الشارقة ـ محمد الأحمد
شهد عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، انطلاق فعاليات الدورة الـ13 من مهرجان المسرح الخليجي للفرق الأهلية، الذي تنظمه وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، مساء السبت، في مسرح قصر الثقافة بمشاركة 9 عروض مسرحيَّة تضم 6 عروض داخل المسابقة الرسمية، إضافة إلى 3 عروض إماراتية على هامش المهرجان.
وكرّم المهرجان، خلال حفل الافتتاح، القاسمي، باعتباره شخصيَّة العام المسرحيَّة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، ويأتي التكريم تقديراً لدوره الكبير في إثراء المشهد الثقافي الخليجي والعربي بالعديد من المؤلفات المسرحية ودعمه للحركة المسرحية على المستويات المحلية والخليجية والعربية.
وألقى القاسمي كلمة أوضح فيها، "يطرح المسرح قضية الإنسان الذي يبدو متوتراً بفعل نزاعات وصراعات ذات صبغة أخلاقية، الأسرة والدولة الدين والمجتمع، الطاعة والتمرد، كما أننا نجد فيه شعوراً قوياً بصروف الحياة وتقلباتها بتداول الأيام، بتناوب الأفراح والأتراح، ولكنه لا يتذمر من ذلك ولا ينظر إليه كمظلمة، وإنما يجابهه برؤية مضيئة عن عالم آخر، عالم الإيمان الذي لا يبليه الزمن، والذي يستحق وحده احترامنا وتقديرنا". وتابع "لنطرح على مسامعكم مشكلة جوهر الظاهرة المسرحية والعلامة المعقدة القائمة بينها وبين المجتمعات التي تنشأ فيها والموقف من العناصر الموجودة في بعض أشكال التعبير الفني والإنساني الأخرى. ونعرف عناصر التعبير الفني كما يلي، التراجيديا، فالرواية المأساوية (التراجيديا) بإثارتها مشاعر الخوف أو الشفقة لدى المتفرج تجعله يتحرر من الضغوط النفسية التي تفرج عن نفسها في شكل انفعال وتعاطف من العمل الدائر فوق خشبة المسرح (خوف غضب شفقة)، وفي نفس الوقت تنعش قواه، ويصبح مستعداً لتحمل المهام التي تتطلبها منه المدينة كمواطن، ويتمثل ذلك فيما سمي بتطهير النفس من لواعجها".
وأكّد أنّ "الدراما مزيج من الفن أو الأدب المسرحي في حالة تنطوي على تضارب عنيف وممتع بين قوى مختلفة برز هذا الفن في الغرب تحت تأثير التطورات السياسية والاجتماعية، أما في عالمنا العربي، فيرى البعض ممن ينتمون إلى التيار الذي يضع منزلة الإنسان في عنصري النزاع والصراع النابعين من موقع التمرد على الأمر الواقع أن الوعي الدرامي يتعارض مع العقلية العربية الإسلامية، وأن انعدام هذا الفن في أشكال التعبير الفنية العربية يرجع إلى عجز الفكر العربي عن ممارسة موقف الرفض والتمرد، وإلى سيادة النزعة التسليمية الإيمانية الدافعة إلى الرضوخ للأمر الوقع".
وأشار إلى أنّها "كلمة حق أريد بها باطل، أن أصحاب ذلك التيار من منطلق كرههم ومعاداتهم للإسلام وعجزهم عن استنباط أشكال فنية جديدة للتعبير عن قيم المجتمع العربي لجئوا إلى ذلك المنطق دون دراسة واقع الدراما في الغرب تحت تأثير التطورات السياسية والاجتماعية في القرن التاسع عشر، أما أنا فقد لجأت إلى دراسة الدراما تحت تأثير التطورات السياسية والاجتماعية قبل أن أكتب مسرحياتي التي عرضت منذ عدة سنوات، وكانت تمثلها أعمال كتاب مثل (هنري بيك) و(أكتاف ميربو)، التي ساهمت في الانتقال من المسرح الكلاسيكي إلى الدراما الرومنطيقية والأشكال المسرحية الحديثة، تحتذي الدراما الرومنطيقية في المقام الأول بالنموذج الشكسبيري بإعطائها الأولوية للتاريخ وبعنف المواقف وبحرية البناء السردي، وتجسد البطل الذي يواجه العالم يحاول أن يؤثر فيه، ولكنه يتحطم على صخرة قوانينه".
وأوضح "وأنا هنا أقدم للكتاب المعاصرين من كنوز التاريخ ليقوموا بإسنادها إلى الأحداث الراهنة لإيجاد شكل مسرحي واقعي يلزم أن تشبه أحداث المسرح التي تقع أمام أعيننا كل يوم". واستكمل "إننا بحاجة في هذه الأيام إلى عمل درامي يضع وجهاً لوجه عملاق النور وعملاق الظلام وتنتهي بهزيمة عملاق الظلام، مبرهناً على انتصار العلم على الجهل والحق على القوة الغاشمة وتفوق الخير على الشر".
وبدأت مراسم الحفل بكلمة لوزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، أكّد فيها "أنّ تكريم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، هو تكريم للإمارات جميعها، بل إنه تكريم لجميع المهتمين بالثقافة والفنون في منطقة الخليج كلها"، لافتاً إلى أنع رمز من رموز الأدب والفكر ومسرحي قدير وصاحب رؤية ثاقبة واطلاع واسع وإسهامات كبرى ذاع صيتها عبر الوطن العربي كله.
وذكر "أننا جميعاً نلمس في شخصية سموه الرفيعة الراعي الحاني دوماً على الجميع والحريص كل الحرص على دعم الأدباء والكتاب والفنانين في المنطقة العربية كلها كما أن تكريمكم سموه إنما هو في واقع الأمر تكريم للتكريم ذاته".
وأشار إلى "أننا نتقدم إلى سموه معا بفائق التحية والتهنئة لما نحظى به من فضل تكريمه في هذه الدورة الثالثة عشرة للمهرجان، باعتبار سموه شخصية العام في مجال المسرح على مستوى دول مجلس التعاون كلها، تقديراً وتمجيداً لجهود سموه المتعددة والمتلاحقة وسعي سموه الدائب والمتواصل لتطوير المسرح تأليفاً ودعماً ورعاية ومساندة للحركة المسرحية محلياً وخليجياً وعربياً بل وعالميا على السواء، ويكفينا فخراً أن نشير إلى عظمة الإبداع لديكم يا صاحب السمو لكم صولات وجولات في التأليف المسرحي أمثال مسرحيات (عودة هولاكو) و(القضية) و(الواقع صورة طبق الأصل) و(الإسكندر الأكبر) و(النمرود) و(شمشون الجبار) و(الحجر الأسود) و(طورغوت)، هذه الإبداعات القاسمية أمثلة رائدة ورائعة لما نود الإشارة إليه، والتي هي من وجهة نظري امتداد طبيعي لما أسستموه من مشروع ثقافي عظيم جعل من إمارة الشارقة وعن جدارة عاصمة للثقافة العربية وعاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2014".
ورّحب بالضيوف والمشاركين في المهرجان، وأكّد "أتطلع معكم إلى ما سنقوم به في هذا المهرجان من تكريم أقطاب المسرح في دول مجلس التعاون الخليجي، مهنئاً ومتمنياً للجميع استمرار العطاء والتميز باعتبار ما لهم من دور أساسي في تشكيل وجدان الأمة وإثراء حياة الفرد والمجتمع، بل وأيضاً في تعميق العلاقات الفنية والثقافية بين الأشقاء في منطقة الخليج، بل ومع المهتمين بالفنون في العالم كله".
وأوضح أنّ هذا المهرجان المسرحي لدول الخليج العربية هو نهر عطاء يتدفق يرتقي بفنون المسرح إلى آفاق واسعة من الإبداع والابتكار، كما أنه كذلك مناسبة تسلط الضوء على مسؤولية العاملين في مجال المسرح وما يتوقعه المجتمع منهم من القيام بدور الريادة في حفز الهمم والتنبيه إلى القضايا والمخاطر، مشيراً إلى أنّ الدور الذي يقدمه العاملون في المسرح هو دور نابع بالأساس من حرص دول الخليج على أن يكون الفن مرتكزاً على أخلاقيات راسخة وقيم رفيعة ومبادئ هادفة دوماً إلى إعلاء قيم الخير والحق والجمال.