القاهرة - العراق اليوم
قال الناقد الأدبي الدكتور محمد حسن عبدالله، إن المحقق الراحل عبدالسلام هارون -الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم السبت- يُعد قامة كبيرة في مجال تحقيق عيون التراث العربي بصفة خاصة، ويكفي أن نذكر له أنه محقق "البيان والتبيين" للجاحظ "في أربعة أجزاء"، وكتاب "الحيوان" له أيضا.
وأضاف "عبدالله" أن كتاب "الحيوان" للجاحظ حققه هارون وهو مكون من ثمانية أجزاء، صنع – قبل زمن الكمبيوتر – فهرسًا ممتدًا متنوعًا، شمل نصف الجزء السابع، والجزء الثامن كاملًا، فهرسًا مفصلًا حسب الموضوع، والمصدر، والعصر، والقبيلة، والشاعر، والمصطلح البلاغي والنقدي.. إلخ، ولهذا فإنني كنت – في محاضرات الدراسات العليا – أحرض طلابي على دراسة فهرس عبد السلام هارون وتحليله لمحتوى كتاب الحيوان.
وأكد "عبدالله" أن الفهرس في استطاعته أن يلهم الباحث بإجراء عشرات الدراسات في فنون البلاغة والنقد والأدب، وعلم النفس، وعلم اللغة.. وتستطيع أن تضيف ما تشاء، دون أن تغادر دائرة كتاب الحيوان! هذا فضلا عن كتاب "خزانة الأدب" للبغدادي، وفي شواهد هذا الكتاب شوارد لا تحصى عبر 13 مجلدًا، حققها هارون منفردًا!
وتابع: عبد السلام هارون امتحنني في لجنة الشفوي سنة الليسانس، ومنحني درجة "ممتاز" على الرغم من أنه اختبرني في معنى موجود بأحد كتب التراث وهو كلمة "العَلات" فلم أعرفه، فقال لي بأدب رفيع: أبناء العلات هم الإخوة من الأب، وأمهات مختلفات، لأن الأب علّ من هذه، وعلّ من هذه، أي شرب، فحمدت له هذا التصويب وهذه الطريقة الراقية في نقل المعرفة.
وأوضح أن أول ما أذكر له من عبارات الحصافة، أن حادث النكسة الشهير "يونيه1967" جرى أثناء انعقاد أول امتحان عام في الجامعة الوليدة، وكنت أقوم بالمراقبة، فحين تحققنا من وقائع ما جرى، وعرفنا حجم الخسارة، ضاقت بي الدنيا، حتى أوشكت على الإغماء، وقد تنبه الأستاذ هارون لهذا فأقبل مهونا عليّ، وقال عبارة حكيمة جدا، أعرف الآن مدى قيمتها، قال: ما حدث هزيمة، وكل الأوطان تتعرض لها. افترض أن لديك حصانًا دخل السباق فخسره، هل تطلق عليه النار؟ أو تضع سكرًا في يدك وتطعمه ليستعد للشوط التالي؟! نزلت كلماته بردًا وسلامًا.
وقد يهمك أيضًا:دار الكرمة للنشر تصدر كتاب بعنوان "لن نصنع الفلك"