واشنطن ـ العراق اليوم
هو أغنى رجل في اليابان بثروة تقدر بـ ٢٩،٢ مليار دولار وهو في المرتبة الـ ٤١ ضمن لائحة أكثر رجال العالم ثراءً لعام ٢٠٢٠، ويبلغ من العمر ٧١ عاماً عصامي من الطراز الأول شق طريقه بنفسه وتحمل كل المصاعب كي يصل الى المكان الذي هو عليه اليوم. ثروة رجل الأعمال الياباني تأتي من مركزه كمؤسس ورئيس مجلس إدارة وصاحب أكبر نسبة من الأسهم في شركة «فاست ريتيلينغ» والتي هي أكبر شركة للملابس في آسيا ورابع أكبر شركة ملابس في العالم التي هي المظلة لعدد كبير من الماركات والعلامات التجارية. كما أنه يشغل منصب رئيس مجلس إدارة «جي يو المحدودة» ومدير ومستشار لشركات عديدة مثل «نيبون فينشر كابيتال المحدودة» ولأكثر من ١٨ عاماً كان ياناي عضواً مؤثراً في مجلس إدارة شركة «سوفت بنك»، منصب استقال منه في العام ٢٠١٩ كي يتمكن من التركيز على أعماله وشركاته الخاصة، ويعيش حالياً في منزل تقدر قيمته بخمسين مليون دولار ويملك ملعبين خاصيين للجولف في هاواي جاء من بيئة متواضعة للغاية.
البداية المتواضعة
ولد تاداشي ياناي في السابع من فبراير/ شباط عام ١٩٤٩ في مدينة يوبي في مقاطعة ياماغوتشي وأكمل دراسته في جامعة واسيدا في طوكيو في مجالي الاقتصاد والعلوم والسياسية وتخرج فيها عام ١٩٧١. فترة طفولته في تلك القرية الهادئة علمته الكثير، فمن جهة هناك والده الرجل الذي يعمل بجدية بالغة ومن جهة أخرى هناك عمه الذي كان ناشط ضد التمييز الذي كان يمارس بحق أبناء الطبقات الفقيرة والذين كانوا يعملون في وظائف «يحتقرها» أبناء الطبقة الثرية وتسمى «البوراكومين».
ولعل تأثره بنضال عمه لكسر «التابو» جعله اليوم من الشخصيات التي تتبرع بسخاء وتقدم الكثير لمجتمعها ولكل المجتمعات حول العالم وتساعد الذين هم أقل حظاً.
من السوبر ماركت إلى كنف والده
بعد تخرجه من الجامعة بدأ العمل كرجل مبيعات في متجر للملابس وفي متجر لبيع أدوات المطبخ في سوبرماركت جوسكو. يتذكر ياناي تلك المرحلة قائلاً: «كان هدفي هو ألا أعمل طوال حياتي، هكذا كنت حينها». وعن وظيفته الأولى فهو يقول بأنه حصل عليها لأن والده طالبه بالعمل في جوسكو و هو قام بذلك وهي «خطوة يندم عليها وبشدة».
أمضى عاما في وظيفته تلك قبل أن يقدم استقالته وينضم مرغماً إلى والده في مهنته. فهو كما قال في مقابلة مع «أي بي أس» لم يكن يملك خياراً لأنه لم يكن هناك أي مكان يذهب إليه وبالتالي عاد إلى منزل العائلة وبدأ بمساعدة والده وللغرابة فقد وجد نفسه بعد فترة يستمتع بما يقوم به، وكان والده يملك متجراً للملابس يسمى «أوجوري شوجي» وكانت العائلة تقطن في الطابق الثاني فوق المتجر الذي يقع في الطابق الأول.
بداية النجاح
في تلك القرية الصناعية «النائمة» كما يتم وصفها بدأ ذلك الشاب بإيقاظها من خلال تحريك عجلة التجارة ولو على نطاق ضيق. وبتعاون الأب والابن نمت الأعمال، ولأن تاداشي ياناي كان يملك حدساً تجارياً قوياً ويستمع إلى نصائح والده فإنه وخلال فترة قصيرة بدأ بتوسيع الأعمال وافتتاح متاجر في أماكن أخرى. في العام ١٩٤٨ انتقل إلى هيروشيما وافتتح أول متجر «يونيكلو» والذي كان بداية الأمر يسمى «يونيك كولورنغ ويرهاوس» واختصره ليصبح كما نعرفه اليوم. خلال عشر سنوات كان ياناي قد افتتح عشرات المتاجر في الضواحي تحت اسم علامته التجارية الجديدة «يونيكلو».
سر «يونيكلو» وسحرها الإنساني
لفهم سر تحول رجل كان يعمل في سوبرماركت إلى أثرى رجل في البلاد علينا فهم سر نجاح متجره الأول الذي بنى حوله إمبراطورية من المتاجر حول العالم، والسر يكمن في إصرار ياناي على الجودة فلم يكن هدفه تقدم ما هو مميز لناحية الموضة بقدر ما كان يهمه تقديم نوعية جيدة وهذا المبدأ حقق له نجاحات كبيرة فمثلاً سترة يونيكلو الصوفية التي يبلغ ثمنها ١٥ دولارا كانت قطعة الملابس الأكثر مبيعاً وقدر بأن واحدا من أصل ٤ يابانيين اشتروا هذه السترة بحلول العام ١٩٩٨.
ويتذكر ياناي تلك الفترة ويقول: «قد يبدو الأمر سلسلة من النجاحات للآخرين، ولكنني قمت بالكثير من الأخطاء. البشر عادة تأخذ فشلها على محمل الجد أكثر مما ينبغي. يجب التفاؤل والإيمان بأن النجاح سيكون نصيبك في المرة المقبلة».
والشركة هذه التي تملك أكثر من ٢٠٠٠ متجر والتي هي جزء من إمبراطورية ضخمة للغاية تخدم الغاية التي من أجلها إفتتح ياناي أول متجر له في هيروشيما وهي القيادة من خلال المشاركة بالعمل، تمكين الموظفين وفعل الخير والتخفيف من معاناة الأخرين.
واستغل ياناي شهرة يونيكلو وتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤؤن اللاجئين في العام ٢٠٠٦ ومنذ العام ٢٠٠٧ تبرعت الشركة بأكثر من ٢٥ مليون قطعة ملابس لـ ٤٨ دولة و١١،٥ مليون دولار لبرنامج المفوضية وتزويد ٢٠ ألف لاجئ بالمهارات المهنية والحياتية من خلال حصولهم على تمويل لبدء أعمالهم، توظيف عدد كبير من اللاجئين في متاجر يونيكلو في اليابان وفرنسا وألمانيا وأمريكا كما قامت الشركة بتقديم تبرعات أدت إلى حصول ١٢٠٠٠٠ طالب على التعليم، وما ينفك تاداشي يتبرع ففي العام ٢٠١١ تبرع بـ ٨.٨ مليون دولار لضحايا زلزال سيدني، كما تبرع في عام واحد بـ ١،٢ مليون دولار كمنح دراسية لطلاب يابانيين في كلية هارفرد للأعمال.
متجر الوالد «مظلة» لإمبراطورية
بعد افتتاحه لمتجره الأول في هيروشيما والنجاح الذي حققه قام ياناي بتبديل اسم متجر والده الى «فاست ريتيلينغ» عام ١٩٩١. وبات «المتجر» الصغير ذلك شركة ضخمة تملك عدداً كبيراً من الماركات والعلامات التجارية منها يونيكلو، هيلموت لانغ، ثيوري، برينسس تام تام، جاي براند، جي يو وكومبتوار دي كوتونيرز. في العام ١٩٩٤ طرح ياناي الشركة للاكتتاب واستمرت رحلة النجاح.
والمثير للاهتمام هو أن الفترة هذه لم تكن أرضاً خصبة للنجاح، بل على العكس. ففي التسعينيات عانت اليابان من أزمة اقتصادية حادة عرفت بـ«الركود العظيم». ولكن انكماش الاقتصاد والتباطؤ بالنمو لم يؤثرا على نمو الأرباح بل على العكس حققت متاجر يونيكلو أرباحاً كبيرة وذلك لأنها كانت تقدم ملابس عالية الجودة بأسعار أكثر من معقولة.
ولكن المسار لم يكن مكللاً دائماً بالنجاح فهو وفي كتاب نشره عام ٢٠٠٩ تحت عنوان «تبدد النجاح في يوم واحد» تحدث عن عمله في مجال بيع الخضار بالتجزئة عام ٢٠٠٢ وفشله الذريع والخسائر الفادحة التي مني بها لعامين حتى قرر الإنسحاب. حتى شركة «يونيكلو» عانت من الفشل في محطات عدة، ففي العام ٢٠٠٣ أغلق ١٦ متجراً في بريطانيا بسبب الخسائر. وفي العام ٢٠١٨ خسر وفي يوم واحد ١،٤ مليار دولار بعد أن هبطت أسهم الشركة ٦،٧٪ وهذه تعتبر الخسارة الأقسى التي يتعرض لها، ورغم ذلك واصل مسيرته وحقق النجاحات والأرباح.
الهدف هو «الأول عالمياً»
لطالما كان تاداشي ياناي صريحاً وواضحاً حول هدفه فهو يريد أن تصبح شركة فاست ريتيلينغ الأولى عالمياً. هو يعتبر شركتي «زارا» و«أتش أند أم» المنافسين ولأنه يدرك بأن هناك اختلافا جذريا في مقاربة كل واحدة منها فهو يرى بأن الابتكار المعلوماتي والتقني سيحدد من هو الفائز في نهاية المطاف.
فكل من «زارا» و«أتش أند أم» تعملان وفق مبدأ اللحاق بالموضة بشكل دائم ولكن شركة ياناي وعلاماتها التجارية لا تعتمد هذا المبدأ فهي تقدم قطع الملابس التي لا يتجاوزها الزمن ولا الموضة ولا ترهق نفسها بالركض خلف آخر صيحات الموضة.
ولأن المعركة تسير بخط متوازٍ على أرض الواقع وفي العالم الافتراضي فإن يونيكلو افتتحت في العام ٢٠١٩ متاجر جديدة لها ، تضاف إلى ٢١٠٠ متجر حول العالم، في كل من الدنمارك، إيطاليا، الهند وفيتنام. في المقابل دمجت الذكاء الاصطناعي في تجربة التسوق. ففي متاجرها بات هناك أكشاك «يو موود» التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والتي تعرض على الزبائن مجموعة مختلفة من المنتجات وتقيس ردة فعلهم للون أو للموديل من خلال الناقلات العصبية.
ووفق ردة فعل كل شخص يحصل المعني عى توصية حول المنتجات التي قد تعجبهم. الزبون لا يحتاج حتى الى الضغط على زر واحد، عقلهم يرسل الإشارات والنظام يحللها ويوفر عليهم عناء البحث عن ما يعجبهم.
وفي العام ٢٠١٨ أطلقت الشركة أيضاً جي يو ستايل ستوديو حيث يمكن للشخص تجربة الملابس ودمج كل ما يريده افتراضياً على أفاتار يتم ابتكاره وفق مقاسات الجسم التي يدخلها الشخص، ثم طلب ما يريده ويصار الى تسليم ما اختاره لمنزله.
قد يهمك أيضًا
كودلو يؤكّد أن إدارة ترامب راضية عن تنفيذ الصين لاتفاق التجارة