بغداد - العراق اليوم
يحل رمضان هذا العام والمجتمعات والأفراد في أغلب دول العالم يخضعون للحجر الصحي وحظر التجوال بهدف الحفاظ على سلامتهم وحمايتهم من جائحة كورونا التي ضربت العالم بلا هوادة، ولأن هذا الشهر الفضيل يتمتع بمزايا وخصال متعددة ويحث على عادات وتقاليد مهمة منها التواصل الاجتماعي، لكن فيروس كورونا أجبر الجميع على الانصياع الى سطوته التي غيّبت معالم الحياة.
انتظار
تزيّن الثلاثينية رهام سالم غرفة الجلوس وتضع فيها طاولة الطعام التي تضم الاطباق والاواني الرمضانية المزيّنة بالنقوش والالوان المبهجة، ويلتف حول المائدة صغارها الثلاثة وهم يترقبون موعد الافطار، تقول رهام: في كل عام كانت هذه الغرفة تكتظ بالاقارب والاصدقاء وتتعالى اصوات الابتهالات لله عز وجل ليديم نعمته على الجميع، ولكن هذا العام لاتضم هذه الغرفة سوى أسرتها الصغيرة، وهي بانتظار رمضان مقبل يضم الاهل والاقرباء في ظل ظروف افضل وانتهاء الوباء بشكل تام.
تواصل الكتروني
واضافت سالم: كنا ندعوة الاهل والاصدقاء على مأدبة افطار او سحور، ولكن هذا العام امتنعت عن هذه التقليد واستبدلته بالتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اذ اتواصل مع اهلي واقربائي واصدقائي من خلال الفيسبوك او الواتس اب، ومن الصعب ان يحل شهر رمضان الفضيل دون دعوة الاهل والاحبة، لكن الظروف الصحية القاهرة التي يعيشها العالم اجمع وليس بلدنا وحسب فرضت علينا ان نبتعد عن هذا العرف السائد في رمضان، والاستعاضة عنه بالتواصل عبر الوسائل المتعددة التي اتاحتها التكنولوجيا».
ثقافة صحيَّة
الباحثة بالشؤون الاجتماعية الدكتورة ندى العابدي قالت: شهر رمضان له شعائر وطقوس خاصة لما يختزنه من ذكريات، فهو يقرّب المسافات بين الاهل والاصدقاء لانّه يتكرر مرة واحدة في السنة، ولكنه يمر علينا هذا العام في ظل ظروف استثنائية وحجر صحي مفروض على الجميع للوقاية من هذا الوباء القاتل، ولذلك على الجميع التحلي بالثقافة الصحية والوعي الكامل واتباع الاجراءات والارشادات الصحية التي تطلقها وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة.
شعائر
تشير التقارير الاعلامية والالكترونية الى ما يقرب من 1.8 مليار مسلم حول العالم يستقبلون شهر رمضان هذا العام في توقيت صعب جراء تفشي فيروس كورونا الذي خيم بظلاله على الأجواء الرمضانية هذا العام، اذ اتخذت معظم البلدان إجراءات احترازية لمنع تفشي الفيروس، إذ اغلقت المساجد ومنعت صلاة التراويح فيها، فباتت تقام في المنازل. كما منعت التجمعات المسائية في وقت الإفطار والولائم الجماعية، التي اعتادوا فيها على تجديد أواصر الصداقة والتراحم الاجتماعي بينهم وتقديم المساعدة والصدقة
إلى المحتاجين.
التزام
وقد أثر فيروس كورونا على أقدس المواقع الإسلامية، فالمسجد الحرام في مكّة من دون مصلين، والمسجد النبوي في المدينة المنورة مغلق، وأبواب المسجد الأقصى في القدس مغلقة، وقد طغت الاجراءات الصارمة التي اتخذت لمكافحة تفشي الوباء على الاحتفالات والطقوس الدينية المعتادة في شهر رمضان، اذ وجهت الدول الاسلامية في العالم اجمع بمنع صلاة التراويح والجماعة في المساجد والجوامع وفي الحرمين المكي والنبوي حفاظا على سلامة المؤمنين ودعت الى ممارسة الشعائر الدينية بشكل فردي وداخل المنازل بعيدا عن خطر الوباء القاتل، ولكن هناك بعض الدول رفضت الانصياع لهذه التعليمات واقامت الصلاة الجماعية كاندونيسيا وبنغلادش وحضرها الالاف، الامر الذي سبب قلقا كبيرا للجهات الصحية هناك، خصوصا وان اللقاح الذي سيخلص العالم من جائحة كورنا مازال غير متوفر على الرغم من العمل الدؤوب والجهد الشاق الذي تبذله شركات الادوية والباحثين حول العالم للقضاء على هذا الوباء.
تغيير
ويرى الباحث بالشؤون الاجتماعية والنفسية الدكتور ولي الخفاجي: انه بعد كل أزمة او مشكلة اجتماعية غالبا ما تظهر عادة جديدة في المجتمع، واليوم والعالم يعيش ازمة وباء مجهول الهوية وتزامنا مع شهر رمضان المبارك فقد برز دور مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال المتعددة، اذ ساعدت على ربط الأسر مع بعضها البعض حفاظا على سلامتهم ومنعا للاختلاط الذي حثت عليه منظمة الصحة العالمية ومختلف الجهات المختصة، والمعتاد عليه لدى المجتمع العراقي وفي الشهر الفضيل ان يتواصل بالزيارات المستمرة وموائد الافطار الجماعية التي تجمعه باقربائه واصدقائه وجيرانه، وفي ظل هذه الظروف الطارئة والعصيبة التي يمر بها العالم وبلادنا فإن الحفاظ على القيم المجتمعية ضرورية مع ادخال بعض التغيير، فعوضا عن التزاور المباشر المستمر من الممكن الاستعاضة عنه بالاتصال هاتفيا بهدف الحفاظ على اللحمة الوطنية والتآصر الاجتماعي. ويشير الخفاجي الى انه من الضروري اتباع النصائح الطبية والارشادات، وعندما تنتهي الازمة بشكل كامل وتعود الحياة بالتدريج، فمن غير الصحيح تناسي وتجاهل التحذيرات التي اطلقت بهدف الحفاظ على سلامة وصحة المجتمع.
نصائح
الاربعيني موفق كاظم يحرص على غسل أي شيء يجلبه من السوق، فهو قد يمضي ساعات وهو يعقم الادوات المنزلية والمواد التي يشتريها كي يتجنب دخول هذا الوباء الى منزله، وفي شهر رمضان تكون اجراءاته اكثر صرامة مع وجود فيروس كورونا، يقول موفق: انا احرص بشكل كبير على تعقيم اي حاجة تدخل الى بيتي خصوصا تلك التي أتسوقها، فضلا عن اتباعنا للارشادات والنصائح المهمة التي تطلقها الجهات المعنية، وفي شهر رمضان اصبحت تلك الوقاية اشد صرامة فانا أمنع اولادي من الخروج بشكل تام من المنزل، واقوم بمهمة التسوق والتباعد الاجتماعي حفاظا على أسرتي ونفسي من جائحة كورونا التي هاجمت دول العالم بشراسة كبيرة.
ثقافة مجتمعيَّة
اعتادت السبعينية أم كمال العابدي في شهر رمضان من كل عام ان تستقبل اولادها واحفادها واعداد مائدة الطعام الرمضانية التي تضم اشهر الاطباق والمأكولات العراقية، ابنتها الصغرى سهر ماجد قالت: لم يكن من السهل اقناع والدتي بالتخلي عن عادتها المتبعة كل عام في استقبال اشقائي واولادهم في المنزل، ولكنها وحرصا على سلامتهم وافقت على ان تتواصل معهم عبر وسائل الاتصال والتحدث مع احفادها ومشاركتهم الامنيات الرمضانية على امل اللقاء بهم قريبا بعد زوال هذا الوباء
بشكل تام».
العابدي اشارت الى ضرورة التخلي عن بعض العادات المتبعة في شهر رمضان لهذا العام بسبب كورونا وهذا لايعني هجر العبادات والامتناع عن مساعدة الاخرين لاسيما الأسر المحتاجة، بل بالعكس التركيز على مفهوم التكافل الاجتماعي وتوزيع السلات الغذائية لمساعدة المحتاجين خصوصا وان فترة الحظر الشامل قد سببت الكثير من الاضرار وقطعت ارزاق الأسر الفقيرة والمحتاجة، واذكر ان مجتمعنا العراقي قد مر بصدمات ومصاعب كثيرة، وكان يخرج من تلك الازمات بروح جديدة، ويشعر بمسؤولية أكبر ووعي تجعله قادرا على تجاوز المرحلة الصعبة التي مر بها، ومن الضروري معرفة ان العالم بعد خروجه من وباء كورونا لن يعود كما في السابق لا اقتصاديا ولا اجتماعيا، ومن المهم ان يكون قد استوعب هذا الدرس وما حمله من ايجابيات فهو عزز من التواصل الاسري والتقاء افراد الأسرة الواحدة حول مائدة الطعام وتبادل الاراء والافكار، كما انه اعاد العديد من العادات والتقاليد المجتمعية السامية التي افتقدها المجتمع في ظل حركة التطور والتكنولوجيا التي غزت المنازل وسيطرت على عقول الكثيرين
قد يهمك ايضا
نشطاء بيئيون يُحذرون من خطر جديد بسبب فيروس "كورونا" المستجدّ