القاهرة ـ العراق اليوم
رغم تميز طراز “قصر البارون إمبان” الفريد بحي “مصر الجديدة” (شرق القاهرة)، وما يحتويه من تماثيل ومقتنيات أثرية نادرة، فإن ثمة قطعًا محددة تجتذب زوار القصر الذي تم افتتاحه رسميًا لأول مرة أمام الجمهور في بداية شهر يوليو (تموز) الماضي، ومن بينها التماثيل المستوحاة من الحضارة الهندية والأوروبية وبعض مقتنيات حي مصر الجديدة الذي تم تأسيسه بالتزامن مع القصر شرق القاهرة منذ نحو قرن من الزمان.
العراقة والفخامة اللتان ترسمان ملامح المشهد الخارجي للقصر تثيران فضولًا لا حدود له، بينما الخطوات الأولى داخل الحديقة الشاسعة تجعل الزوار يخلعون طواعية رداء “الأحكام المسبقة” ويستسلمون لما تثيره تماثيل “بوذا”، و”الحيوانات الأسطورية” التي تعد جزءًا من الثقافة الهندية، وتطرح أسئلة تتجاوز حدود المعلومات التاريخية.
ويشهد القصر منذ افتتاحه إقبالًا غير مسبوق، شمل فئات متنوعة من المصريين والأجانب، والزيارات الرسمية للشخصيات الرفيعة، معظمهم مدفوع بفضول التعرف على تفاصيل القصر من الداخل بعد إغلاقه عقود طويلة، وفقًا للدكتورة بسمة سليم مدير قصر البارون إمبان، والتي تقول لـ”الشرق الأوسط” إن “إغلاق القصر لفترة طويلة زاد فضول الناس ودفعهم للحرص على رؤيته من الداخل، وتركز اهتمام وأسئلة معظم الزوار على عمارة القصر وتاريخه، والتماثيل وعربات الترام القديمة التي يضمها”.
ويعود تاريخ القصر إلى عام 1911؛ حيث بناه البارون البجليكي إدوارد لويس جوزيف إمبان (1852 - 1929)، مؤسس حي مصر الجديدة بالقاهرة، واستوحى المصمم المعماري الفرنسي ألكساندر مارسيل، فكرة القصر المقام على مساحة تبلغ 12.5 ألف متر، من معبد أنكور وات في كمبوديا ومعابد أوريسا الهندوسية؛ حيث صمم القصر بطريقة تجعل الشمس لا تغيب عنه، ويتكون من طابقين وبدروم، وبرج كبير على الجانب الأيسر يتألف من 4 طوابق.
وتكلف مشروع ترميم وتطوير القصر الذي استغرق نحو 3 سنوات، نحو 175 مليون جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل نحو 16 جنيهًا مصريًا) ليُفتح أمام الجمهور لأول مرة كمزار سياحي وأثري ومتحف مفتوح يحكي تاريخ حي مصر الجديدة.
يوسف عز العرب، مدير العلاقات العامة بالقصر يقول لـ”الشرق الأوسط” إن “الطراز المعماري الفريد للقصر الذي يجمع بين حضارات وثقافات مختلفة أضفى عليه مزيدًا من الغموض، وأثارت تماثيل بوذا، والتماثيل الخاصة بالحضارة الهندية أسئلة عديدة لدى الزوار تجاوزت حدود الأسئلة التاريخية إلى أسئلة ثقافية تبحث عن معلومات أكثر عمقًا، كما أثار وجود مصعد وحوض استحمام استغراب الكثيرين بسبب قدم تاريخ إنشاء القصر، وبالطبع دارت بعض الأسئلة بشأن الشائعات والخرافات المحيطة بالقصر، وسأل كثيرون: أين السرداب؟ وأرادوا رؤية غرفة الدم، كما سألوا ما إذا كانت (العفاريت) تظهر نهارًا أم ليلًا فقط؟”.
ومَثل افتتاح القصر فرصة لسكان مصر الجديدة لاستعادة ذكرياتهم مع تاريخ الحي الراقي خلال زياراتهم التي تتمتع بقدر كبير من الخصوصية، وفق عز العرب الذي يضيف أن “زيارات سُكاّن مصر الجديدة تتمتع بخصوصية كبيرة، فهم يتبادلون الذكريات عن تاريخ الحي، ويدخلون معنا في نقاشات عن الكثير من التفاصيل، ويتذكر كبار السن منهم أسماء العديد من الشوارع التي تم تغييرها، ومعالم المنطقة والقصر، ويستطردون في استعادة ذكرياتهم عن الكثير من التفاصيل التاريخية”.
وعلى هامش معرض “هليوبوليس... مدينة الشمس” الذي يستضيفه القصر، أصدرت وزارة السياحة والآثار كتيبًا ثقافيًا بعنوان “حكاية مصر الجديدة” باللغتين العربية والإنجليزية، ويضم الكتيب قسمين رئيسيين، الأول يتناول الأحداث التاريخية، والشخصيات الرئيسية التي أسست ضاحية مصر الجديدة، ويضم القسم الثاني معلومات جديدة وحقائق علمية غير معروفة عن القصر وتاريخ المدينة، حيث يُقدم محتوى تاريخيًا في شكل قصصي للتراث غير المادي لمدينة هليوبوليس، كما يضم رسومات إيضاحية، وصورًا أرشيفية ومشاهد تخيلية بين أبطال القصة (مؤسسي حي مصر الجديدة).
وبسبب الإقبال الشديد على زيارة القصر، قررت وزارة السياحة والآثار المصرية الشهر الماضي، استمرار تطبيق المواعيد الاستثنائية لفتح القصر من الساعة 9 صباحًا وحتى الساعة 6 مساء، وذلك لحين إشعار آخر، مع الاستمرار في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس “كورونا”، ويسمح ببيع 900 تذكرة فقط يوميًا كحد أقصى بواقع 100 زائر كل ساعة. ماهر الجندي، اختصاصي اجتماعي، مقيم في ضاحية المعادي (جنوب القاهرة)، حرص على اصطحاب عائلته لزيارة قصر البارون، قائلًا لـ”الشرق الأوسط”: “بعد سنوات من اعتيادي أنا وأسرتي على زيارة المتاحف والمعالم الأثرية، أثار الإعلان عن افتتاح قصر البارون فضولنا بشدة، وعندما جئنا إلى القصر فإن أكثر ما لفت انتباه أبنائي خلال الزيارة، كانت تماثيل الحيوانات الأسطورية، بجانب هيبة المكان، وطرحوا الكثير من الأسئلة عكست اندهاشهم من مساحة القصر وعمارته”.
قد يهمك أيضًا
"الإسكندرية القومي" يحتفل بتمثال مُؤسِّس المدينة الإسكندر الأكبر