القاهرة ـ العراق اليوم
بعد سنوات من المحاولات خلال العقود الماضية، يبدو أنه آن الأوان أخيرًا لاستعادة منطقة باب العزب الواقعة داخل أسوار قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، رونقها عبر مشروع للتطوير ينفذه "الصندوق السيادي المصري" تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار، حيث وقّع الطرفان عقدًا لتطوير وتقديم وتشغيل وإدارة خدمات الزائرين في المنطقة، يتولى بموجبه المجلس الأعلى للآثار إدارة المنطقة الأثرية، بينما يعمل "الصندوق السيادي" على تقديم وتشغيل وإدارة خدمات الزائرين، بهدف إعادة إحياء المنطقة الأثرية وإعلاء قيمتها التاريخية والاقتصادية.
و"باب العزب" هو أحد أبواب قلعة صلاح الدين، ويطل على مدرسة السلطان حسن ومسجد الرفاعي، وهو مكون من برجين لهما واجهة مستديرة، بناه الأمير رضوان كتخدا الحلبي عام 1160 هجرية، 1747 ميلادية، في موقع باب مملوكي، وجدده الخديو إسماعيل بالشكل القوطي، وأضاف إليه درجا مزدوجًا من الخارج، ويؤدي إلى منطقة تبلغ مساحتها 13 فدانًا، داخل أسوار القلعة وتضم مسجد رضوان كتخدا، ومصانع للأسلحة وملابس الجنود، وبقايا قصر الأبلق، والإسطبل السلطاني.
وتعد "باب العزب" منطقة أثرية مهمة جدًا، وفق الدكتور مختار الكسباني، أستاذ الآثار الإسلامية، الذي إنّ "هذه المنطقة تضم مجموعة ضخمة من المنشآت، ويوجد فيها أعظم أثر طبيعي، وهو الممر الحجري الذي ذُبح فيه المماليك في مذبحة القلعة، وهو ممر منقور في الصخر ويبلغ ارتفاعه أربعة أمتار".
وقال الكسباني إنّ "هذا الممر يمكن أن يتحول إلى مزار سياحي مهم جدًا، إضافة إلى إعادة استغلال المنشآت الأثرية داخل المنطقة، التي تضم مصانع للأسلحة وملابس الجنود، ومسجدًا"، مشيرًا إلى أنّ "هذه المنطقة كانت بمثابة المدينة الصناعية في القلعة والتي تنتج مستلزمات الجنود على مر العصور، وكانت تستخدم كقلعة حربية في العصر العثماني".
وبموجب عقد التطوير سيتولى الصندوق السيادي المصري الاتفاق مع مستثمري القطاع الخاص لتطوير وتنمية منطقة "باب العزب"، وإعدادها لتقديم الخدمات للزوار والسائحين، التي تشمل متحفًا بتقنيات تفاعلية، وسوقًا للعطارة والحرف التقليدية، ومدرسة للتصميمات، ومسرحًا للفنون والمناسبات الثقافية، وبازارات، ومكتبة تاريخية وساحة للأطعمة، وفق أيمن سليمان، الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي، الذي أضاف في بيان صحافي أول من أمس، أن "المشروع سيعمل على خلق فرص عمل في المجال السياحي، ويعيد إحياء هذه المنطقة التي ظلت مغلقة لسنوات، واستغلالها بشكل استثماري وسياحي".
وتعتمد استراتيجية وزارة السياحة والآثار حاليًا على إعادة تأهيل المباني الأثرية بعد ترميمها، بهدف الحفاظ عليها، ورفع كفاءتها وقيمتها الأثرية والحضارية، والمردود الاقتصادي، حسب الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الذي أوضح في بيان صحافي، أنّ "المشروع يروّج للمنطقة كمقصد أثري سياحي وثقافي".
وأعرب الكسباني عن سعادته بتوقيع الاتفاق، نظرًا لأهمية المنطقة التاريخية والأثرية، مشيرًا إلى أنّه "سبق وعمل على وضع تصور كامل لتطوير المنطقة وتحويل مصنع ملابس الجنود فيها إلى فندق تراثي (بوتيك أوتيل)، في عهد فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق". موضحًا أنّه "كان من بين المعارضين لمشروع التطوير الذي عُرض في التسعينات من القرن الماضي لأنّه كان يتضمن إنشاء فندق جديد، لكنّه بعد مناقشات مع وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني اتفق على استغلال المباني الأثرية كفنادق تراثية، وكان المشروع سيُنفّذ لولا ما حدث في يناير (كانون الثاني) عام 2011".
ولم يكن فاروق حسني ينوي إنشاء فندق جديد، مؤكدًا في تصريحات لـ"الشرق الأوسط" أنّ "مشروعه كان يستهدف تحويل ثكنات الجنود الإنجليز الموجودة في المنطقة إلى فندق تراثي، لكن المشروع واجه معارضة شديدة أثريًا وإعلاميًا، ظنًا منهم أنّه سيتمّ بناء فندق جديد"، مؤكدًا سعادته بالاتجاه لتطوير المنطقة، قائلًا: إنّ "هذا المشروع كان حلمًا لم أتمكن من تحقيقه، وأنا سعيد جدًا بتنفيذه الآن".
ووضع معماريون إيطاليون تصور المشروع القديم بعد عملية رفع مساحي للمنطقة التي تصل مساحتها إلى 13 فدانًا، وكان يستهدف تحويل المنطقة إلى حي سياحي يضم فندقًا تراثيًا، وجزءًا من بازارات سوق خان الخليلي، بدلًا من تركه "خرابة للقطط والكلاب لسنوات طويلة"، حسب حسني.
وأقرت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية في المجلس الأعلى للآثار، مشروع تطوير باب العزب عام 1993، وعندما طُرح واجه معارضة شديدة من الأثريين، مما تسبب في تجميده عام 1998، بعد دعوى قضائية رُفعت ضده، ليتجدّد الحديث عنه مرة أخرى في نهاية عام 2001، ويلقى نفس المعارضة، التي ركزت على رفض فكرة إنشاء فندق في المنطقة، وعلى أساليب الترميم المقترحة.
قد يهمك أيضًا