بغداد - العراق اليوم
اعتذر رئيس تحرير جريدة "كيهان" الإيرانية حسين شريعتمداري، الاثنين، للمرجع الديني العراقي علي السيستاني، على مقال انتقد فيه بيانا صادرا عن المرجع الأعلى حول الانتخابات العراقية.
وأوضح شريعتمداري، بحسب مانقلت وكالة "مهر" الايرانية أن "المقال الذي تم نشره يوم السبت الماضي نابع من قلقه إزاء جزء من بيان مكتب آية الله السيستاني حول إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات البرلمانية في العراق".
ولفت إلى أن "مقاله استند على النص الفارسي لبيان مكتب آية الله السيستاني حول لقائه مع ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت".
وقال: "كان تفسيري من نص البيان هو أن سماحة آية الله السيستاني طلب من منظمة الأمم المتحدة المراقبة والإشراف المباشر على الانتخابات العراقية المقبلة. ولحسن الحظ، نشر مكتب السيستاني وبعد انتشار المقال إيضاحا بهذا الخصوص وتبين أن تفسيري بعيد عن الواقع".
وأشار شريعت مداري إلى أن "السيستاني كان قد طلب من ممثلة الأمم المتحدة في العراق مراعاة الشفافية في جميع مراحل الانتخابات وأن تتم الرقابة على الانتخابات بشكل جدي وبالتنسيق مع الجهات ذات الصلة في منظمة الأمم المتحدة".
وأضاف شريعت مداري أن "بيان مكتب السيستاني لا يتحدث عن إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات وإنما يتحدث عن تنسيق المراقبة وفقا لإجراءات الأمم المتحدة، ويعني ذلك أن يتم الإشراف من قبل العراقيين فقط ولكن خصائص المراقبين والإجراءات المطبقة في إجراء الانتخابات يجب أن تتوافق مع إجراءات وقواعد الأمم المتحدة بحيث لا يكون هناك أي اعتراضات من قبل بعض الجماعات ذات الصلة".
وأكد أنه بناء على ما تقدم فإن تفسيره لا يتوافق مع تصريحات السيستاني، وقال: "أعتذر لسماحته وأتمنى أن يقبل اعتذاري".
وقال الباحث المختص في الشأن الإيراني محمد صادق الهاشمي، إن المسؤولين وصناع القرار في العاصمة الإيرانية طهران يرفضون ما جاء في مقال رئيس تحرير صحيفة كيهان، حسين شريعتمداري، والذي خصصه لانتقاد بيان المرجع الأعلى علي السيستاني ومطالبته بإشراف أممي على الانتخابات العراقية.
الهاشمي قال في حديث لـ "ناس" (27 أيلول 2020) إنه "تواصل شخصياً مع الجهات المعنية وصاحبة القرار في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي أعلنت رفضها لما تضمنه هذا المقال، وأنه لا يمثل رأي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو رأي شخصي خاطِئ ومخالف لثوابتها، في الحقيقة، تحدثت مع كثير من المسؤولين والمعنيين، وأكدوا أن ما جاء في المقال، لا يمثل وجهة نظر الإمام الخامنئي أو المسؤولين في الجمهورية الإسلامية، وأتحمل شخصياً مسؤولية ما انقله عن المسؤولين الإيرانيين".
وأضاف "من هنا نعدّ هذا المقال لا قيمة له، وعلى المؤمنين أنْ لا يتفاعلوا معه، فما بين حوزتَي قم والنجف الأشرف من التفاهم أكثر مما يتصوره الآخرون، وأنَّ النجف الأشرف والمرجعية تحظى بالقدر الكبير من الاحترام والإجلال من الجمهورية الإسلامية مراجعاً ومسؤولين وشعباً".
وتابع "مهما كانت النوايا حسنة، إلا أن اللغة التي تحدث بها كانت مُستهجنة، لا يمكن الحديث عن المراجع بما يوحي أن لديهم تقصيراً أو قصوراً أو عدم فهم للأشياء، ربما لم يكن الرجل يقصد، لكن هذا هو الإنطباع الذي وصل إلى المتلقين، وما قاله شريعتمداري لا يمثل بأيٍ من الأشكال رأي الإمام الخامنئي، بل هو مجرد رأي كاتب أو صحفي".
وأثار المقال جملة من ردود الأفعال الغاضبة والمستهجنة، لجهة "لغة الإملاء على المرجع الأعلى علي السيستاني التي استُخدمت في المقال" وفقاً للمعترضين.
من جهة اخرى، ردت حسابات عراقية على صلة بإيران والفصائل، وفق عدة مستويات، حيث نفت تلك الحسابات –أول الأمر- وجود المقال واتهمت اطرافاً على صلة بالسعودية بتلفيقه، ثم نفت تلك الحسابات، علاقة شريعتمداري بمرشد الثورة، وصولاً إلى نفي دقة الترجمة من الفارسية للعربية.
وتصف وسائل إعلام إيرانية رسمية، شريعتمداري، بأنه "العضو المنتدب" إلى صحيفة كيهان الإيرانية، التي توصف بدورها بانها من "التيار المبدئي" في إيران.
وسبق لشريعتمداري أن أثار الجدل عدة مرات، بإطلاقه دعوات وُصفت بالمتشددة، في ما يتعلق بالتعاطي الإيراني خارج الحدود.
ويتمحور المقال الأخير حول اعتراض الكاتب الإيراني على طلب المرجع السيستاني إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات العراقية المبكرة، والمُزمع اجراؤها في السادس من حزيران المقبل.
ويستخدم الكاتب في مقاله أسمى عبارات التفخيم والاحترام في خطابه للمرجع السيستاني، لكنه يؤشر اعتراضات شديدة على خطوة المرجع الأعلى، قبل أن يختم باتهام مكتب المرجع السيستاني بارتكاب خطأ في صياغة التقرير الذي صدر بعد اللقاء بين السيستاني وبلاسخارت، كما يدعو شريعتمداري مكتب المرجع إلى تصحيح الخطأ.
ووفقاً لشريعتمداري، فإن طلب المرجع إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات "هو بمثابة إعلان إفلاس الدولة، والتشاؤم تجاه الأمة، والتفاؤل تجاه الأجانب".
كما يسرد الكاتب "قائمة جرائم" يقول إن "الأمم المتحدة -التي دعا السيستاني ممثلتها للإشراف على الانتخابات- متورطة بها"، فيما يقوم شريعتمداري بتذكير المرجع السيستاني بالآية القرآنية رقم 60 من سورة النساء، والتي "تنهى المؤمنين عن الاحتكام إلى الطاغوت".
ويختم الكاتب الإيراني مقاله الموجه إلى المرجع السيستاني، بالتعبير عن اعتقاده بأن مكتب المرجع "كان متهاوناً في تقدیم تقریر بشأن الاجتماع" متوقعاً أن "يقوم المكتب بتصحيح هذا الخطأ".
نص الترجمة مقال "برخاسته از ارادت" (من منطلق الإخلاص):
قبل سنوات عدة أردت تقديم ملاحظة إلى أحد علماء الدين الأفاضل وإحاطته ببعض المخاطر، لكن التحذير من هذا الحقير (الكاتب) إلى مرجع ديني وعالم بارز لم یكن تصرفاً مؤدباً.
فكرت بهذه القضية، وبفضل الله خطرت لي قصة قرآنية أذكرها الان قبل أن أشرع في الحديث عن موضوع مماثل.
في سورة النمل وقصة الهدهد والنبأ الذي جاء به الى النبي سليمان (ع) قال الله: "وتفقدَ الطيرَ فقالَ ماليَ لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين. فمكت غير بعيد فقال أحطت بما لم تُحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين".
كان الهدهد مجرد طائر، ولايمكن قياس مقام الطير بمقام النبي سليمان عليه السلام، ولكنه جاء لسليمان بنبأ لم يعلمه النبي بكل مقامه.
كاتب هذا المقال ومن خلال تخصصه في العمل، أطلع على قضايا ورأى بعض الملاحظات التي ربما غابت عن أنظار العظماء والعلماء. وأود التذكير بأن طرح هذا النوع من المواضيع لايرفع مقام أمثال الكاتب ًولا يقلل من مقام الشخصيات العظيمة.
في شأن استقبال سماحة آية الله السيستاني المرجع العراقي الکبیر للسیدة جينين هينيس بلاسخارت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق (13 ایلول 2020) وتطرق سماحته خلال اللقاء الى مواقفه المهمة في عدد من القضايا البارزة في الشأن العراقي والتي كانت إشارة على موقفه الحكيم والبنّاء من القضايا الحالية في البلد، سيما التأكيد على شفافية وسلامة الانتخابات البرلمانية المقبلة، وضرورة مكافحة الفساد بشكل جدّي، وتجنب الانتقاء والتمييز، والمحاسبة العادلة للمفسدین مهما كانت مناصبهم، وفرض سيادة الدولة وتجنب إنشاء مناطق تحت عناوين مختلفة وخارج إطار القانون ومعاقبة مرتكبي الاغتيالات الأخيرة.
ودعا سماحة آية الله السيستاني (دام ظله) في هذا اللقاء إلى اجراء الانتخابات بإشراف ممثلين عن الأمم المتحدة!
أعتذر لسماحته ولکن يجب القول إن هذا الطلب أولا دون شأن ومقام سماحة آية الله السيد السيستاني العالي والمحترم.
وفي الواقع، الأمم المتحدة هي التي تحتاج إلى شرعية سماحته لتحصل على صلاحياتها.
وثانيًا؛ يتعارض (هذا الطلب) مع مكانة العراق كدولة مستقلة نالت استقلالها وحريتها بالتضحیات والدماء ومعاناة المواطنين الشرفاء، وخاصة الشباب الشجعان في هذه الأرض المقدسة.
إن دعوة الأمم المتحدة للإشراف علی انتخابات دولة، هي بمثابة إعلان إفلاس لتلك الدولة، والخيبة تجاه الدولة، والترحيب بالأجانب. ومن البديهي أن هاتين القضیتین بعيدتان عن المرجع الدیني الاعلى في العالم الشیعي، سماحة آية الله السيستاني.
لا شك أن الأمم المتحدة اليوم، على عكس ما تدعي، لا تتحرك نحو السلام العالمي بل أصبحت ورقة ضغط بین أیدي القوى المستبدة لاسیما الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والعبريين والعرب.
وبنظرة خاطفة فقط علی أداء هذه المنظمة خلال العقود القليلة الماضية ،تظهر بوضوح هذه الحقيقة المرة:
صمت الأمم المتحدة تجاه جرائم الکیان الصهيوني في فلسطين وفي بعض الحالات اعترافها الصريح بهذه الفظائع وتجاهلها دعم الولايات المتحدة وحلفائها لصدام بالمال والسلاح في حرب السنوات الثمانية المفروضة، والاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق وقتل المسلمين في ميانمار وكشمير وتجاهل جرائم السعودية في اليمن من الرجال والنساء والأطفال والصمت المؤید في وجه حصار الشعب اليمني المظلوم براً وجواً وبحراً وتركهم عرضة للمرض والجوع بالإضافة إلی تسليح الإرهابيين التكفيريين وتمویلهم من قبل الحكومات المجرمة في الولايات المتحدة وأوروبا والسعودية والإمارات وغیرها.
الأمم المتحدة نفسها، التي دعا سماحة آية الله السیستاني ممثلتها للإشراف علی الانتخابات العراقية، اضطرت إلى وضع الحكومة السعودية على قائمة مجرمي الحرب بسبب ضغوط الرأي العام، لكن وبعد أن هدد آل سعود بقطع المساعدات المالية عن الأمم المتحدة، تراجع السيد الأمين العام بوقاحة!
وتجاهلت الأمم المتحدة فظائع ترامب في اغتيال القائدین الکبیرین في الإسلام، الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، اللذين يديهم لهما الشعب العراقي والمنطقة اليوم لجهودهما في بسط الأمن.
ووفقًا لشريعة الأمم المتحدة، کان يجب وضع الولايات المتحدة تحت المادة 42 من الفصل السابع لمیثاق المنظمة ومعاقبتها وهناك عشرات الأمثلة الأخرى التي لا يكفي المقام لذكرها.
لقد تعلمنا من عظماء مثل آية الله السيستاني، أن تفسير الآية 60 من سورة النساء هو منع الله تعالى بشدة المؤمنين من قبول حكم الطاغوت «ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنو بما أنزل إليكَ وما أنزل من قبلكَ يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أُمِرُوا أن يكفروا به".
يعتقد الكاتب، بمعرفته العميقة والراسخة بآية الله السيستاني، وذكاء سماحته وحكمته، أن خطأ قد وقع في تقرير الاجتماع مع الممثلة الخاصة للأمين العام، من المؤكد أن مكتب آية الله كان متهاوناً في صياغة تقریر الاجتماع. ومن المتوقع أن يصحح المكتب هذا الجزء من التقرير، لأن سماحته من المراجع الشيعية الکبیرة في العالم الإسلامي.
وأتوقع أيضا أن يُسجل للكاتب شجاعته الناشئة من الاحترام الذي أكنه للمرجع.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وقد يهمك ايضا