بيروت - العراق اليوم
في نيسان 2020، أصدرت ألمانيا قانونًا يحظر على حزب الله القيام بأي نشاط في ألمانيا. تعد تلك الخطوة بالغة الأهمية، حيث إن الحظر يشمل كامل أجنحة تنظيم حزب الله، بعكس القرار السابق الذي اتبعت فيه ألمانيا موقف الاتحاد الأوروبي في حظر “الجناح العسكري” للتنظيم فقط. ولكن مازال هناك اعتقاد وهمي سائد لدى بعض الدول بأن حزب الله له أجنحة مختلفة، على الرغم من أن حزب الله نفسه يقول إنه لا يوجد سوى منظمة واحدة متكاملة بالكامل تحت قيادة واحدة، وفقا لما جاء في مقال الدكتور ريتشارد بورشيل، كبير الباحثين في معهد “بوصلة” في بلجيكا، الذي نشره موقع مبادرة “عين أوروبية على التطرف”.
الوضع القانوني في ألمانيا
يأتي حظر ألمانيا لتنظيم حزب الله بموجب قانون الشراكة Das Vereinsgesetz لعام 1964 (بصيغته المعدلة). وينص هذا التشريع على أنه من الممكن حظر أنشطة الجمعيات إذا كانت تلك الجمعيات تتصرف بشكل مخالف للقانون الجنائي أو النظام الدستوري أو فكرة التفاهم الدولي (على النحو المنصوص عليه في المادة 9 (بند 2) من القانون الأساسي الألماني). ويسمح قانون الجمعيات بفرض حظر على المنظمات الأجنبية إذا كانت أنشطتها تتعارض مع المادة 9 (بند 2) من القانون الأساسي، وستنطبق على أي أفراد مرتبطين بالمنظمة الأجنبية العاملة داخل ألمانيا. كما يسمح حظر المنظمة بموجب قانون الجمعيات بمصادرة الأصول من الكيانات التي يُعتقد أنها مرتبطة بها، ويمنع ظهور رموز تلك المنظمة في الأماكن العامة وفي الوسائل الإعلامية.
يأتي الحظر على حزب الله كنتيجة لأيديولوجيته وأفعاله العلنية التي تتعارض مع النظام الدستوري لألمانيا وفكرة التفاهم الدولي. وتتعارض كل مواقف حزب الله على وجه التحديد مع القانون الأساسي للدولة. كما أنه من منظور حماية الدستور الألماني، فإن اعتقاد حزب الله بضرورة إدارة الحكومة وفقًا لولاية الفقيه المطلقة يتعارض مع أي مفهوم للسيادة الشعبية والمساءلة، وبالتالي يتعارض مع الدستور الألماني.
إن المصدر الرئيسي للمعلومات حول حزب الله في ألمانيا (والذي بُني عليه جزء كبير من هذا المقال) يأتي من مكاتب حماية الدستور في كل من الحكومة الفيدرالية الألمانية وفي الدولة الألمانية، والتي تعد جزءا من أجهزة المخابرات الداخلية الوطنية المعنية بمراقبة أنشطة المنظمات المتطرفة في ألمانيا.
تصدر المكاتب الفيدرالية الألمانية تقريرًا سنويًا عن حماية الدستور Verfassungsschutzbericht يشار إليه فيما بعد بـ VsB.
وتستند هذه التقارير إلى معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر بالإضافة إلى تدابير أخرى يوافق عليها القانون ولديها مسؤولية قانونية لإبقاء الجمهور على اطلاع لضمان وجود وعي حول التهديدات المحتملة للنظام الدستوري في ألمانيا. ونظرًا لأن هذه أجهزة استخباراتية، فإن التقارير لا تحتوي على تفاصيل أو تفاصيل مهمة حيث يجب الحفاظ على السرية لضمان فعالية العمل الجاري.
يوضح مكتب حماية الدستور الاتحادي بوزارة الداخلية أن حزب الله يستخدم ألمانيا كـ”ملاذ” (Rückzugsraum). يُستخدم هذا التوصيف لشرح كيف تمكن حزب الله، رغم عدم عمله رسميًا في ألمانيا، من القيام بأعمال داعمة – مثل جمع الأموال وتنظيم الأنشطة وتجنيد الأعضاء وجمع المعلومات لدعم أنشطته – مع عدم مواجهة أي تدقيق موضوعي. إن المنظمة قادرة على الاستفادة من المجتمع المفتوح الموجود في ألمانيا من أجل حشد الدعم لأنشطته وتنفيذ أيديولوجيته المتطرفة. ويستطيع حزب الله استغلال الحريات السياسية والاقتصادية لألمانيا، إلى جانب المواقف المتسامحة بشكل عام في المجتمع لتعزيز أيديولوجية شديدة التقييد والقمع لا تحمل أيًا من نفس القيم مثل ألمانيا. إن الرسالة المستمرة في التقارير الواردة من أجهزة المخابرات في ألمانيا هي أن أنصار حزب الله في ألمانيا منظمون جيدًا لضمان عدم إخضاع جهودهم للتدقيق، مما يسمح لهم بتنفيذ الأنشطة بأقل ضغط. كما القول بأن حزب الله يستخدم ألمانيا كـ”ملاذ” هو وصف دقيق.
تاريخ حزب الله في ألمانيا
تعود جذور حزب الله في ألمانيا وعبر أوروبا إلى حقبة السبعينيات من القرن الماضي. ويوضح ماثيو ليفيت، محلل استخبارات وزارة الخزانة الأميركية السابق، في دراسته لحزب الله: “نظر حزب الله إلى أوروبا بشكل عام وألمانيا بشكل خاص على أنها بيئة عمل متساهلة”. وفي عام 1987، ألقت السلطات الألمانية القبض على محمد علي حمادي، أحد المتهمين الذين شاركوا في عملية اختطاف طائرة “تي دبليو إيه 847”. وتم ضبطه أثناء محاولته نقل مواد كيميائية من ألمانيا للمشاركة في تنفيذ المزيد من الهجمات الإرهابية. ويبدو أن حمادي كان يستخدم ألمانيا كقاعدة ونقطة انطلاق لتنفيذ ممارساته كجزء من شبكات إجرامية في ألمانيا وأوروبا.
وفي عام 1992، كان حزب الله مسؤولاً عن هجوم على مقهى مايكنونوس في برلين حيث قُتل 4 إيرانيين أكراد منفيين. وقام أعضاء تابعون لحزب الله بتنفيذ العملية الإجرامية بالنيابة عن إيران، الداعم الأساسي لحزب الله. وتولى التخطيط والتدبير لهذا الهجوم الإرهابي كاظم درابي، وهو مواطن إيراني كان يعيش في ألمانيا منذ عام 1980، والذي تم كشف صلاته بجهاز المخابرات الإيراني وحزب الله. وكانت هناك محاولة لترحيله عام 1982، ولكن بتدخل من النظام الإيراني، سمحت له الحكومة الألمانية بالبقاء، مما سمح له بمتابعة الدراسة وتكوين أسرة. بقي داربي في ألمانيا واستغل وجوده كناشط في الجمعيات الطلابية وفي أنشطة مسجد برلين، حيث تمكن من تجنيد أربعة أفراد آخرين موالين لحزب الله لتنفيذ الهجوم.
اصطياد وتجنيد الشباب
وهناك المزيد من الأدلة على وجود حزب الله ونشاطه في تجنيد العناصر لتنفيذ عمليات إرهابية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، اعتنق ستيفن سمريك الإسلام وجنده حزب الله في هانوفر في أوائل التسعينيات. سافر إلى لبنان لمزيد من التدريب من قبل حزب الله. واعتقل في إسرائيل وأدين بتهمة دعم منظمة إرهابية (حزب الله) بناء على معلومات بحوزته وكانت فيما يبدو ذات علاقة بهجمات إرهابية محتملة. كما أن هناك أيضًا حالة مماثلة وهي خالد ك.، وهو فلسطيني يحمل جواز سفر إسرائيليًا، جنده حزب الله في أوائل عام 2000 عندما كان طالبًا في كلية الطب في غوتنجن. وعاد إلى إسرائيل ثم قام بجمع معلومات ونقلها إلى حزب الله فيما يتعلق بأهداف مستقبلية محتملة.
ازدياد عناصر التنظيم في الآونة الأخيرة
وفي السنوات الأخيرة، شهد حزب الله دعمًا متزايدًا في الكثير من أنحاء ألمانيا. وتنص النسخة الفيدرالية VsB لعام 2007 من التقرير الاستخباراتي على وجود 900 مؤيد معروف لحزب الله في جميع أنحاء البلاد. وقدرت VsB الفيدرالية لعام 2019 العدد بـ 1050 مؤيدًا.
وعلى مستوى ألمانيا، يوجد عدد أكبر من أنصار حزب الله في برلين، إذ يقدر عددهم بـ250 عضوا وفي ساكسونيا نحو 160، أما شمال الراين وستفاليا فيقدر عددهم بحوالي 115. كما أن هناك أيضًا مستويات ملحوظة من المؤيدين في بادن ووتنبرغ حيث يصل عدد أعضاء حزب الله هناك إلى 75 وفي راينلاند بالاتينات 55 عضوًا وأخيرًا في بريمن 50 عضوا. تُعد هذه الأرقام دلالية بشكل أساسي، لأنها تستند إلى منهجية التقييمات الأمنية والاستخبارية، وربما لا تشمل بالضرورة الشبكات الأوسع من المتعاطفين أو جمعيات الأعمال التي تعمل عن علم أو عدم دراية نيابة عن أنشطة حزب الله. كما ثبت أن دعم حزب الله في ألمانيا جزء من الشبكات العالمية الأوسع للأنشطة الإجرامية والإرهابية التي يمارسها التنظيم.
المساجد والمراكز الثقافية
يُشتبه في أن هناك ما يقرب من 30 مسجدًا وجمعية ثقافية مرتبطة بحزب الله أو متحالفة معه. تتمتع هذه الكيانات بوضع قانوني في ألمانيا وتقوم بعدد من الأنشطة النموذجية لهذه الجمعيات. ومن خلال جمعيات المساجد المحلية يتم توليد الكثير من الدعم والتعاطف مع حزب الله وجمع التبرعات. وتوضح تقارير VsB الاستخباراتية أن جمعيات المساجد تعزز أيديولوجية حزب الله وإيران فيما يتعلق بكل من الدين والسياسة، بهدف تجنيد المزيد من المؤيدين ومحاولة تنظيم أيديولوجية حزب الله بشكل عام.
وفي حين أنه من المرجح أن تقل الأنشطة العلنية والعامة لرابطات المساجد بعد الحظر، سيكون هناك دعم مستمر لحزب الله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. بل إن هناك تقارير عن مركز الإمام رضا الإسلامي في برلين، تتحدث عن إعلان أئمة ورواد للمساجد دعمهم لحزب الله على وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدون الثناء على زعيم حزب الله حسن نصر الله، وينشرون صورا لشعار وعلم حزب الله. يشير تقرير VsB الاستخباراتي بشأن بايرن وبرلين أيضًا إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي محليًا للترويج لرسائل قيادة حزب الله وتكريم الشخصيات القيادية. كما تستضيف جمعيات المساجد هذه قادة حزب الله وأنصاره القادمين من لبنان حيث يتم إلقاء المحاضرات، التي تجتذب أعدادا كبيرة من الحضور.
ولا تقدم تقارير VsB تفاصيل أكثر بكثير فيما يتعلق بما يحدث في جمعيات المساجد أو مؤشرات لشبكة أوسع من أنصار حزب الله خارج نطاق جمعيات المساجد. وكما هو موضح أعلاه، فإن الكثير من الأنشطة الرسمية لجمعيات المساجد تقع ضمن القانون. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الرسالة الموجهة من قيادة حزب الله إلى أنصاره في ألمانيا هي عدم التعرض للشرطة وإبقاء مظاهر الدعم الخارجية لحزب الله محدودة. ومن المحتمل أن يكون هذا نتيجة مباشرة لإغلاق منظمة Farben für Waisenkinder eV عام 2014، وهي منظمة غير حكومية، مقرها في إيسن وتولت جمع تبرعات تبلغ حوالي 3.3 مليون يورو بين عامي 2007 و2013. وتم تحويل الأموال التي تم جمعها إلى مؤسسة “شهداء” حزب الله في لبنان، وهي منظمة تدعم علانية أيديولوجية حزب الله وتمجد استخدام العنف.
ومما لا شك فيه أن جمعيات المساجد المعروفة التي تدعم حزب الله ستخضع لمزيد من التدقيق حيث تم الآن حظر الأعمال العلنية وإظهار الدعم لحزب الله. قد يكون لهذا تأثير غير مباشر فيما يتعلق بالشبكات الإجرامية المعروفة والأنشطة التجارية التي تدعم الوجود العالمي الأوسع لحزب الله، ولكن نظرًا لأن هذه الشبكات غير المشروعة راسخة جيدًا، فربما يكون التأثير ضئيلًا.
ويؤمل أن يحد الحظر من مظاهر الدعم العلني لحزب الله. في الوقت نفسه، من غير المحتمل إجراء أي تغيير فوري في عمليات وأنشطة جمعيات المساجد، بالنظر إلى الوجود الراسخ لحزب الله ووعي القيادة بضرورة استراتيجية عدم لفت الانتباه إلى الأنشطة غير المشروعة.
وستكون أبعاد الدعم على وسائل التواصل الاجتماعي التي يتم التعبير عنها لحزب الله منطقة حساسة للمضي قدمًا لأجهزة المخابرات، حيث سيتمكن حزب الله من الاستفادة من الحريات المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. كما أنه من المحتمل أن تستمر الاجتماعات وجهًا لوجه والأنشطة الأخرى خلف الأبواب المغلقة.
إن التنظيمات المتطرفة مثل حزب الله تعمل وفق نظام جيد وقادر على التكيف مع الظروف التي يواجهها. كما أنه لا شك في أن أنصار حزب الله سيستمرون في استغلال الإطار الدستوري مستفيدين من التسامح والحريات التي يتمتعون بها في استخدام ألمانيا كـ “ملاذ وملجأ”.
وقد يهمك ايضا
تساهل إيمانويل ماكرون مع حزب الله وسلاحه يستفز اللبنانيين
حسن نصر الله يرد على مطالبات منع حزب الله من التدخل في الإقليم