتى قبل عصر الإسلام، والدليل ذكر الكثير من شعراء الجاهلية لها في قصائدهم، لكنها تطورت وأضيفت إليها بعض الأمور بعد أن تم إحياؤها بطريقة مختلفة في القرن العشرين، لكنها باتت، حاليا، من فعاليات شهر رمضان ولم تعد من تراث عصر قبل الإسلام، خصوصًا بشكلها الحالي، حيث تنظم - غالبا - في الفنادق الكبرى وافتقدت الكثير من رونقها الشعبي.
وتقول أم ناصر التي تعمل في مشروع لتجهيز الوجبات الشعبية «بالنسبة للغبقة يفضل أهالي الساحل الأسماك المقلية مع الأرز الأبيض، ويتوافر كذلك التمر واللبن أحيانا، أما المناطق الداخلية فعادة ما يفضل أهلها اللحم المطبوخ»، وبينت أن التطور الذي طرأ على الغبقات هو إضافة أكلات شامية على السفرة مثل التبولة والحمص وغيرهما من الوجبات الخفيفة عادة.
وتشير أم ناصر إلى أن الغبقة كانت منتشرة في القرى والأحياء القديمة بتناول ما يبقى من الطعام في وجبة الإفطار، حيث يتجمع الجيران في أحد المنازل لتناوله وتبادل أطراف الأحاديث، لكنها تطورت مع الزمن لتفقد الكثير من رونقها، خصوصا مع تدخل الفنادق بهدف الربح المادي، واعتبارها وجبة ثالثة تعوّض نفس العدد من الوجبات في أيام الفطر من السنة.