بغداد – نجلاء الطائي
أعلن المدير التنفيذي لمرصد الحريات الصحافية زياد العجيلي، أن الصحافيين والإعلاميين في بغداد يعانون من صعوبة التحرك والتنقل وحمل الكاميرات بسبب المضايقات الأمنية، مؤكدًا أن الأمر يحتاج إلى موافقات أمنية وعسكرية، على عكس حمل السلاح.
وأضاف العجيلي في تصريحات خاصة إلى "العرب اليوم"، قائلًا "حرية الصحافة مكبلة في بلاد العسكر، والمخاطر التي تهدد الصحافيين مازالت متعددة الأشكال ما بين القتل والخطف، وغلق العديد من المحطات التلفازية والمواقع الأخبارية، والتهديدات المباشرة وغير المباشرة للصحافيين وابتزازهم، في انتهاك واضح لحق الحصول على المعلومات، ولمنعهم من كشف ملفات الفساد ومحاربة الفاسدين التي كانت العنوان الأبرز للتظاهرات والاحتجاجات السائدة، وهو الأمر الذي يشير إلى تصاعد متزايد في التضييق على الحريات الصحافية".
وتنص المادة "38″ من الدستور العراقي على أن "تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب، أولًا "حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، ثانياً حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، وثالثًا حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
وتطرق العجيلي إلى الحديث عن مرصد الحريات الصحافية، قائلًا "هو منظمة غير حكومية تأسست عام 2004 من قبل صحافيين مستقلين هدفها الدفاع عن الحريات الصحافية وحرية التعبير، في عام 2007 حاز المرصد على جائزة أفضل منظمة في العالم للدفاع عن الصحافيين ومنحته منظمة مراسلون بلا حدود هذا التكريم في باريس وفي ذات الوقت أعلنت مراسلون بلا حدود أن مرصد الحريات الصحافية أصبح شريكًا لها في العمل، ولعب مرصد الحريات الصحافية دورًا مهمًا من ناحية خلق مجموعة ضغط كبيرة على الطبقة السياسية والسلطة التنفيذية، ونجح في ذلك من خلال الكثير من المواقف، وللمرصد وحدة حماية قانونية تقف أمام المحاكم في حال تعرض أي صحافي للمقاضاة، إضافة إلى أن المرصد يقدم الاستشارات القانونية إلى جانب تقديمه الدعم اللوجستي للصحافيين الذي يغطون المعارك في العراق ويقدم لهم وسائل الحماية والأمان المتمثلة في السترة الواقية من الرصاص والحقائب الطبية".
وأوضح أن المرصد توصل عبر احصائياته إلى أنه في عام 2003 ، قتل 293 صحافيًا عراقيًا وأجنبيًا من العاملين في المجال الإعلامي، ضمنهم 166 صحافيًا و73 فنيًا ومساعدًا إعلاميًا، ويلف الغموض العديد من الاعتداءات التي تعرض لها صحافيون وفنيون لم يأت استهدافهم بسبب عملهم، ولم يكشف القضاء ولا الجهات المعنية عن مرتكبي الجرائم التي يتجاوز تصنيفها بكثير أي بلد آخر في العالم. ووثق تقرير أعده مرصد الحريات الصحافية (JFO) ومنظمة مراسلون بلا حدود، في 27 اكتوبر/تشرين الأول من العام 2015، 48 حالة اختطاف في صفوف الإعلاميين والصحافيين والعاملين في المؤسسات الإعلامية في الموصل، حيث أُعدم منهم ما لا يقل عن 13 في مدينة الموصل. وما زال الغموض يلف مصير 10 صحافيين آخرين، حيث يُعتقد أنهم محتجزون في معتقلات "داعش"، وهم 193 صحافيًا قتلوا على أيدي مسلحين مجهولين او مليشيات. و58 أخرين لقوا حتفهم أثناء تواجدهم في أماكن حدثت فيها انفجارات نفذها مجهولون. و22 صحافيًا قتلوا بنيران القوات الأميركية. وصحفيان قتلا بنيران القوات العراقية.
وتابع العجيلي "هذا يعني أن الصحافي العراقي مستهدف من كل الأطراف المتنازعة دون استثناء، وأن مهنة الصحافة باتت موضوع انتهاك يومي، دون أدنى اعتبار للدور المهني والإنساني الذي تقدمه، وأن سلطتها الرابعة التي مارستها في خضم الأحداث على مدار السنوات الثلاث الماضية، تواجه الآن انتقامًا ممن يضيقون ذرعًا في حق الإنسان، داخل العراق وخارجه، في معرفة الحقيقة، وممن يخرقون المواثيق والأعراف والمحرمات، إذا وجدوا أن هذا الخرق يخدم مصالحهم".
ورأى بشأن عدم التزام الحكومات المتعاقبة باحترام الحريات الصحافية من خلال الشفافية في توفير المعلومة الصحافية للصحافيين، أن الحكومات في الشرق الأوسط شمولية التفكير والتوجهات، ولهذا نجدها دائمًا تحاول السيطرة على المعلومات وعلى وسائل الإعلام، وفي العراق نجحت الحكومات السابقة من ذلك حيث أن أغلب الصحافيين يميلون إلى السلطة الحكومية لآنها تمتلك المال والنفوذ وتحاول دائمًا فرض رقابة مشددة على عمل وسائل الإعلام بمساعدة بعض الصحافيين أو التجمعات الصحافية. وعلى سبيل المثال وبعد وقوع مناطق تحت سيطرة تنظيم "داعش" المتطرف في حزيران / يونيو 2014 اتخذت السلطات الحكومية مجموعة إجراءات تتعلق بعمل وسائل الإعلام ووسائل الاتصال وخدمة الانترنت، وعمدت الأجهزة الأمنية ووزارة الاتصالات ومعهم هيئة الإعلام إلى قطع خدمة الانترنت في أغلب محافظات ومدن العراق، وشددت الرقابة على القنوات الفضائية والمنافذ الإخبارية ووكالات الأنباء، إضافة إلى حجبها جميع مواقع التواصل الاجتماعي مثل "الفيسبوك، وتويتر، ويوتيوب وخدمات أخرى مثل سكايب وفايبر و واتس آب".
وكشف أنه من الحالات الأمنية النادرة شهد إقليم كردستان العراق عمليات قتل لصحافيين وعمليات احتجاز وتضييق. غياب الصحفيين عن مشهد التواصل مع الكثير من مناطق البلاد جعل التغطية الصحافية غير موضوعية، وفي الوقت الذي مارس فيه المتطرفون حرية السيطرة على عملية نشر المعلومات في المناطق التي يبسطون سيطرتهم عليها، فسح المجال إلى هيمنة صحافيين متحزبين متطرفين بدلًا من صحافيين محترفين، وتركت هذه التغطيات أثرها على الصورة الكبيرة للأحداث وسط روايات متناقضة، وهو ما أدى إلى إضعاف الثقة في بعض ممن تبقى من الصحافيين الحقيقيين الذين يحاولون نقل حقائق الأحداث وإنقاذ مصداقية الإعلام، وهو ما دفع عناصر داعش إلى ممارسة أبشع الجرائم والترويع ضد الصحافيين ومندوبي الأخبار في محاولة منه لاستكمال حريته في نشر ما يريده وإخفاء الجوانب المظلمة من عملياته.
وأكد أن لمرصد الحريات الصحافية علاقات دولية واسعة تتمثل في جانبين، الجانب الأول الشركات مع المنظمات الدولية المعنية بحرية التعبير وحقوق الإنسان، والجانب الثاني علاقتنا مع الصحافيين الأجانب والمؤسسات الإعلامية الموجودة في أميركا وأوروبا، وهذا بكل تأكيد يمنحنا قوة بمواجهة الضغوطات الحكومية أو الحزبية التي يتعرض لها الصحافيون.
ونفى العجيلي قدرة المرصد على إنهاء جميع المخاطر التي يتعرض لها الصحافي الذي يغطي المناطق الساخنة، مضيفًا "لكننا على أقل تقدير نقدم لهؤلاء العاملين في المناطق الخطرة إرشادات أمنية وندخلهم بدورات تدريبية تتعلق بموضوعة السلامة الأمنية والجسدية للصحافيين في مناطق الحروب ونزودهم بوسائل الحماية اللازمة المتمثلة بالستر والخوذ الواقية من الرصاص وحقائب الإسعافات الأولية. وأشار إلى أن مرصد الحريات الصحافية يعتمد على شبكة صحافيين موزعين على جميع مدن العراق ويصل عددهم إلى أكثر من 50 صحافيًا وأغلبهم محترفين ويعملون بوسائل إعلام مهمة وهم يعملون معنا بشكل طوعي ويزودونا بالأخبار والتقارير من مدنتهم.
وواصل العجيلي حديثه قائلًا "الحكومة نجحت بسن قانون حماية الحكومة من الصحافيين وليس العكس". وتمكنت الحكومة العراقية من تمرير قانون "حقوق الصحافيين" الذي لا يرقى إلى مستوى المعايير الدولية لحرية التعبير، ويرتبط بشكل مباشر بالقوانين العراقية السابقة، ومن بينها قانون العقوبات لسنة 1969 الذي يجرّم التشهير وقضايا النشر، وقانون المطبوعات لسنة 1968 الذي يسمح بسجن الصحافيين لمدة تصل إلى سبع أعوام إذا ما أدينوا بتهمة إهانة الحكومة. وحسب دراسة أجراها "مرصد الحريات الصحافية" ومجموعة من خبراء التشريعات، فأن القانون الذي يتكون من 19 مادة يتضمن في الغالب تعريفات غامضة، وتعمد بعضها إلى تحجيم الوصف اللائق بالعاملين في وسائل الإعلام وتضعهم في دائرة الوصف الوظيفي الملزم وهوما لا يتيح التعاطي الإيجابي مع أشكال من العمل الصحافي خارج هذا الوصف خاصة بالنسبة لمجموعات تمارس أعمالًا استحدثت في الوقت الحالي مواكبة لتطورات تقنية متصاعدة أتاحت لأفراد أن يعملوا عبر الانترنت ومن خلال التدوين والإدارة الخاصة بغرف الأخبار. وبالتالي فان القانون يحرم هؤلاء الناشطين في مجال التدوين من امتيازات طبيعية تمنح لهم في هذا السياق.
ويعامل القانون الصحافيين، في بعض مواده، خاصة المتعلق منها بالحماية، كما لو أنهم أطفال صغار بحاجة إلى دورات تلقيح متكررة على مدار العام، بينما يتيح للسلطات أن تحكم عمل الصحافي وفق المزاج الأمني والسياسي وهذا توجه خطير لأنه يقيد حراك الصحافيين ويحجب عنهم معلومات ومهام مفترضة.
وتربط فقرات هذا القانون، الصحافيين بقوانين سابقة تبالغ في المعاقبة على ما يسمى "جرائم النشر" وتحدد حرية الصحافة بما ينسجم مع نظام القمع والاستبداد والدكتاتورية في النظام السابق، وهو أمر يتقاطع مع أحكام الدستور الحالي جملة وتفصيلًا. ومن بين الأمثلة على تلك القوانين ما ورد في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 النافذ وقانون المطبوعات رقم 206 لسنة 1968 وقانون وزارة الإعلام (المنحله) رقم 16لسنة 2001 وقانون الرقابة على المصنفات والأفلام السينمائية رقم 64 لسنة 1973 وقانون نقابة الصحفيين رقم 178 لسنة 1969 المعدل والنافذ.
وتعتبر هذه القوانين في عمومها من مخلفات النظام الديكتاتوري واستمرار العمل بها يقوض بشكل كبير حرية الصحافة والتعبير. وعلى هذا الأساس فإن "مرصد الحريات الصحافية" يسعى إلى اتخاذ التدابير والإجراءات الممكنة لتغيير هذه التركة الثقيلة من القوانين لم تعد تنتمي إلى روح العصر.
ولفت إلى أن مجمل الانتهاكات سنويًا بلغ حوالي من 200 إلى 300 حالة مختلفة بين الاعتداء بالضرب أو الاحتجاز التعسفي والمنع من العمل الميداني، إضافة إلى وجود قرارات تتخذها السلطات بقصد الضغط على المؤسسات الإعلامية، ومنها مساعي السلطات الحكومية للسيطرة على استقلالية وسائل الإعلام عند هذا الحد، فقد كشف "مرصد الحريات الصحافية" عن وثيقة رسمية حصل عليها العام الماضي، تنص على وقف عمل 44 وسيلة إعلام بينها محطات تلفزة وإذاعات بارزة محليا وأخرى معروفة على نطاق دولي. وقررت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية تعليق رخص عمل 10 قنوات فضائية لـ"تبنيها خطابًا طائفيًا" رافق أحداث الحويجة، وأكدت أن تلك القنوات عملت على "تمزيق" نسيج العراق الاجتماعي من خلال التحريض على العنف والكراهية الدينية والدعوة إلى ممارسة أنشطة "إجرامية انتقامية"، مشددة على ضرورة إدراك أن حرية التعبير عن الرأي "ليست حقاً مطلقاً". والقنوات هي "بغداد، والشرقية، والشرقية نيوز، والبابلية، وصلاح الدين، والانوار2، والتغيير، والفلوجة، والجزيرة، والغربية"، مبينة أن تلك القنوات اعتمدت "نهجًا تصعيديًا أقرب إلى التضليل والتهويل والمبالغة منه إلى الموضوعية، يهدد وحدة البلد ويعمل على تمزيق نسيجه الاجتماعي" من دون أن تطرح امثلة وادلة عن حقيقة "التهديد" الذي مثلته تغطيات تلك القنوات على "النسيج الاجتماعي العراقي".
وأثارت هيئة الاتصالات والإعلام العراقية حفيظة الصحافيين ووسائل الإعلام والمراقبين المحليين والدوليين، من خلال ممارسة أساليب ضغط خارج إطار الشرعية. فلم تستطع هيئة الاتصالات والإعلام التمييز بين التنظيم والتقييد، وذلك يرجع بشكل رئيس إلى غموض لوائحها وغياب الرقابة البرلمانية على أدائها، ما أدى لاتخاذ إجراءات مجحفة بحق بعض وسائل الإعلام بدعوى خرق اللوائح. الهيئة وبدلا من تنظيم خدمات البث، صارت تقوض جهود حرية التعبير وترمي في أفعالها وقراراتها إلى ترهيب الإعلاميين ووسائل الإعلام المختلفة، خصوصاً تلك التي واجهت قرارات غلق وتهديد وفرض رسومات مالية غير مسبوقة، ما أدى إلى خشية متنامية من دور سياسي تقوم به الهيئة لحساب جهات حكومية وبعيدا عن نظم البث والقوانين المرعية في هذا الاتجاه، فاتخذت الهيئة قراراً بإغلاق قناة "البغدادية" الفضائية أضافة إلى سحب ترخيص البث الدولي لهيئة الإذاعة البريطانية "BBC" باللغة الإنكليزية.
واختتم حديثه قائلًا "من الصعب على أي جهة ان تعتمد على اللوائح القانونية أو المواثيق الدولية والدستورية في مناطق النزاع من ضمنها العراق. أننا أمام مشهد معقد للغاية ومر العراق بحالات مثيرة للقلق ومؤشرات مختلفة خطيرة تجاه تقييد حرية الصحافة المستقلة في البلاد، ووثق مرصد الحريات الصحافية الهجمات الشرسة التي تعرضت لها المؤسسات الإعلامية العراقية والصحافيين المستقلين في البلاد، إضافة إلى عمليات التضييق الرهيبة التي تعرض لها الصحفيون الميدانيون. ومازالت السلطات التنفيذية والقوات العسكرية تضيق بقوة على حركة الصحافيين وتجوالهم في المدن العراقية، فحركة أي صحافي أو فريق إعلامي يتطلب موافقات تصدرها القيادات العسكرية والأمنية، إضافة إلى القلق الذي ينتاب الصحافيين والمراسلين الميدانيين بسبب نفوذ الجماعات المسلحة في المدن العراقية والميليشيات من ضمنها".