بغداد ـ العراق اليوم
تحدث السفير الايراني السابق في العراق حسن دانائي فر، بشيء من التفصيل والاسهاب عن أبرز الجوانب والأبعاد الاساسية في العلاقات بين بغداد وطهران، وعوامل وظروف تعزيزها وتنميتها بما يخدم مصلحة الطرفين، وكشف موقف بلاده بشأن الحكومة الجديدة في بغداد، اذ يقول "ان الكاظمي كونه رجلا سياسيا، يدرك اهمية العلاقات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية وجمهورية العراق، ويحاول الحد من الاثار السلبية على العلاقات الثنائية".
ولعل تفكيك هذه العبارات، يمكن أن يبلور جملة مفاهيم او حقائق او تصورات، من قبيل، انه في الاطار العام لاتتبنى طهران اي موقف سلبي حيال الكاظمي وحكومته، وهي تتعاطى معها كما تعاطت مع الحكومات العراقية السابقة.
ويمكن للمراقب السياسي أن يرصد مصاديق وامثلة واشارات عديدة لذلك التعاطي الايجابي منذ انبثاق حكومة الكاظمي وتصديها للمسؤولية، خصوصا ما يتعلق بالتصدي لجائحة كورونا، فضلا عن ذلك فأن الحراك بغداد-طهران البعيد عن صخب منصات الاعلام ومنابر السياسة، اخذ في سياقه العام منحى ايجابيا، بحسب ما تؤكد اوساط مطلعة من كلا الطرفين، رغم ضغوطات ومؤثرات خارجية تعمل على دفع الامور بأتجاهات معاكسة.
ولعل طهران، تتفهم الكثير من المعطيات والحقائق التي تلزم بغداد بالتواصل والانفتاح على قوى اقليمية ودولية قد تتقاطع مها-اي مع طهران-الى حد كبير، وهو مايبدو واضحا من خلال قول دانائي فر تعليقا على الجولة المرتقبة للكاظمي على كل من الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية، "ان الكاظمي يعمل على ايجاد التوازن في العلاقات مع ايران بحكم الجوار كما أن ايران ترغب في تعزيز علاقاتها مع العراق في مختلف المجالات وتعمل على تنويعها ونأمل أن تستمر العلاقات القوية بينهما لتصل إلى ما يتطلع البلدان، وان العراق یرغب فی توطيد علاقاته مع هذه الدول، ادراكا لاهمية دورها الاقليمي، لان تحسين العلاقات مع هذه الدول الثلاث يترك تأثيرا على القضايا الداخلية في العراق.
ولاشك أن مثل هذا الفهم يساهم في حلحة الكثير من العقد المستعصية والملفات الشائكة والقضايا العالقة، ويمكن أن يؤسس إلى تقارب مثمر فيما لو توفرت الارادات الحقيقية والنوايا الصادقة لكل الاطراف المعنية.
ويبدو أن الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لبغداد، جاءت في سياق تعزيز العلاقات بين بغداد وطهران على كل الصعد والمستويات، فضلا عن تهيئة وبحث ومناقشة ابرز الملفات والقضايا التي ستتصدر اجندة زيارة الكاظمي لطهران المتوقع حصولها بعد وقت قصير.
واذا كان ثمة ملفات وقضايا راهنة متحركة، تمثل اولويات لدى صناع القرار في بغداد وطهران، تفرض بشكل او باخر وجود اقصى درجات الحرص والاهتمام بها، وهي في مجملها قد تكون ذات صبغة اقتصادية، فأن هناك ثوابت وحقائق جغرافية وتأريخية وعقائدية وثقافية تفرض نفسها فيكل الظروف والاحوال، ومن غير الممكن تجاهلها والقفز عليها، مهما تعددت وتنوعت البدائل والخيارات، وقد اشار السفير الايراني السابق لدى بغداد إلى جانب من ذلك، بقوله "ان طول الحدود المشتركة بين البلدين يبلغ الف واربعمائة كيلومتر، وتربط بينهما اواصر تأريخية ودينية وثقافية واجتماعية، جعلت العلاقات بينهما مستدامة ومتنوعة، وانها ستستمر في ظل الظروف التي تسود المنطقة".
ويؤكد انه"رغم هناك بعض المشاكل بما فيها تفشي فيروس كورونا، انعكس سلبا على العلاقات الاقتصادية بين ايران والعراق، وأدى إلى اغلاق المعابر الحدودية المشتركة، الا أن العراق يستحوذ على أعلى حصة من الصادرات الايرانية، ومن المؤمل أن يزداد حجم صادراتنا إلى العراق بفضل الجهود التي تبذل في الحدود المشتركة والتي ساهمت في اعادة فتح بعض المعابر الحدودية".
وقد شهد عام 2019 قطع اشواط مهمة في مسيرة تعزيز وتطوير العلاقات العراقية-الايرانية، حيث قام الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني بزيارة العراق في اذار-مارس من العام الماضي، وقبلها كان رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي قد زار ايران، فضلا عن تبادل الزيارات بين مسؤولين ووفود بأختصاصات مختلفة، إلى جانب تفعيل اللجان المشتركة بين الجانبين، وكل ذلك من اجل وصول حجم المبادلات التجارية إلى عشرين مليار دولار، علما انها حتى نهاية العام الماضي بلغت اثني عشر مليار دولار، قبل أن تتراجع وتنحسر جراء اثار وتبعات جائحة كورونا التي اجتاحت البلدين بقوة.
جاء روحاني العام الماضي إلى العراق على رأس وفد سياسي-اقتصادي-امني رفيع المستوى، ودامت زيارته اربعة ايام، وتمخضت عن ابرام خمس وثائق ومذكرات تفاهم استراتيجية بين البلدين، وصفها السفير الايراني في بغداد ايرج مسجدي، بـ"وثيقة التعاون الشاملة والكاملة بين البلدين"، اذ تمثلت بمذكرة تفاهم بين وزارة الصناعة والمناجم والتجارة الإيرانية ووزارة التجارة العراقية، ومذكرة تفاهم لانشاء مشروع سكة حديد البصرة – شلامجة، ومذكرة تفاهم لتسهيل الحصول على تأشيرة للمستثمرين والتجار ورجال الأعمال، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون المشترك في مجالي الصحة والنفط.
ولاشك أن ظريف حينما جاء إلى بغداد، وفيما بعد حينما يذهب الكاظمي إلى طهران، لن يكون الانطلاق من الصفر، بل ستكون كل المباحثات والنقاشات استكمالا وتعزيزا لما انجز وتحقق خلال الاعوام السبعة عشر عاما المنصرمة، في ذات الوقت، يمكن أن تسير علاقات بغداد مع مختلف الاطراف الاقليمية والدولية بمسارات متوازية وليست متقاطعة، مع الحفاظ على اولوية السيادة الوطنية، وربما يمكن أن يفضي ذلك إلى حلحلة بعض العقد والملفات الشائكة في المنطقة، وهو ما تناوله وتحدث عنه السفير حسن دانائي فر.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
النزاهة الاتحادية تكشف الكاظمي يفصح عن ذمته المالية للعام 2020