تمثال الحرية

يُعد تمثال الحرية واحدًا من أبرز معالم الولايات المتحدة الأميركية وخلال زيارتك لهذا المعلم التاريخي يمثل التاج أعلى نقطة من الممكن زيارتها، في أثناء ذلك وخلال العقود القليلة التي تلت افتتاح تمثال الحرية كانت الذراع المرفوعة أعلى نقطة يمكن زيارتها لكن مع حلول سنة 1916 وعلى إثر حادثة تخريبية أغلق هذا الجناح بشكل رسمي في وجه الزوار ليظل كذلك إلى يومنا الحاضر.

تعود تفاصيل هذه الحادثة إلى العقد الثاني من القرن العشرين، فخلال تلك الفترة عمدت سلطات الولايات المتحدة الأميركية إلى تخزين نسبة كبيرة من الذخيرة وقذائف المدافع في جزيرة بلاك توم قبالة مدينة جيرسي سيتي (تابعة لولاية نيوجيرسي) لتتحول تلك المنطقة تدريجيًا بحلول سنة 1914 إلى أكبر مخزن للذخيرة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية وتزامنًا مع ذلك ومن أجل تسهيل عملية التنقل نحو هذه الجزيرة أقدمت السلطات الأميركية على إنشاء خط سكك حديدية ربط جزيرة بلاك توم بمدينة نيوجيرسي.

وشهد العالم في حدود سنة 1914 اندلاع الحرب العالمية الأولى وخلال تلك الفترة حافظت الولايات المتحدة الأميركية على حيادها إلى حدود سنة 1917 قبل أن تتدخل رسميًا في النزاع لصالح دول حلف الوفاق الثلاثي والذي تكون أساسًا من بريطانيا وفرنسا وروسيا.خلال فترة حيادها ما بين سنة 1914 وسنة 1917 لم تتردد الولايات المتحدة الأميركية في بيع نسبة كبيرة من الذخيرة للأطراف المتحاربة، في أثناء ذلك أقدمت بريطانيا على فرض حصار بحري خانق على ألمانيا بهدف منعها من الحصول على الأسلحة الأميركية.

وحقق الحصار البحري البريطاني على ألمانيا نتائج إيجابية فبينما تمكنت بريطانيا وفرنسا وروسيا من الحصول على الذخيرة الأميركية حرم الألمان من ذلك وأمام هذا الوضع السيئ قررت ألمانيا التحرك لوقف تدفق السلاح الأميركي على دول الوفاق الثلاثي.

وأقدمت ألمانيا في حدود سنة 1916 على إرسال عدد من عملائها إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد أن أوكلت إليهم مهمة تخريب مخازن الذخيرة بجزيرة بلاك توم قبالة مدينة جيرسي سيتي.أواخر شهر تموز/يوليو سنة 1916 احتوت مخازن الذخيرة بجزيرة بلاك توم على ما يقدر بمليوني رطل من المتفجرات إضافة إلى كمية أخرى من الذخيرة والقذائف بلغ وزنها حوالي 100 ألف رطل كانت على متن سفن متوجهة إلى روسيا وبالتالي كان من الحتمي أن يتسبب تفجير هذا الكم الهائل من المتفجرات في كارثة رهيبة.

وأقدم عدد من العملاء الألمان على تفخيخ أجزاء من مخازن الذخيرة بجزيرة بلاك توم باستخدام قنابل حارقة موقوتة قبل أن يلوذوا بالفرار، خلال الليلة الفاصلة بين يومي التاسع والعشرين والثلاثين من شهر يوليو/تموز سنة 1916

ويوم الثلاثين من شهر يوليو/تموز سنة 1916 وفي حدود الساعة الثانية وثماني دقائق ليلًا اهتزت المنطقة على وقع انفجار رهيب أدى إلى تحطم زجاج نوافذ منازل على بعد ثلاثين كلم فضلًا عن ذلك وبناء على مراكز الرصد الأميركية تسبب تفجير مخازن الذخيرة بجزيرة بلاك توم في زلزال بلغت شدته 5.5 درجة على مقياس ريختر. مع حلول ساعات الصباح الأولى أدرك الأميركيون حجم الكارثة حيث أسفر الانفجار عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة المئات فضلًا عن ذلك قدرت الخسائر المادية بنحو عشرين مليون دولار (أي ما يعادل أكثر من 450 مليون دولار خلال الفترة المعاصرة(.

تزامنًا مع كل هذا ألحق الانفجار بجزيرة بلاك توم أضرارًا جسيمة بتمثال الحرية المطل على خليج نيويورك حيث تسببت هذه الحادثة في تخريب أجزاء من الرداء واليد اليمنى الممسكة بالمشعل للتمثال وقد قدرت تكلفة إعادة إصلاح هذه الأضرار التي لحقت بتمثال الحرية بنحو مائة ألف دولار (ما يعادل أكثر من مليوني دولار خلال الفترة المعاصرة(.

ومنعت السلطات الأميركية الزوار من الاقتراب من جزيرة الحرية التي احتوت على تمثال الحرية فضلًا عن ذلك ومنذ تلك الفترة تم رسميًا إغلاق جناح الذراع المرفوعة.

ولم تتمكن السلطات الأميركية من تحديد الطابع التخريبي لانفجار جزيرة بلاك توم لتعلن لاحقًا أن الانفجار ناتج عن حادث عرضي.بعد نهاية الحرب العالمية الأولى بسنوات عديدة أعلن أحد المهاجرين السلوفاكيين عن تخابره مع الألمان خلال تفجير جزيرة بلاك توم ليتم على إثر ذلك فتح تحقيق جديد أثبت تورط بعض الحراس ذوي الأصول الألمانية، فضلًا عن ذلك أكدت السلطات الأميركية هذه المرة تورط الإمبراطورية الألمانية (سابقا) في هذا الحدث التخريبي.

ووافقت ألمانيا الغربية على تحمل مسؤوليتها عن التفجير لتوافق حينها على دفع تعويض مالي للأميركيين قدرت قيمته بنحو خمسة وتسعين مليون دولار تم دفع آخر قسط منه سنة 1979.