دمشق ـ سانا
رواية الصدع هي إحدى الروايات التي تتحدث عن الإنسان وأول ظهور له ربما على الأرض بأسلوب يقوم على التخييل والافتراض للكاتبة البريطانية الشهيرة دوريس ليسينغ نقلها إلى العربية حمد ابراهيم عبدالله والحائزة جائزة نوبل للآداب عام 2009. تستند الكاتبة في روايتها إلى تاريخ متوارث شفهيا وبعضه كتابي ويبرز أسلوبها بنقل الصورة بطريقة قصصية تتخللها افتراضيات ونماذج من حياة المؤرخ الحالية كتشبيه لتلك الحياة التي كانت منذ عصور بعيدة دون أن تعتمد الرواية على أساس علمي يمكن أن يكون صحيحا بالضرورة. تتحدث الرواية عن المخلوقات البحرية التي خرجت إلى الشاطىء وكانت صدوعا نسبة للصدع الصخري الذي نمت بشقه الورود الحمراء الناعمة وهي إناث تعتبرها الكاتبة مخلوقات بحرية ولكن طارئا دخل على تلك الحياة المستقرة بولادة أول ذكر نسبة لحيوان بحري له فتحتان واحدة للزفير وأخرى للشهيق وكيف أن الصدوع حاولت التخلص من النوافير وهي الذكور بتركها على صخرة سموها صخرة الموت حيث تأتي النسور على الفور لأخذهم منها فتظن الصدوع بأن النسور تقتات بالنوافير لكن الفرضية تقول إن النسور كانت تأخذ النوافير إلى أعشاشها وتعتني بها كنوع من العناية الإلهية كما قيل إن أول ذكر كان من بيضة نسر. وتبين الكاتبة أن تلك الولادات تتالت إلى أن وصلت إلى خروق حدثت بإصرار أحد الصدوع على الاحتفاظ بمولودها وتبعتها خروقات أخرى جعلت اللقاء واقعا بين الجنسين وحدث التزاوج وسقط معه التلقيح الذي كان سائدا فأصبح التكاثر مقترنا بالجنسين وعظمت الحاجة لبعضهم البعض وظهر النسل الذي انحدرت منه البشرية هناك وكان هورسا رمز الرجل ومارونا رمز الأنثى هم الحاكمون حيث تقول الرواية إن هورسا هو ابن مارونا لأن كل الرجال هم أولاد النساء أي الصدوع وعليه فالمرأة هي الأصل وهي التي أتت أولاً وجاء الرجل لاحقاً والمرأة كانت تلد قبل مجيء الرجل. تظهر الرواية جدلا صاخبا يبدأ في الافتراضية البدائية للبشر وعناية النسور والظباء ثم إظهار الرجل كصبي أو طفل حيث هناك طفل كبير وطفل صغير أي الرجل مهما كبر يبقى طفلاً وبحاجة لأمه ثم إظهار النساء بعقلهن الراجح وحكمتهن العالية وما عانينه من مشاكل الرجال الذين جلبوا الفوضى وعدم الطمأنينة. تتميز الرواية بعدم انحيازها لأي الجنسين فما كتب في الرواية كان رجوح كفة على حساب أخرى بين الحين والآخر ولكن النهاية أظهرت أن النساء هن البداية وهن النهاية وأنهن كانوا على صواب وما حمله الرجال كان المتاعب والهموم وتتساءل الرواية لكن أليس الرجال من يملؤون الأرحام ويذهبون للعمل ويجلبون الطعام فمن أين أتت تلك الغريزة الرجولية بحب المغامرة والاستكشاف على عكس المرأة هل هي من النسور أم من الغابة أم هرباً من واقع النساء البليد الذي لا يسعى نحو التطور. وتعمل الكاتبة كالمؤرخ في هذه الرواية محاولة الربط منطقيا بين الأفكار لكن الأجوبة تبقى جدلية لا تسليم فيها ولكن كل المؤشرات تدل على أن جميع التطورات والاكتشافات جاء بها الرجال واستخدموها وطوعوا عناصر الطبيعة لصالحهم. وتكشف الرواية عن قصة جدلية وأمثلة من الواقع تظهر حاجة الجنسين الماسة لبعضهما وتكاملهما وتضفي طرحاً فيه شيء من المنطق على الطروحات العديدة لبدء الخلق ولكن بطريقة فريدة وجديدة تحمل جرأة كبيرة وتحد كبير للمجتمع الذكوري ولكن الحقيقة تبقى غامضة ولا أحد ينكر حقيقة حاجتنا لحنان الأم ورعايتها وتسامحها مع أخطائنا ووجود الآلهة القديمة بتعددها على شكل واسم المرأة يمنح شيئاً من التأكيد ربما على الحقيقة التي تسقط الكاتبة عليها الضوء في روايتها. يرقى مستوى السرد عند الكاتبة بشكل ملحوظ إلى أسلوب حديث ومبتكر ويمتلك كل مقومات السرد الروائي مع قدرة الكاتبة على ربط الحوار وحركة الشخصيات حول العقدة الدرامية التي يدور حولها الموضوع ومع المحافظة أيضا على التسلسل الزمني والمكاني والبيئي للحركة.