ألاقي زيك فين يا علي قصة واحدة تختصر حكايات كثيرة

"ألاقي زيك فين يا علي": قصة واحدة تختصر حكايات كثيرة

"ألاقي زيك فين يا علي": قصة واحدة تختصر حكايات كثيرة

 العراق اليوم -

ألاقي زيك فين يا علي قصة واحدة تختصر حكايات كثيرة

سماء أبو شرار

لم تفاجئني رائدة طه في تجسيد قصتها على مسرح بابل في بيروت، بتقديمها عملا مسرحيا بعنوان "ألاقي زيك فين يا علي"، فمعرفتي بها تعود إلى أيام الطفولة، طالما تميزت بشخصيتها المرحة وخفة ظلها وجرأتها اللا متناهية.


ما زلت أذكر جيدا كيف كان والدي يسستنجد برائدة في جلساتنا العائلية لإضفاء جو من المرح على "القعدة" فنسمعه يقول لها: "رائدة قلّدي لنا اللهجة الخليلية"- باعتبار أننا "خلايلة"(نسبة إلى أهل الخليل) أو "رائدة شو رأيك ترقصي لنا شوي؟"


ما عاشته كابنة شهيد أعادت رائدة تمثيل جزء منه على المسرح في انسيابية وحميمية، على الرعم من قسوة الكثير من المواقف التي تعرضت لها وعائلتها. بهذا المعنى، جسدت رائدة من خلال قصتها، العديد من حكايات أسر الشهداء، لاسيما مع الخصوصيات والتفاصيل التي لا تلغي الكثير من القواسم المشتركة بحلوها ومرها.


نجحت رائدة في تعرية الهالة التي تحيط بالشهادة والشهداء وعوائلهم من بعدهم، وأسقطت العديد من المحرمات التي طالما أحاطت بالثورة الفلسطينية ورموزها، لتظهرهم في ألوانهم الطبيعية كبشر عاديين، فمنهم المتحرش والمنافق والانتهازي والاستغلالي، ومنهم الحنون والوفي والصادق.


استطاعت رائدة من خلال النص والأداء المتميزين أن تمسك بمهارة بذلك الخيط الرفيع الذي يفصل المبكي من المضحك، لتكسر بالتالي الكثير من "التابوهات". وكثيرً ما قيل لنا إن النقد الذاتي يجب أن يبقى داخل البيت ولكن هذا البيت ترهل وكان لا بد لأحد أن ينفضه، ففعلت رائدة ذلك. فكم منا نحن أبناء وزوجات الشهداء تعرضنا لمواقف شبيهة لما تعرضت له رائدة وأخواتها وأمها، ولكن أحدا منا لم يتجرأ على التطرق إليها علنا، لكن رائدة فعلتها ولامست كل واحد منا، لعلها تضمد بعض جراحها وجراحنا.


قد أكون استمتعت أكثر من غيري بـ"ألاقي زيك فين يا علي" ربما لأنني اعرف رائدة منذ أيام الطفولة، أو ربما لأنني أعرف جميع شخصيات رائدة في هذا العمل المسرحي، أو ربما لأنني كرائدة عشت تفاصيل خسارة والد بعمر مبكر من أجل قضية قيل لنا إنها أسمى ممن هم من دم الشهيد ولحمه، لنترك نواجه مصيرنا من دون أي حصانة.


ضحكت وبكيت مرات عدة خلال المسرحية على مشاهد جسدت تفاصيل شهداء تركونا وعائلات عاشت في ظل ثورة مكسورة لم يبق منها إلا الذكريات.. أما فلسطين القضية، فهي غائبة حاضرة تقترب منا قليلا قبل أن تبتعد أكثر فأكثر.


استطاعت رائدة من خلال تجربتها التي عاشتها وعائلتها بعد استشهاد والدها في "عملية سابينا" في العام 1972 أن تجبرنا على إعادة تقييم أنفسنا وتجاربنا ومعتقدات كثيرة اعتبرنا أنه محرم علينا التطرق إليها علنا.


الأهم أن رائدة وبالتعاون مع المخرجة لينا أبيض، أعادت المشهد الفسطيني بجماله وقبحه إلى قلب بيروت. التي تضم الكثير من الفلسطينيين الذين يعيشون في الخفاء والظل هربا من نظرة سلبية للوجود الفلسطيني في ذاكرة "المجتمعات" اللبنانية.


أعادتنا رائدة إلى سنوات "الثورة" ومعها إلى اللهجة الفلسطينية التي يتجنبها كثير من الفلسطينيين في لبنان لكي لا يضيعوا فرصة عمل أو مخافة أن يعاملوا بطريقة غير مستحبة من طر مجتمع حكم مسبقا عليهم بمجرد أن يسمعهم يتكلمون لهجة بلدهم الأصلية.


ولكم كان جميلا رؤية شاب فلسطيني من مخيم الضبية يقترب من رائدة طه بعد العرض معبرا لها عن تأثره بعرضها لدرجة أنه لا يجد الكلمات المناسبة لوصف انفعاله، مع العلم أن مخيم الضبية من أكثر المخيمات تهميشا في لبنان، فغالبية سكانه لا يتحدثون اللهجة الفلسطينية وبعضهم حتى لا يصرح عن فلسطينيته، وذلك بسبب موقعه الجغرافي الحساس.
ولكم كان جميلا رؤية سيدة لا أدري إن كانت فلسطينية أو لبنانية تصارح رائدة بتأثرها الشديد بجملتها الأخيرة في العمل وهي تقول "علي ما رح يموت إلا لما أنا أموت"، لتعبر لها وهي تبكي بحرقة أنها تخاف أن تضيع القضية الفلسطينية، فتطمئنها رائدة بأنه يستحيل أن تضيع القضية وأنها باقية معنا.


صحيح أن رائدة لم تفاجئني بقدرتها التمثيلية ولكنها فعلا أدهشتني كما أدهشت غيري بقدرتها على حياكة قصة بهذه التفاصيل الحميمة والجريئة في آن معا وبقدرتها على تقمص شخصيات عدة وتأديتها بصدق وحرفية كبيرين لتتمكن من حبس أنفاسنا على مدى تسعين دقيقة ونحن نتابع المشاهد الواحد تلو الآخر.


قد تكون عروض "ألاقي زيك فين يا علي" انتهت، على الأقل في بيروت، ولكن صدى هذا العمل سيبقى معنا طويلا تحديدا نحن الذين عشنا التجارب المماثلة لتجربة رائدة أو عايشنا سنوات الثورة في لبنان.


في ردها على رسالتي القصيرة لتهنئتها بالعمل، قالت لي رائدة طه: "أخيرا فعلت شيئا نيابة عنا جميعا."


هذا بالفعل ما فعلته رائدة من خلال هذا العمل، فقد استطاعت أن تجسد جزء من كل واحد منا لامسته الشهادة. شكرا رائدة طه لأنك أشفيت غليل الكثير منا.

iraqtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ألاقي زيك فين يا علي قصة واحدة تختصر حكايات كثيرة ألاقي زيك فين يا علي قصة واحدة تختصر حكايات كثيرة



GMT 12:16 2019 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

فتاة القطار

GMT 16:24 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

أجيال

GMT 19:35 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

GMT 17:50 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

في نسف الثّقافة..

GMT 14:29 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

الحُرّيّة

GMT 17:41 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

​عبدالرحمن الأبنودي شاعر الغلابة

GMT 13:08 2018 الأربعاء ,18 إبريل / نيسان

الموت كتكتيك أيدولوجيّ

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 22:02 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 13:56 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة: هاني مظهر

GMT 07:16 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

الأقمشة المخملية تعود من جديد بتصميمات كلاسيكية جذابة

GMT 05:13 2013 الأحد ,30 حزيران / يونيو

السمر يمتلكون جاذبية وإثارة غير طبيعية

GMT 11:41 2018 السبت ,22 أيلول / سبتمبر

جمالي تهنئ المملكة السعودية بعيدها الوطني ال88

GMT 19:04 2018 الخميس ,02 آب / أغسطس

تغيير نظام صعود برج إيفل يزعج السياح

GMT 09:36 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

أول صورة من حفل زفاف الخليل كوميدي

GMT 00:33 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

أمير الشمالية يشارك ‫أيتام عرعر طعام إفطار رمضان
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq