القدس - العراق اليوم
قامت القوات الأمريكية فجر يوم الجمعة (03/1/2020)، بقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، مع نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، ومقتل ستة آخرين، بضربة جوية قرب مطار بغداد الدولي. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن العملية تمت بـ “توجيهات” من الرئيس دونالد ترامب نفسه.(1)
جاءت هذه العملية رداً على الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد قبل أيام، والذي اتصف بالعنف بما فيه إشعال الحرائق، واتهمت الإدارة الأمريكية إيران بأنها وراء هذه الأعمال المعادية لها. راجع مقالنا الموسوم (الهجوم على السفارة الأمريكية يضر بالعراق)(2). لم يفاجأ العالم بالرد الأمريكي القاسي، ولكن المفاجأة بسبب سرعة التنفيذ ودقته في معرفة تحركات الجنرال سليماني ومرافقيه. والجدير بالذكر أن الجنرال سليماني يعتبر الشخص الثاني من حيث الأهمية بعد المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، والعقل المدبر للنفوذ الإيراني في دول المنطقة وخاصة في العراق. لذلك فاغتياله بهذه الدقة والقسوة، يعتبر ضربة شديدة ومؤلمة لإيران، وإساءة لسيادة الدولة العراقية. ورغم شدة المأساة لأتباع إيران، إلا إنهم نجحوا في جر العراق إلى الصراع بين إيران وأمريكا في معركة غير متكافئة، نتائجها الكارثية معروفة مسبقاً.
كذلك يعتبر مقتل سليماني والمهندس نقلة نوعية في تصعيد التوتر والصراع في المنطقة، إذ كما قال نائب الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، إن الرئيس دونالد ترامب “قد ألقى الديناميت في برميل بارود”. فمنطقة الشرق الأوسط ملتهبة، وبأمس الحاجة إلى محاولات تهدئة وليس صب المزيد من الزيت على النيران المشتعلة أصلاً.
ولا شك أن العراق لا يمكن أن يسلم من هذه الحرائق، وربما يكون الأكثر تضرراً من أية دولة أخرى في المنطقة. إذ هناك مساع محمومة من قبل السياسيين العراقيين الموالين لكل من إيران و أمريكا في جر العراق إلى أحد المحورين المتصارعين دون أن يدركوا تبعات وعواقب هذا التخندق. فالعراق بحاجة إلى علاقة متكافئة مع إيران و أمريكا دون الانضمام إلى أي من المحورين في صراعهما.
وقد بدأ التصعيد بقيام كتائب حزب الله العراقي يوم الجمعة (27/12/2019) بهجوم صاروخي على موقع أمريكي في العراق، قُتل على أثره متعاقد أمريكي، وإصابة أربعة من أفراد الخدمة الأمريكية. ورداً على هذا الهجوم قصفت طائرة أمريكية حربية ليلة الأحد 29/12/2019) عدداً من مواقع كتائب حزب الله أدى إلى مقتل 25 مقاتلاً، وإصابة العشرات. لاحظ الفرق في نسبة الخسائر بين الطرفين (1 إلى 25 لصالح أمريكا). مما حدا بقيام تظاهرة هجومية اتصفت بالعنف على السفارة الأمريكية. ورداً على هذه التظاهرة قامت أمريكا بعملية بمنتهى الدقة بالضربة الجوية التي أودت بحياة سليماني والمهندس وستة آخرين، كما أشرنا آنفاً(2).
والغريب أن المتظاهرين العراقيين المؤيدين لأمريكا أعربوا عن ابتهاجهم بالضربة الأمريكية. أما الحكومة والمرجعية فقد أدانتها لكونها قتلت قادة ساهموا في محاربة داعش، واعتبرتها انتهاكاً للسيادة الوطنية، ومخالفة لوجود القوات الأمريكية في العراق، التي الغرض منها محاربة داعش وليس محاربة أعداء داعش. لكن المشكلة أن أعداء داعش (إيران وأمريكا) في حالة عداء مستفحل بينهما لا يقل ضراوة عن عداء كل منهما ضد داعش.
إن سلسلة العمليات التصعيدية بين إيران وأمريكا لا بد وأن تؤدي إلى حرب ضروس تحرق المنطقة بكاملها. فإيران هددت على لسان المرشد السيد علي خامنئي:”الانتقام الساحق بانتظار منفذي الجريمة”.
أما الضربة الأمريكية القادمة فتعتمد على نوعية الضربة الإيرانية القادمة ومكان وزمان حصولها.
وهذا يعني أن المنطقة مهددة بحرب واسعة لا تبقي ولا تذر في حالة قيام إيران برد فعل انتقامي ثأري ضد أمريكا، وبالتأكيد أمريكا سترد بالمثل، وربما بالصاع صاعين أو أكثر كما في حالة الضربة الأمريكية الأخيرة. وهذا بالضبط ما كانت تسعى إليه إسرائيل والسعودية إلى جر أمريكا لشن حرب مدمرة على إيران وأية دولة أو جماعة تقف معها، ويمكن أن يكون العراق ساحة لهذه الحرب.
فلماذا هذا التصعيد غير المبرر نحو الكارثة؟
يؤكد التاريخ أن الاعتداء على السفارات والقنصليات الأجنبية خطر كبير ومخالف للأعراف والقوانين الدولية، يجب تجنبه في جميع الأحوال. وعلى سبيل المثال، بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 قامت مجموعة من الطلبة المتشددين في طهران بالهجوم على السفارة الأمريكية، واختطفوا طاقمها وأسروهم لمدة 444 يوماً. لم تقم أمريكا بشن حرب على إيران، بل ورطوا الشقيً صدام حسين ليقوم لهم بالمهمة القذرة، فأدخلوا في روعه أن الحرب ستكون خاطفة، لأن الجيش الإيراني الشاهنشاهي مفكك وضعيف وضد ثورة الخميني، لذلك لن تستغرق الحرب أكثر من عشرة أيام، وتنتهي بانتصاره، و يخرج بطلاً منتصراً تدين له الشعوب العربية بالولاء، و سيكون هو خليفة عبدالناصر، وبسمارك العرب. والنتيجة أن الحرب دامت 8 سنوات أهلكت الحرث والنسل في البلدين، لتليه حرب أخرى، حيث قام صدام بجريمة غزو الكويت، إلى آخر المأساة لينتهي بأحقر نهاية يستحقها.
ومثال آخر حول الاعتداء على البعثات الدبلوماسية: قام متشددون إيرانيون أيضاً، قبل عامين بحرق القنصلية السعودية في طهران، والنتيجة أن السعودية كسبت الرأي العام العالمي، ولم تقم بحرق القنصلية الإيرانية في بلادها، بل ورطت عراقيين في تظاهراتهم الأخيرة حيث أحرقوا ثلاث أو أربع قنصليات إيرانية في العراق نيابة عن السعودية.
مشكلة العراقيين أنهم لم يتعلموا أي درس من التاريخ، لا القريب ولا البعيد. لذلك حذرنا مع غيرنا، من مغبة الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد وعواقبها الكارثية. فالسيد هادي العامري قائد الحشد الشعبي والمرحوم نائبه أبو مهدي المهندس، وغيرهما الذين قادوا الهجوم على السفارة الأمريكية، لم يكونوا تلامذة جامعة تنقصهم الخبرة، بل هم شخصيات سياسية، وقادة كتل برلمانية وفصائل الحشد الشعبي، إضافة إلى تجاربهم في النضال و الجهاد لعشرات السنين، فالمفروض بهم أن يكونوا قد استخلصوا دروساً وعبراً من التجربة الإيرانية، إضافة إلى خبراتهم الجهادية الشخصية بتجنب التحرش بالسفارة الأمريكية وغيرها، وأية عملية تصعيدية تهدد أمن وسلامة العراق وكل دول المنطقة. إن الكارثة آتية لا ريب فيها… ولكن لا حياة لمن تنادي.
قد يهمك أيضا:
العراق يعلن خروجه من الفصل السابع في برنامج النفط مقابل الغذاء
وزارة الخارجية العراقية تستدعي السفير الأميركي في بغداد للاحتجاج على قرار ترامب بشأن القدس