الفن الصامت (شارلي شابلن)

سيرة حياة الكوميدي العبقري أيقونة الفن الصامت (شارلي شابلن) على لسان ابنه شارلز تحت عنوان (شابلن أبي)، كانت محور جلسة نادي القراءة في بيت المدى يوم الجمعة المصادف 20 كانون الأول بإدارة أسعد الموسوي مستضيفاً الناقد المخرج السينمائي حسين السلمان.

كتاب شابلن أبي، هو عبارة عن مذكرات شارلي شابلن قدمه لنا حسين السلمان قائلاً:» كتابنا يتحدث عن أحد أيقونات السينما العالمية التي تحتل مكانة بارزة في ذهن كل من شهد أعماله» انطلق بحديثه حيث انتهت حياة شابلن ثم العودة لبداياته ملخصا السمات العامة بقوله:» العنصر الأساس الأول في حياة شابلن هي الكوميديا السوداء ذات الأفكار الإنسانية الكبيرة، والعنصر الثاني هو قدرته العظيمة على الخلط ما بين الفكاهة والعاطفة، أما الثالث فهو عرض حياة التشرد، ورابعاً، اعتماده الكبير على المواضيع الاجتماعية والسياسية، وخامساً اعتماده على السيرة الذاتية، والارتجال والبديهية أخيراً». عناصر اساسية يمكن استنباطها واسترجاعها عند العودة لأعمال شابلن.

وعن حياة شابلن الاجتماعية يضيف السلمان قائلاً:» ولد شابلن الابن في أسرة فقيرة لكنها تنتمي لعائلة فنية، أمه هانا كانت إحدى الممثلات ممن تمتلك قدر كبير من العبثية إذ لها العديد من العلاقات العاطفية، وقد تعرفت على شابلن الأب ثم تركته من أجل تاجر أفريقي ثري اعتقاداً منها بأنه سيكون سبباً لاغتنائها، بينما اتضح لاحقاً بأنه يستغل الإناث لغايات جنسية، ثم تعود لشابلن الأب وتتزوج منه، و كانت تميل لاحتساء الخمر بكثرة، والحالة التي كانت مدخل لتطور حياة شابلن الابن، الذي ارتكز في مطلع حياته على عنصرين أساسين وهما، قوة ارتباط والده بالفن، وعبثية والدته، مما جعلت منه إنسان يعمل خارج صندوق المنطق، لذلك تعلم الحركة مع الموسيقى في المسرح وتعاون مع الفرق المسرحية البسيطة المعروفة بالروح الكوميدية السائدة حينها،» حرية الفكر لديه كانت سبباً في معاناته التي اعتبر مصدر إلهامه فيما بعد، ويعقب السلمان قائلاً:» لذلك اعتبرت أمريكا وقتها قبلة تستقطب الإبداع في الفن، وعليه ارتحل شابلن راكباً سفينته متوجهاً اليها وقال (مرحبا أمريكا أنا قادم وسأزرع الابتسامة على وجوه الرجال والنساء والأطفال) إذ كان يعتقد من قبل أن تطأ قدماه أرضها بأنه سيكون».

دخل شابلن في معركة كبيرة، كأي إنسان لابد له من الكفاح المستمر ليجد نفسه وبهذا الخصوص قال السلمان مستأنفاً:» يحتاج كل إنسان عناصر من التعب والجهد وكل ما هو خارج المألوف، وهو ما فعله شابلن أمام طاقم كبير من الممثلين وخاصة الممثل الكبير كيتون، ذي الامكانية الواسعة، كيف لشاب صغير أن ينافس هذه القامة؟ ، فدرس شابلن عن كيفية صناعة شخصية مسرحية مختلفة عن بقية الشخصيات، وماهية العناصر التي تساعده على ايجادها، هل هي تصب في كيانه أم هيئته الخارجية التي اعتمدها فعلاً، فقد أوجد قبعة وعصا وسروالاً عريضاً وحذاءً كبيراً،» عناصر شكلت الكاريكتر الخاص بشابلن جعلت منه حالة خاصة تجابه المعترك المسرحي بقوة هائلة حسب وصفه قائلاً:» لم يتدرج شابلن في الإبداع بل كانت نقلة نوعية كونت هويته، إذ إن أول أفلامه كانت محط اهتمام الناس حين انطلق عام 1921 كنجمة لامعة في سماء السينما العالمية».

في عام 1927 بدأ ظهور الصوت رفيقاً للغة الجسد على المسرح، الأمر الذي يعد تغييراً واسعاً في العروض المسرحية عالمياً، وبهذا الصدد يعقب السلمان بقوله:» أول فيلم ناطق ظهر في سنة 27 بعنوان مغني الجاز، أحدث انطلاقة كبيرة في التغييرات الحاصلة في السينما، الذي يعد من جانب آخر عملية تدميرية للسينما الصامتة»، كأحد مسببات التراجع في القدرة الفنية على ابتداع الصمت بدلاً من الكلام في التعبير عن أي حالة إنسانية.

يعود الفضل له في تطور الأعمال المسرحية والسينمائية لروسيا السوفيتية إذ قال السلمان معقباً:» قال المخرج المعاصر ايطالي الأصل امريكي الجنسية تورنتينو، صاحب فيلم ذات مرة في هوليود (لولا روسيا لهلكت السينما)، وهذا ما يرسخه دور شابلن الذي حافظ على صمت التمثيل مقاوماً تبني الصوت حتى أدخله في مراحل متقدمة من حياته الفنية دون أن يتآلف معه» ذلك أن التطور التكنولوجي السريع يحدث انعطافات كبيرة في العملية السينمائية، حيث لا تختلف اللغة، لكن اختلفت الوسائل التعبيرية بإدخال عنصر الصوت ما يشمل الموسيقى، والحوار والمؤثرات الأخرى.

اثبت استحداث الصوت في المسرح والسينما أهمية دوره في التحريض والتأثير، ويقول السلمان بهذا الشأن:» حقيقة أدركها الجميع إن الصوت له تأثير ودور كبير في التطور السينمائي وخاصة أفلام نيويورك التي توثق أحداث الثورة الروسية البلشفية»، بينما احتفظ شابلن بأسلوبه التعبيري الصامت معتمداً على قدراته الإبداعية في الفن، لكن اتضح فيما بعد أن هذا الرأي غير صائب إذ اثبت التسارع الزمني والتقنيات الصوتية الهائلة، التي نشهدها اليوم قيمة المؤثرات الصوتية في خدمة الإبداع الفني».

الفترة الأخيرة من حياة شابلن عرضته لبعض المطبات، كما يقول السلمان:» قد تعرض شابلن في أواخر ايامه لبعض الاتهامات بكونه ينتمي للشيوعية وقد تزوج من فتاة قاصر وغيرها، مما دفعت به الى ترك اميركا والذهاب الى سويسرا بحثاً عن ما يراه الأنسب في حياته» 

تساؤل عن سبب رفض شابلن لتبني عنصر الصوت في الأعمال السينمائية والمسرحية طرحه الموسوي بقوله:» هل كان شابلن يتخوف من إدخال الصوت تجنباً لسحب البساط الابداعي من تحته؟، أم إنه تربى في بيئة فقيرة لها التأثير على طريقة تفكيره؟» فأجاب السلمان قائلا:» شابلن منذ طفولته وهو يقدم عبقرية تمثيلية بالتعبيرات الصامتة المستنبطة من الفكر والإدراك لديه، بأنه قادر على التعبير بلغة الجسد دون الحاجة الى المنطوق اللغوي» مشيراً الى أن الرفض كان من أغلب الشخصيات السينمائية آنذاك وذلك بديهي كأي حداثة تطرأ في مجال تتعرض للمقاومة، في حين نجد من يعده تطوراً للعقل البشري الذي لا يمكن إعاقته وتوقيفه في سبيل الحصول على المزيد من الابداع، وإن علينا أن نثور دوما في سبيل التجدد وإثراء أي محتوى بما هو جديد وهادف، ويؤكد على ضرورة القراءة كعنصر تمهيدي لأي مشروع ناجح بقوله:» اقرأ، بالنسبة لي أنا لازلت في الصف الاول اتعلم الدرس الاول»

مسيو فيردي، أحد الأعمال الناطقة التي شارك فيها شابلن كانت ليست بالمستوى المطلوب حسب أحد المداخلات فيجيب السلمان:» السبب يعود الى كوننا اعتدنا على شخصية شابلن الصامتة اثناء التمثيل لذلك تحتفظ ذاكرتنا بصورته وهيئته، ولا نتقبل أن نراه بهيئة جديدة بينما هو لم يتراجع إبداعياً على الاطلاق».

قد يهمك ايضا

داعش يستهدف كاميرات المراقبة في المنطقة بين ديالى وصلاح الدين

  جرحي في صفوف قوات الأمن العراقية إثر هجوم لداعش في كركوك