قوات الجيش الإمبراطوري الروسي

سجّل العديد من الجلاّدين أسماءهم بحروف من الدم، على مر التاريخ البشري، حيث لم يترددوا في تنفيذ الآلاف من عمليات الإعدام طيلة فترات حياتهم، ومن ضمنهم يذكر التاريخ أسماء بارزة كالجلاد الألماني يوهان ريكارت خلال فترة "الرايخ" الثالث، والذي أعدم أكثر من 2000 شخص، وجلاد الثورة الفرنسية شارل هنري سانسون، الذي أعدم وحده أكثر من 3000 شخص عن طريق المقصلة.

وأمام كل هذه الأسماء، يبرز اسم اللواء السوفيتي فاسيلي بلوخين، والذي شغل ما بين عامي 1926 و1952 منصب المسؤول عن قسم عمليات الإعدام لدى جهاز الشرطة السرية السوفيتية، والذي يلقب أيضا بالمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية ( NKVD )، وخلال فترة توليه هذا المنصب حقق رقمًا قياسيًا دخل من خلاله التاريخ كأكثر جلاد دموي على مر التاريخ البشري.

وخلال فترة الحرب العالمية الأولى، انضم بلوخين للعمل ضمن قوات الجيش الإمبراطوري الروسي، لكن على إثر نجاح الثورة البلشفية انتقل عام 1921 للعمل ضمن جهاز الأمن القومي السوفيتي المعروف باسم "تشيكا"، وأثناء فترة عمله لصالح التشيكا كسب سمعة مروعة حيث لم يتردد في تنفيذ العديد من عمليات الإعدام دون رحم، وبعدها، عُيّن عام 1926، بناءً على أوامر مباشرة من القائد السوفيتي جوزيف ستالين، مسؤولا عن قسم عمليات الإعدام لدى جهاز الشرطة السرية السوفيتية.

وأثناء فترة "التطهير الكبير" التي شهدها الاتحاد السوفيتي خلال ثلاثينيات القرن الماضي، والتي أمر خلالها ستالين بملاحقة عدد كبير من الفلاحين والمثقفين ورجال الدين وعدد من قادة الجيش إضافة إلى نسبة كبيرة من رفاقه في الحزب الشيوعي، لعب بلوخين دورا هاما في تنفيذ عشرات الآلاف من عمليات الإعدام رميًا بالرصاص، فضلًا عن ذلك وبناءً على أوامر من ستالين، لم يتردد في إعدام قادته السابقين على رأس جهاز الشرطة السرية السوفيتية حيث تكفل الأخير عام 1938 بمهمة التخلص من المفوّض الشعبي السابق لأمن الدولة غينريخ ياغودا قبل أن يقدم عام 1940 على إعدام المسؤول السابق عن الشرطة السرية السوفيتية نيكولاي يجوف.

ومع بداية الحرب العالمية الثانية، وعلى إثر اقتسام أراضي بولندا بين كل من ألمانيا والاتحاد السوفيتي، تمكّن السوفيت من أسر عشرات الآلاف من الضباط البولنديين، وعقب اقتراح من المسؤول بوزارة الشؤون الداخلية لافرينتي بيريا وموافقة ستالين صدرت أوامر صارمة لجهاز الشرطة السرية السوفيتية بإعدام عدد هائل من الأسرى البولنديين ضمن ما عرف لاحقا بـ"مذبحة كاتين"، التي امتدت خلال الفترة ما بين شهري إبريل/نيسان وأيار/مايو عام 1940 وخلالها لقي أكثر من 20 ألف ضابط بولندي مصرعهم، وكان بلوخين مسؤولا عن إعدام الآلاف منهم.

وخلال فترة تنفيذ مذبحة كاتين تكفّل فاسيلي بلوخين شخصيا بمهمة تنفيذ عمليات الإعدام حيث وضع خطة سعى من خلالها إلى إعدام 300 أسير بولندي يوميًا، وعلى مدار 28 ليلة متتالية لم يتردد شخصيًا في إعدام الأسرى البولنديين، حيث تكفل بإعدام حوالي 250 أسيرا بشكل يومي، وبناءً على عدد من الشهادات كان يتم جلب الأسرى البولنديين الواحد تلو الآخر نحو غرفة الإعدام قبل أن يتكفل بلوخين بإعدامهم بدم بارد عن طريق توجيه رصاصة إلى كل واحد منهم على مستوى الجانب الخلفي لجمجمة الرأس، يقدم كل ليلة تزامنا مع نهاية عمليات الإعدام على توزيع كميات من الكحول على جنوده ومساعديه.

على مدار 28 يوما أقدم فاسيلي بلوخين شخصيًا على إعدام أكثر من 70000 أسير بولندي ليدخل عقب هذه المذبحة التاريخ كأكثر جلاد دموي عرفته البشرية، وعقب نهاية المذبحة، حصل على وسام "الراية الحمراء" السوفيتي كتكريم له على "شجاعته في تنفيذ الأوامر"، وعقب وفاة جوزيف ستالين عام 1953 وبداية سياسة القطيعة مع الحقبة الستالينية، لم يتردد القائد السوفيتي نيكيتا خروتشوف في تجريد بلوخين من رتبته العسكرية وأوسمته التي حصل عليها خلال الحرب العالمية الثانية، فأصيب بانتكاسة انتهت بانتحاره شنقا يوم الثالث من شهر شباط/فبراير عام 1955.