بيروت ـ غيث حمّور
غيّرت شركات الإنتاج السينمائية الهوليوودية استراتيجتها، حيث وضعت الأولولية للأفلام التي تعتمد تقنيّة البعد الثالث "3D"، بعد ما عانت منه دور العرض من انخفاض ملحوظ في عدد مرتادي الصالات، لاسيما في أميركا، نتيجة تفضيل المشاهد لأقراص الـ"دي، في. دي."، أو على أقل تقدير شاشات الفضائيات، التي بدأت تتسابق لتقديم أفضل الأفلام، وأحدثها.
وأوضح الخبراء السينمائيّون أنّه على الرغم من أن تقنية السينما ثلاثية الأبعاد ظهرت منذ خمسينات القرن الماضي في هوليوود، لاسيما عبر فيلم "كريتشر فروم ذي بلاك لاغون" للمخرج جاك آرنولد، وتبني شركة "ديزني" للأفلام المتحركة ثلاثية الأبعاد، ولكنها لم تستطع، خلال نصف قرن، أن تفرض نفسها بشكل دائم على الساحة السينمائية العالمية، نظراً لتوجهّها للطفل، لكن منذ العام 2000 أخذت هذه الظاهرة بعداً آخر، حيث بدأت هذه النوعية من الأفلام في استقطاب مختلف الأعمار والأجناس، مع تطوير طرق المشاهدة بشكل كبير.
ويعتبر الخبراء أنّ نقطة التحول الحقيقية للسينما الثلاثية الأبعاد بدأت منذ عام 2000 تترسخ بشكل كبير في هوليوود، وذلك بغية مواجهة أزمة ابتعاد الجمهور عن دور العرض، والتي دفعت شركات الإنتاج الضخمة، ومنها ديزني، ودريم وورك
، وبيكسار، وغيرها، لاستخدام تقنية الأبعاد الثلاثة، وإنتاج أفلام تعتمد هذه التقنية، بغية إحتواء الأزمة، لاسيما أنّ احتياجات السينما ثلاثية الأبعاد التكنولوجية لا تتوفر في العرض المنزلي أو التلفزيوني، وهو ما أضاف سبباً جديداً للمشاهد للعودة إلى الصالات، التي جهزت بتكنولوجيا متطورة لهذا الغرض، منها النظارات.
ويرى رئيس "وولت ديزني" مارك زورادي أنّ "ثمة رجوع فعلي إلى تقنية الأبعاد الثلاثة، بفضل التكنولوجيا الرقمية، التي سمحت بأن تكون أكثر دقة وإشراقاً على الشاشة، موفرة للجمهور انطباعاً أفضل"، مشيرًا إلى أنّ "هذا يوفر للمشاهد سبباً إضافياً للذهاب إلى السينما، بغية أن يحصل على شيء لا يمكنه الحصول عليه في المنزل، وهذه الظاهرة ستدوم"، فيما بيّن الرئيس التنفيذي لشركة "دريم ووركس" جيفري كاتزنبيرغ أنّ "صناعة الأفلام ثلاثية الأبعاد تعد أعظم الابتكارات التي تحدث في صناعة السينما منذ سبعين عاماً".
ويلفت الخبراء إلى أنّ الأعوام الأخيرة شهدت إنتاج عدد كبير من الأفلام الثلاثية الأبعاد، واستقطبت هذه الأفلام عدداً من المخرجين السينمائيين الكبار، ومن بينهم بيت دوكتير، وفيل لورد، وكريس ميلر، وجيمس كاميرون، وغيرهم، ولم يقتصر هذا الاستقطاب على المخرجين، بل امتد ليصل إلى أهم الممثلين الهوليوديين، الذين قاموا بالأداء الصوتي لشخصيات تلك الأفلام، مثل أنجلينا جولي، وبراد بيت، وداستن هوفمان، وجيم كيري، وإدوارد آزنر، وإيلي دوكتير، وبيل هادير، وآنا فاريس، وجميس كان، وغيرهم.
ويؤكّد الخبراء أن هذه الأفلام حصدت أرقامًا خيالية على شباك التذاكر، من بينها "شريك" بأجزائه الثلاثة، و"بولت"، و"إي غور"، "الحائط إي"، "كنفو باندا"، "عصر الجليد" في أجزائه الثلاثة، وغيرها من أفلام الأبعاد الثلاثية، مشيريرن إلى أنّ "هذا الإقبال الكبير من طرف الشركات والنجوم والمخرجين على تقديم سينما الأبعاد الثلاثة توّج بافتتاح أحد المهرجانات السينمائية العالمية، للمرة الأولى في تاريخ المهرجانات الدولية، وهو مهرجان كان الفرنسي 2009 في فيلم (UP)، والذي رأى النقاد أنه يتوجه بخطى ثابتة ليكون بين قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما على الإطلاق".
ويبيّن الخبراء أنَّ الاعتراف العالمي بهذا النوع من الأفلام السينمائية قوبل من طرف شركات الإنتاج بزيادة في الجرعة الإنتاجية من الأفلام، حيث لم يمر شهر دون تربع أحد أفلام المتحركة ثلاثية الأبعاد في مقدمة شباك التذاكر العالمي، ولم تقل إيرادات هذه الأفلام عن 300 مليون دولار أميركي للفيلم الواحد، وهو ما عجز عنه عدد كبير من الأفلام السينمائية الأخرى.
وأضاف الخبراء أنَّ "ظاهرة الأفلام ثلاثية الأبعاد دفعت العديد من العاملين في السينما في العالم إلى تقديم تجارب مشابهة، فلم يقتصر هذا النوع على الأفلام الهوليوودية، حيث قدمت بعض الدول الأوروبية عدداً منها، كفرنسا وألمانيا، كما أنَّ اليابان والصين اتجهت في الآونة الأخيرة لإنتاج هذا النوع من الأفلام، كما حُدّثت جميع الصالات في أوروبا وآسيا لتقديمها".
وعلى الصعيد العربي، يتابع الخبراء "لم يقدم حتى الآن أي فيلم من هذا النوع، ويعود ذلك لغياب الإمكانات التكنولوجية اللازمة من جهة، ولكلفتها الإنتاجية الضخمة من جهة أخرى، كما رافق هذا الغياب عدم عرض الإنتاجات الهوليوودية أو العالمية لهذا النوع من الأفلام في الصالات العربية بطريقة الـ(3D)، لنقص المعدات التكنولوجية اللازمة، حيث عمدت الصالات العربية لعرضها بالطريقة العادية (المسطحة)، وهذا ما أفقدها الكثير من تميزها وبريقها".
ويستطردون "الأعوام الأخيرة شهدت تطوير عدد من أصحاب صالات السينما لدور عرضها، بغية أن تتناسب مع متطلبات أفلام ثلاثية الأبعاد، حيث بدأت صالات الخليج بعرض الأفلام الثلاثية الأبعاد، كما بدأت بعض الصالات المصرية، أخيراً، في عرض تلك الأفلام، وربما يكون التطوير الذي حصل في صالات العرض الخطوة الأولى لإنتاج أفلام عربية ثلاثية الأبعاد، في المقبل من الأيام".