دمشق-العراق اليوم
فشلت زينة أعياد الميلاد ورأس السنة التي ترتفع في مدينة دمشق على نحو غير مسبوق وفي عدة مدن وبلدات سورية، في تغيير المزاج العام للشارع السوري البائس، بل ازداد تجهماً وتوجساً من تدهور الوضع المعيشي، على وقع ارتفاع منسوب اليأس من تحسن الأوضاع الأمنية مع تأخر الحل السياسي.
قطار الانتصار الذي انطلق من باب توما في المدينة القديمة، مساء السبت، باتجاه حي القصاع نجح في نشر صخب الموسيقى والاحتفالات الشعبية، وجذب الأطفال لالتقاط الصور مع الدمى في لحظة ابتهاج مفتعلة لم تخفف من وطأة الفقر وانعدام القدرة الشرائية، إذ كادت تخلو المحلات التجارية من الزبائن حيث مر القطار رغم ما يبذله أصحابها من جهود لجذبهم، كالاستعانة ببابا نويل يقف عند الباب وينادي على البضائع المكدسة.
وعلى العكس تماماً من الرسالة التي أراد القائمون على فعالية «دمشق عاصمة الميلاد»، إيصالها، بأنه في «نهاية كل نفق مظلم هناك أمل ونور»، جاءت المبالغة بزينة الميلاد لهذا العام مستفزة لكل مشاعر اليأس من حصول انفراج حقيقي يضع حداً لبرامج تقنين الكهرباء التي ازدادت ساعاتها، مع تفاقم أزمات توفر وقود التدفئة والغاز المنزلي، وافتقاد عدد من المواد التموينية الأساسية مثل السكر وحليب الأطفال جراء الارتفاع الجنوني في الأسعار.
دمشق التي ابتلعت على مضض مظاهر الزينات السابقة، لا تبدو أنها قادرة على ابتلاعها هذا العام أيضاً، وليست مستعدة لعيش أزمة اقتصادية خانقة كالتي عاشتها بداية العام الماضي عندما شلت الحركة لنحو شهرين بسبب عدم توفر وقود السيارات والعديد من المواد التموينية. بدأت دمشق تتململ، وشهدت أحياء ركن الدين وشرق ركن الدين وساحتا شمدين والميسات وحديقة شكو وشارع أسد الدين، إلقاء منشورات تتضمن عبارات تطالب النظام بالإفراج عن المعتقلين، والالتفات لتحسين الوضع المعيشي والخدمي، والكف عن الاستفزاز الطائفي من العبارات، ورفض الوجود الإيراني والروسي. ومن العبارات التي تضمنتها المنشورات: «بدنا غاز ومازوت وكهربا وبنزين وكل مقومات الحياة» و«المعتقلين أولاً...كلون يعني كلون»، و«سوريا للسوريين مو للروس والإيرانيين»، و«لا للطائفية بالمدارس والدوائر الحكومية وبالشوارع وبكل مكان دبحتونا».
على الفور عادت مظاهر الاستنفار الأمني إلى شوارع الأحياء التي ألقيت فيها المنشورات، كما لوحظ انتشار كثيف للشرطة العسكرية في ساحة الأمويين التي تم تزينها بمناسبة الميلاد ورأس السنة لأول مرة في تاريخها، وعلى نحو أقل كثافة انتشرت العناصر الأمنية والعسكرية في ساحتي العباسيين وباب توما. وفق ما ذكرته مصادر محلية في العاصمة لـ(«الشرق الأوسط») التي قالت إن ريف دمشق شهد خلال الأيام الأخيرة توترات عدة، ففي بلدة كناكر في الغوطة الغربية خرجت مظاهرة مناهضة للنظام، مع انتشار كتابات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين على الجدران، أعقبها هجوم على حاجز للمخابرات الجوية. وفي مدينة دوما شنت قوات النظام حملة مداهمات واعتقالات عقب إطلاق نار على حاجز «أمن الدولة» عند الدوار الطبي، وكتابة شعارات ضد النظام على جدران إحدى المدارس التي تم إغلاقها. كما انتشرت كتابات مماثلة في بلدات جديدة عرطوز وبيت جن ودير ماكر والدناجة، في ريف دمشق الغربي أعقبتها حملات اعتقال للشباب.
واعتبرت المصادر توزيع المنشورات في دمشق حيث تشتد القبضة الأمنية، مؤشراً إلى أن «الداخل السوري لم يعد يحتمل مزيداً من الضغوطات والسلوكيات الاستفزازية من قبل الحكومة التي تريد تغطية عجزها وفشلها في إنقاذ الاقتصاد باحتفالات وكرنفالات مستفزة. فمن غير المقبول أن تغرق غالبية أحياء دمشق في ظلام دامس بينما يعاني أهلها من البرد القارس، في الوقت الذي تهدر فيها الكهرباء العامة في تزيين الساحات». ولفتت المصادر المحلية أن أهالي أحياء باب توما والقصاع والعباسيين المعنيين بهذه الاحتفالات، «ليسوا ممتنين لتحويل مناطقهم إلى ساحات احتفالات شعبية فوضوية، لتأكيد أكاذيب وأوهام عن واقع المسيحيين في سوريا الذين هاجر أكثر من 50 في المائة منهم خلال الحرب».
ويقوم فريق «سابرو» الشبابي السرياني التطوعي بتنفيذ مشروع «دمشق عاصمة الميلاد» على ثلاث مراحل تكتمل في العشرين من الشهر الجاري، مستفيداً من الاهتمام الشخصي للرئيس الأسد وعقيلته أسماء الأسد بالطوائف السريانية، باعتبار السريان «يمثلون السوريين الأوائل»، حيث وعد فريق «سابرو» الذي يقوده الأب برصوم كندو كاهن كنيسة ماريعقوب البرادعي، بمشاهدة ساحة العباسيين بشكل لم يسبق أن شوهدت به من قبل، وتعهد الفريق بأن يكون «شهر الميلاد بوابة سلام ومحبة وازدهار لبلدنا الحبيب». إلا أن المشهد التجريبي الذي شوهدت به ساحة العباسيين يوم أول من أمس، وبعيداً عن بذخ الإنارة المستفز «لا ينم عن ذائقة فنية، فالألوان التي تم اختيارها لإضاءة الزينات تتقاطع مع ألوان علم المثليين بألوان قوس قزح، وهي لا تتصل بألوان ورموز عيد الميلاد بأي صلة. وكذلك كانت الأنوار والأشكال في ساحة الأمويين»، حسب وصف مأمون، أحد أهالي حي أبو رمانة الذي رأى أن تلك الزينات من الناحية الجمالية «أقرب لزينة علب الليل والملاهي الخارج عن التصنيف السياحي... فهي زينة لا تليق بساحات دمشق، وإنما بمدينة مستباحة من غرباء، لافتاً إلى أن زينة الفنادق كالفور سيزنيز وداما روز والشيراتون، وغيرها، أجمل وأرقى بكثير، وإن كانت هي أيضاً مستفزة في بلد دمرته الحرب».
قد يهمك ايضا
الشرطة الإسرائيلية تخلي المسجد الأقصى من المعتكفين بالقوة
مقتل شيخ جراء تعرضه لاطلاق نار من مجهولين في النقب