عمان - العرب اليوم
لا يعاني الأطفال العاملون في الأردن من حرمان في التعليم ونهب لطفولتهم، بل إنهم يتعرضون أيضا إلى عنف جسدي ونفسي قد يخلق شخصية غير متزنة، كما يؤكد الخبراء. وهناك محاولات للحد من هذه الظاهرة المتعمقة في المجتمع. تظهر دراسات حول عمالة الأطفال في الأردن أرقاما كبيرة لأعداد الأطفال العاملين بمستوى 50 ألف طفل، ومن بين هؤلاء الطفل سمير الذي لم يتجاوز عمره 15 ، حيث دخل سوق
العمل قبل 3 سنوات.
مثل غيره من الأطفال، حيث بدت على ملامحه علامات الخوف. ويقول سمير إن لديه 5 أشقاء، ووالده عامل بناء، مضيفاً أنه "حرم نفسه من الدراسة لمساعدة أبيه" على مصاريف الحياة. عمل في البداية كبائع متجول تحت أشعة شمس الصيف الحارقة وخلال أشهر الشتاء القارصة. ثم بدأ عملا قبل عام في "كراج" لدهان السيارات ، حيث اعتاد على سماع الإهانات اللفظية من رب العمل.
وتقول شيرين الطيب، رئيسة قسم مكافحة عمالة الأطفال في وزارة العمل إن بعض أرباب العمل يقدم على تشغيل الأطفال، بسبب تدني أجورهم بالإضافة إلى التخلي عن الشروط والالتزامات المتعلقة بالتأمين الصحي والاجتماعي والضرائبي أو مطالب خاصة بتوفير ظروف وشروط عمل ملائمة.
وتؤكد الطيب أن فرق الوزارة تقوم بزيارات تفتيشية دورية من منطلق حماية الأطفال الذين دفعت بهم الظروفهم الاقتصادية والاجتماعية إلى ترك مقاعد الدراسة مبكرا. وتشير إلى أن وزارة العمل تقوم حاليا بالتنفيذ التجريبي للإطار الوطني لمكافحة عمل الأطفال الذي يهدف إلى إيجاد "وثيقة عمل مرنة" تساعد الجهات المعنية على التعامل مع حالات عمل الأطفال إضافة إلى وضع "منهجية نظرية وعملية" للتعامل مع الأطفال العاملين وبناء شبكة من الشركاء بهدف دعمهم.
من جهته يقول الدكتور فواز الرطروط، الناطق الإعلامي باسم وزارة التنمية الاجتماعية، أن نتائج الدراسات حول عمالة الأطفال في الأردن تظهر على اختلاف منهجياتها بأن عدد الأطفال العاملين يتراوح ما بين 30 ألف إلى 50 ألف طفل مشيرا إلى أن وزارته بادرت إلى اعتبارالقضاء على ظاهرة عمالة الأطفال من أحد أهداف الاستراتجية الوطنية لمكافحة الفقر بين 2013-2020 .
ويضيف الرطروط أن الوزارة تسعى إلى ضبط "التشريعات المنظمة لعمل الأطفال"، من خلال تحديث تلك التشريعات بغرض القضاء على عمالة الأطفال وتنظيم حملات شاملة لمكافحة عمالة الأطفال بين سن 5 و17 سنة ولإعادة "تأهيل الأطفال العاملين" من خلال إلحاقهم بالمراكز التدريبية والتعليمية.
الدكتورة نجوى عارف الأخصائية الاستشارية الأسرية تشير في حوار مع DW / عربية، إلى أن الاطفال العاملين يتعرضون إلى العنف الجسدي واللفظي والنفسي، كما يتعرضون لسلوكيات غير سليمة مثل التدخين والإدمان والتحرش "فالشارع يسرق طفولتهم".
الفقر أو عدم المسؤولية
وتضيف أن الأطفال العاملين يتعرضون إلى بعض الإصابات نتيجة عدم وجود خبرة مهنية وعدم اكتمال نموهم الجسمي خاصة وأنهم يعملون احيانا في مهن خطرة في البناء وفي النجارة وغيرها. " وقد يخلق كل ذلك شخصية حاقدة ضد المجتمع وعدائية".
وتعزو الدكتورة نجوى أسباب عمالة الاطفال إلى الجانب الاقتصادي بسبب فقر الأسرة أو "تخلي الأب عن مسؤولياته الوالدية"، إضافة إلى عدم الذهاب الىالمدرسة والتفكك الأسروي وكذلك العنف الأسري الذي قد يؤدي إلى هروب الطفل إلى الشارع اعتقادا منه أن "الشارع أرحم من الأسرة".
وتطالب الدكتورة نجوى بضرورة سن قوانين تعاقب الأولياء الذين يضعون أبناءهم في مثل هذا الوضع، وكذلك بضرورة توفير فرص تدريب الأطفال غير الموفقين في الدراسة أويفضلون اكتساب مهارات يدوية، إضافة الى معاقبة أرباب العمل الذين يستغلون الأطفال بسبب الأجور المتدنية.
أما الدكتور محمد الحباشنة، المستشار النفسي والاجتماعي فيقول، إن المطلوب هو أن يذهب الأطفال الى المدرسة ويكتسبوا طفولتهم، وإذا لم ينتقلوا إلى مرحلة لا تتناسب مع عمرهم ولا مع قدراتهم فقد يتم بناء شخصية "بشكل عشوائي غير مدروس". ويضيف أن هؤلاء الاطفال يرون بأن "الظلم قد طالهم" وجعل منهم "مكونات غير متكاملة "وبذلك ينظرون بعيون ساخطة وناقمة على كل شيء نشأ بطريقة تختلف عن نشأتهم البائسة".
ولمواجهة هذه الظاهرة المتعمقة التي يختفي وراءها من لا ضمير له، كما يقول الدكتور الحباشنة، هناك "حاجة إلى مواجهة مجتمعية مؤسساتية ممنهجة ترأسها سلطة قادرة على المنع والتغيير"لأنه وراء كل طفل عامل هناك "أب أو أم أو زوج متسلط يجبر على فعل ذلك". ويؤكد الدكتور الحباشنة على ضرورة عدم إغفال دور التوعية والعمل لصالح الطفل حتى يعيش فترة حياته الطفولية بشكل كامل.